در حال بارگذاری ...
Sadegh Khademi - Optimized Header
Sadegh Khademi

الفصل الأول: الوعي المتجسد: الإنسان المتجسد

الفصل الأول: الوعي المتجسد


الإنسان المتجسد

الإنسان المتجسد هو كائن مادي محصور في نطاق المادة، تتجلى شخصيته في جسده الذي يحمل وعيًا وقدرات تابعة له. ويتمثل وعي الإنسان المتجسد في مكتسباته العقلية ومعارفه المستمدة من تجربته.

الذهن وآلية الإدراك

الوعي، بوصفه مفهومًا فلسفيًا من المعقولات الثانية، هو نتاج عمل الذهن. وتسعى العلوم المعرفية إلى استكشاف طبيعة الذهن المتجسد، وآلية التفكير، وكيفية اكتساب المعرفة. ويُبحث الوعي، بوصفه صفة ذهنية، في ارتباطه بالفاعل العارف الخارجي، ويُدرس هذا الارتباط في سياقه العيني.

الذهن المتجسد مادي وفيزيائي بطبيعته. وتُعد المادة الذهنية فاعلاً عارفًا وواعيًا ومستقلًا بذاته، قادرًا على التعلم والاحتفاظ بالمعرفة بشكل نسبي، وفقًا لخصائص الجزيئات المادية المساهمة في تحديد الوعي وقوته أو ضعفه. ويتمتع الذهن بالقدرة على إقامة علاقات وتفاعلات ضمن عملية معقدة تتفاعل مع العالم الحيوي المحيط.

الذهن، بوصفه فاعلاً عارفًا، يتجلى كظاهرة مدركة تنتج المعاني المتسقة مع الواقع الخارجي. ويتميز هذا الإدراك بدرجات متفاوتة من الوضوح والنقاء، وفقًا لطبيعة الذهن وشخصيته. ولا يقتصر هذا الإدراك على فعل واحد، بل يتشكل ضمن عملية معقدة تتضمن تفاعلات مادية ومثالية وعقلية، جميعها مادية في نشأتها الأولية.

علاقة الذهن بالعلم والوعي

تتسم علاقة الذهن بالعلم والوعي بكونها علاقة المنشئ بالمنشأ، شبيهة بمفهوم الرابط في الفلسفة الصدرائية، حيث يكون المعلوم عين ارتباطه بالذهن. وهذا الارتباط متأصل في واقع المعلوم ذاته، وليس مجرد نسبة إضافية أو وصف عرضي. فالمعلوم، من حيث حقيقته، ينتمي إلى الذهن بصورة جوهرية.

الذهن ليس هو النفس أو الذات الحقيقية، بل هو كيان مستقل بذاته، لا يحتاج إلى ماهية خارجية لإثبات وجوده. وهذه الاستقلالية لا تعني الانفصال عن العالم الروحي كما في الفكر التنويري، بل تشير إلى ذات نقية تتسم بالصفاء والأخلاق والانسجام، متخلية عن الأنانية والمشاعر السلبية، مما يمكنها من الوصول إلى وعي أكثر نقاءً وشمولية.

الذهن ليس من قوى النفس، بل هو كيان متميز، ليس مجرد كيفية نفسانية أو انفعال أو علاقة إضافية. ولهذا، فإن العلاقة بين الذهن والنفس ليست علاقة حاكٍ ومحكي، بل هي علاقة ذات واقعية عينية.

النفس والذات الحقيقية

النفس، أو الذات الحقيقية، هي الهوية الجوهرية لكل فرد، تمثل حقيقته الفريدة التي خُلق من أجلها، وتحمل وظيفة خاصة لا تتكرر. ويخدم الوعي الذهني والمعرفة القلبية هذه الوظيفة، حيث تعمل النفس كمرتبة كمالية تتجاوز الطبيعة، وتتكامل مع الحكمة القلبية لتحقيق هذه الذات.

بعد العلم الحضوري بحقيقة الوجود، يتجلى العلم الحضوري بالنفس والذات الحقيقية بوضوح في مرتبة القلب الباطني. ومع ذلك، يوجد وعي مشوب في مرتبة الطبع والنفس، مشترك بين جميع البشر المتجسدين، متفاوت في قوته وضعفه.

حقيقة الذات الحقيقية، بوصفها كيانًا بسيطًا غير مركب، تُدرك حضوريًا عبر القلب بكيفية نقية وواضحة، بينما يظل الذهن مشوبًا في فهمها. وهذا الوعي المشوب يعد من الأسس المشتركة لدى البشر، يتفاوت في وضوحه.

الإدراك والمعرفة

يتحقق العلم بالذات والوعي بالظواهر الأخرى بطريقة حضورية وخلاقة عبر آلية الإدراك القلبي. أما الطبيعة والذهن المادي، على الرغم من شعورهما الحضوري، فإنهما مقيدان بمحدوديات المادة، مما يجعل اكتساب المعرفة عملية تدريجية تتطلب زمنًا وإرادة وتفاعلاً مع العالم الجماعي.

الذهن متجسد، ويرتبط بكل خلية في الجسد، حيث يمثل مركز الشعور والإدراك. فالجسد بأكمله وعي، والعلم متغلغل في أدق جزيئاته وخلاياه. وكل جزيء هو نظام معرفي مستقل، يمتلك معرفة بما يجب عليه فعله، ويتبادل المعرفة مع غيره من الجزيئات وفقًا لظروفه الباطنية والخارجية. وتحمل هذه الجزيئات معلومات غزيرة يمكن الوصول إليها عبر التفكير الخلاق في حالة من الانسجام والتجرد من القلق.

الخلية ونظامها المعرفي

في تقييم المعرفة الحالية، تُعد الخلية وحدة معرفية تحمل تعليمات جزيئية مشفرة لتوجيه أنشطتها. وتمثل الإشارات الخلوية جزءًا من نظام معقد للتواصل ينظم أداء الخلايا ويوجه تفاعلاتها.

الذهن المادي اللطيف، عبر الدماغ والقلب والإدراكات الحسية أو المفاهيم الذهنية، يتلقى الإشارات ويعيد تشكيلها ليحولها إلى وعي حضوري. ويمتلك الذهن قدرة على إنتاج الوعي وتوليد العلم والحكم، متضمنًا مراتب الإدراك الحسي، والوهمي، والخيالي، والعقلي، إذا كانت هذه المراتب حيّة ونشطة.

مراتب الإدراك

بعد الإدراك الحسي، يأتي الوهم كأدنى مراتب الوعي، ثم الخيال، ومن بعده الإدراك العقلي الذي يهتم بالعلوم المادية. وتظل هذه المراتب ضمن نطاق الذهن المادي.

تفاعل الذهن والنفس

يتفاعل الذهن والنفس في عملية مشتركة، تنمو أو تتدهور وفقًا لظروفها. والنفس، التي تنبثق من الجسد المادي، تبدأ مادية، لكنها إذا صفت وتجرّدت، تحول آلية إدراكها إلى الإدراك القلبي.

الارتقاء الروحي

في الارتقاء الروحي فوق مرتبة القلب، يتحقق الإنسان بالتجرد والمحبة والوحدة، فيصبح إنسانًا إلهيًا يمتلك المعرفة الروحية. وسنتناول تفاصيل هذا في الفصل الثاني.

حدود الذهن

نطاق الذهن لا يشمل المعرفة الروحية، إذ يقتصر على التجربة الحسية والعلوم المفهومية، ولا يتجاوز التجسد. ومع ذلك، يمكنه أن يخضع للمعرفة الروحية بالتسليم والاحترام.

الدماغ والقلب: دور الأعضاء الحيوية في تكوين الوعي المادي


الدماغ والقلب في نطاق الوعي المادي

في نطاق المادة، يرتبط الذهن وجهاز الإدراك ارتباطًا وثيقًا بالدماغ والقلب. تُظهر البيانات العلمية المتعلقة بالإدراك أن قدرات الدماغ، إلى جانب دور القلب في تكوين الوعي والمعلومات العقلية، واسعة النطاق. فالدماغ يتولى قيادة العمليات العقلية وتنظيم وظائف الأعضاء، بينما القلب مصدر الحياة والإرادة، ومركز تنظيم الحواس الباطنية، ومتصل بالمعاني العميقة، ومنبع الإدراكات البيئية.

يُعدان الدماغ والقلب قناتين أساسيتين لتدفق المعلومات في جهاز الإدراك. تعتمد القدرة على إدراك البيئة المحيطة، والتعلّم، والذاكرة، والتحليل، والتوهم، والتخيل، والمشاعر، والحواس – التي قد تشمل أكثر من عشرين حسًا وفق بعض التصنيفات العلمية الحديثة – على الجهاز العصبي.

الدماغ: مركز المعالجة العقلية

يُعد الدماغ البشري جهازًا بالغ التعقيد. أكبر أجزائه، وهي الطبقة الخارجية المعروفة بالقشرة المخية، ترتبط ارتباطًا مباشرًا بعمليات الإدراك، والتفكير، والاستدلال. في النطاق الجسدي، تُستقبل المعلومات على شكل موجات طاقة من الأعضاء الحسية، سواء من داخل الجسد أو خارجه، عبر الأعصاب الحاملة، وتُنقل إلى الدماغ، حيث تُحوَّل الأحداث إلى أشكال مادية.

تُشكل الخلايا العصبية (النيورونات) العناصر الأساسية والوظيفية للنظام العصبي، حيث تنقل الإشارات إلى المراكز الرئيسية، أي النخاع الشوكي والدماغ، اللذين يتوليان معالجة المعلومات الواردة من البيئة.

يربط الدماغ جميع المدخلات والأنماط المستقبلة، ويستكشف أوجه التشابه والاختلاف والعلاقات بينها. إنه معالج ومحلل فعّال للمعلومات، يتميز بحساسية عالية تجاه الحداثة، أي درجة التغيرات بين الأنماط. يُقدّر الباحثون التجريبيون أن العمليات الحسابية التي يجريها الدماغ لأداء فعل بسيط ظاهريًا، كرفع كوب إلى الفم، تُعادل تقريبًا حجم بيانات كتاب كامل. تتشكل هذه العملية الإدراكية داخل بنية الدماغ المادية بعد استقبال المدخلات.

يعمل الدماغ كمعالج موازٍ، مما يعني أن لا انفصال بين الذهن والجسد. يقوم الدماغ بالتعلّم وغيره من الأنشطة بالتعاون مع الجسد، الذي يخضع لسيطرته. من بين أعضاء الجسد، يمتلك القلب أوسع شبكة اتصال مع الدماغ، ويؤدي دورًا جوهريًا في توليد ونقل المعلومات الضرورية لوظائف الجسد.

القلب: مركز التنظيم الحيوي والمعنوي

إذا تمكن الذهن من فهم البنية الطبيعية للجسد وتنظيمه في نظام متوازن ومتناغم، بحيث يستجيب الجسد فوريًا لما يدركه الذهن، ويصبح الذهن والجسد كيانًا موحدًا، فإن نطاق الوعي وقرارات الذهن يصبحان منسجمين وسريعي الاستجابة. لتحقيق هذه المهارة، ينبغي تهيئة الجسد بالرياضة ليكون مرنًا، وسريعًا، ومتجاوبًا. فكلما ازداد نشاط الجسد ومرونته، ازداد تناسقه مع الذهن.

يرتبط الوعي العقلي ارتباطًا وثيقًا بعلم الأحياء، فهو ظاهرة جسدية بيولوجية تتضمن تغيرات جزيئية واتصالات عصبية، وتتعلق بعلم الأعصاب ووظائف النظام الدماغي.

يحتوي القلب على عدد كبير من النيورونات الحسية (حوالي أربعين ألف نيورون)، تساهم في نقل المعلومات إلى الدماغ، مما يمنح القلب القدرة على الإحساس، والتنظيم، واستعادة البيانات. القلب ليس مجرد مضخة ميكانيكية، بل هو أقوى وأثبت مولد لأنماط المعلومات المنتظمة في الجسد. يرتبط بالدماغ وسائر الأعضاء عبر نظام اتصال واسع يشمل قنوات عصبية (النبضات العصبية)، وبيوكيميائية (عبر الهرمونات، خاصة تلك المضادة للتوتر، وهرمون الأوكسيتوسين المرتبط بالمودة والروابط الاجتماعية، والنواقل العصبية)، وبيوفيزيائية (عبر موجات صوت القلب والنبض)، وطاقية.

هرمون الأوكسيتوسين، المعروف بهرمون المودة والارتباط الاجتماعي، يُنتج في الدماغ والقلب بتركيز مماثل. يساهم هذا الهرمون في الولادة، والرضاعة، والإدراك، والصبر، والثقة، والسلوكيات الجنسية والأمومية المعقدة، وفي تعلم الإشارات الاجتماعية وإقامة الروابط البشرية.

المجال الكهرومغناطيسي الناتج عن نبضات القلب المنتظمة أقوى بحوالي خمسة آلاف مرة من المجال الناتج عن الدماغ، وهو أوسع مجال كهرومغناطيسي في الجسد. يمكن قياس هذا المجال خارج الجسد، حتى على بعد عدة سنتيمترات، باستخدام أجهزة قياس مغناطيسية حساسة.

يمتلك القلب شبكة عصبية واسعة مع الدماغ، وهناك علاقة ثنائية ذات دلالة أكبر بينهما في معالجة المعلومات والوعي مقارنة بسائر الأعضاء. يؤثر القلب تأثيرًا ملحوظًا على الدماغ، حتى إنه يُطلق عليه أحيانًا “الدماغ الصغير” لنظامه العصبي المعقد. القلب عضو حسي ومركز معالجة وتكويد معلومات معقد. إلى جانب معไทยمกล้อง وأدوات المطبخ معًا نظام طاقي قلبي شامل يكوّد ويوزع المعلومات لتنسيق وتنظيم وظائف الجسد ككل.

الوعي: بين الإنسان والكائنات الأخرى

رغم أن نطاق إدراك الإنسان وفهمه واسع ومتعدد الإمكانات، ويُعتبر أعقد الكائنات بفضل تطور دماغه وجهاز إدراكه وقدرته على الوصول إلى الحقائق، فإن هذا ليس الفارق الجوهري بينه وبين الحيوانات. تمتلك الحيوانات أيضًا نظمًا إدراكية معقدة وشعورًا خفيًا يحمل معاني كثيرة.

الوعي العقلي ليس حصريًا على الإنسان. الكائنات الحية الأخرى التي تمتلك نفسًا، خاصة بعض الحيوانات التي تجاوزت الطبيعة ووصلت إلى مرتبة النفس، تمتلك وعيًا قد يفوق وعي البشر العاديين المقتصرين على الطبيعة دون بلوغ النفس.

يُحدث الوعي، والرؤية الكونية، والاعتقاد، تمييزًا بين البشر، فيجعلهم إما عاديين أو متميزين. تتفاوت الحيوانات أيضًا في مستوى إدراكها، لكن تطورها المعرفي محدود. النفس، سواء كانت بشرية أو غير بشرية، تحمل في داخلها كثرة من المعارف الحضورية. حتى الطفل الذي تجاوز الطبيعة ووصل إلى النفس يمتلك بحرًا من القضايا المعرفية غير المكتسبة، دون تدخل من مُربٍ بشري، تتجلى في قرارات واختيارات نفسية مُعجبة.

يسعى الذهن، في نطاق الإدراكات الحسية والفهم المفهومي، ضمن بنية جماعية ومتشابكة مع الظواهر المتشابهة والمتفاعلة، إلى تحقيق أفضل فعل ممكن في الظروف الحالية ضمن نظام جماعي. يُعد الذهن، بتعقيده، كأنه صفحة من حلم الوجود، ينتقل من إدراك سطحي ووهمي إلى التفكير، أو النبوغ، أو التسليم لنظام الشهود الباطني.

في هذه الآلية، تتشارك الدماغ، والقلب، وسائر الأعضاء، والخلايا، والعالم المحيط، بل النظام الجماعي للوجود، في معالجة الأفكار والخواطر، وتشكيل الذهن وطبقات الوعي المختلفة. هذه المعالجة الشاملة والمعقدة لا تقتصر على الدماغ والقلب أو الجسد ككل، بل تجعل الإنسان المتجسد كيانًا فيزيائيًا كونيًا وعالميًا. لذا، لا يمكن حصر الذهن والعلوم المعرفية في الدماغ والقلب وعلم الأعصاب الجسدي، أو تجاهل دور التناسق الجماعي والتكامل المتشابك للوعي.


جميع الحقوق محفوظة © ٢٠٢٥

آیا این نوشته برایتان مفید بود؟

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

فوتر بهینه‌شده