در حال بارگذاری ...
Sadegh Khademi - Optimized Header
Sadegh Khademi

ولاية القربى والوعي

ولاية القربى والوعي

حقيقة الوجود، وهي ذات الحق تعالى، متحدة مع حقيقة الوعي، وتتداخل في آثارها وأحوالها. حقيقة الوجود متماهية مع حقيقة الحياة، الوعي، المحبة، الخير، المطلوبية، الوحدة، الشخصية، التشخص، الحق، الحقيقة، والصدق. الوجود وصفاته بسيطة، لا تقبل التعريف، غير قابلة للانقسام، وهي للعقل، بحسب التسلسل المذكور ومع التنبه للصفة المتأخرة، أعرف.

ببساطة الوجود، فإن الحياة والوعي والمحبة والوحدة هي عين ذات الوجود، وعين الحسن والنيكوى والخير. الوجود والوعي مشتركان في كثير من الآثار، منها بداهة المفهوم والحقيقة، البساطة، واستحالة التعريف. لذا فالوعي، كالوجود، في كمال الظهور، ولا يوجد ما هو أظهر منه.

الوعي، كحقيقة الوجود ومظاهره، ظاهر، ذاتي النور، ومُنير لغيره. الوجود والوعي والظهور والإدراك متحدة في المصداق، ومختلفة في المفهوم والتحليل العقلي. الحق تعالى، وظاهره ومظاهره، متصفون بالإدراك والوعي. الوعي في كل ساحة وحضرة متناسب معها. وببساطة الوعي، فإن الوعي، أينما كان، هو وعي، ولا فرق بين الوعي الواضح والمبهم، ومظاهر الحق تعالى متحدة مع الوعي.

أقوى أنواع الوعي هو ذلك المنبثق عن الوحدة، حيث تُزال الحدود بين الفاعل العارف والمعلوم المُدرَك المتعين والمتشخص، فيتحقق اتحاد العقل والعاقل والمعقول، والوعي والعالم والمعلوم، بحسب مراتب الظهور، وبشكل نسبي. النفس العارفة، بقدرتها على الحضور، تصير هي المعلوم الحاضر، وتتلبس بصورته، ويصير ظهورهما، برفع التعين بينهما، ظهورًا واحدًا. لذا، إذا استطاع الفاعل العارف أن يتخلص من تعينه الظاهري، وفي إشراق وتجلي القلب على كل تعين، أن يبلغ الفناء من تعيناته، فقد أوصل نفسه إلى كمال أعلى، واتسع وتسامى، واكتسب القدرة، إضافة إلى إيجاد المعلوم، على إثبات آثاره الخارجية على مظهره. وباعتبار دور رفع التعين في إنتاج الوعي، يُصنف العارفون المقربون والإنسان الإلهي بحسب قدرتهم على رفع التعين وكيفية فنائهم وبقائهم.

كما أن مظاهر حقيقة الوجود قابلة للتقسيم إلى مظاهر تشكيكية ومراتب متباينة تنزيلية وتصاعدية وساحات غيبية وشهادية، فإن الوعي البشري قابل للتقسيم على هذا النحو. الوعي اسم معنى، وهو متصف بالتشخص العيني، وحيثما وُجد التشخص، توجد مرتبة ونسبية وصفة خاصة وميزان مميز يحمل حكمًا خاصًا، بحيث يتغير الحكم بتغير المرتبة، ويجب مراعاة الحكم الخاص بالموضوع الجديد.

مراتب الوعي ومقامات المقربين الإلهيين

بما أن مظاهر الوجود وتجلياته غير متناهية، وممنوحة شهوة لا نهائية بمطالب لا تشبع وتطلع شامل، فإن الفاعلين العارفين ودرجات أهل المعرفة غير محدودين ولا محصورين. الوعي يجلب سعة واتساعًا في الظهور. وبانتفاء الحدود والنهاية في مراتب التجلي والفعلية اللانهائية لظهور وبطون الذات الإلهية، التي هي في كل آن في فعل وتعين، فإن الوعي والمعرفة لا نهائيان ولا يقبلان الشبع. قال الإمام الصادق (عليه السلام):

«ما من ليلة جمعة إلا ولأولياء الله فيها سرور. قلت: كيف ذلك جعلت فداك؟ قال: إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله صلى الله عليه وآله العرش ووافى الأئمة عليهم السلام ووافيت معهم، فما أرجع إلا بعلم مستفاد، ولو لا ذلك لنفد ما عندي».

ليلة الجمعة لا تخلو من سرور لأولياء الله. قال الراوي: سألت: ما هذا السرور جعلت فداك؟ فقال: إذا جاءت ليلة الجمعة، يوافي رسول الله صلى الله عليه وآله العرش، ويوافي الأئمة عليهم السلام، وأوافي معهم، فلا أعود إلا بعلم مستفاد، ولو لم يكن ذلك لنفد ما عندي.

بحر الوعي والمعرفة لا ساحل له ولا حد، ولا عرض ولا طول ولا ارتفاع ولا عمق. وكل إنسان، بحسب قربه ومحبته ووحدته، له سباحة خاصة وغوص وخوض متميز. وبحسب هذا المعيار، يُصنف العارفون الإلهيون إلى أربع فئات: المقربون النوافلي، المقربون الفرائضي، المقربون الجامعون للقربين، والمقربون المطلقون الكليون الذين يأتون إلى أي قرب بإرادتهم. محور هذا التصنيف هو كيفية القرب إلى الحق تعالى. فغاية علم وعمل هؤلاء هي الحق تعالى، وهم يصيرون إنسانًا إلهيًا بوعي خاص ومميز.

الإنسان له شهوة لا تشبع، ويطلب الكمال المطلق، وهذا الكمال لا يتحقق إلا بنفي الطمع المطلق، والمحبة الصافية، والوحدة الخالية من الجسد، وكسر التعين. المقربون النوافلي يتخذون الحق تعالى وسيطًا إدراكيًا وسلوكيًا لهم. نتيجة القرب النوافلي هي الفناء الصفاتي والتخلق بأخلاق الله كأداة للوعي. في هذا القرب والفناء والوحدة، تتلاشى الجوانب البشرية في الجوانب الربانية، ويصير الحق، من حيث ربوبيته، مبدأ صفات وأفعال العبد، بينما كان العبد سابقًا مبدأ أفعاله وصفاته، بما في ذلك الوعي، من حيث بشريته. تعين العبد في هذه المرتبة لا يزول. في هذا القرب والأنس، يصير الله تعالى، بطريقة آلية، سمع العبد وبصره ويده ووعيه. شدة المحبة والقرب والوحدة تجعل الله سمعًا وبصرًا للعبد. في هذا القرب، يفرض العبد على نفسه أعمالاً تجلب الفناء الفعلي، ويظل هو المعتبر.

المقربون الفرائضيون، على عكس النوافليين، هم وسائط إدراكية وسلوكية لله تعالى. مثال ذلك: المصلي ينطق بـ«سمع الله لمن حمده» بلسان الحق، ويسمع بأذن الحق. هذا القرب هو مقام الفناء الذاتي والولاية الكلية. العبد في هذا القرب يبلغ كنه وحقيقة الوعي وسائر صفات الحق تعالى، وسر القدر، وعلم التدبير، وخفايا كل شيء بطريقة جامعة. في القرب الفرائضي، يأتي العبد بأعمال أوجبها الله، تؤدي إلى الفناء الذاتي وزوال الجانب الخلقي. الفاعل هو الحق تعالى، والأداة هي جوارح العبد وجوانحه.

وصف حال المقربين النوافليين والفرائضيين ورد في الرواية التالية:

«عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن إسماعيل بن مهران عن أبي سعيد القماط عن أبان بن تغلب عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وآله قال: يا رب، ما حال المؤمن عندك؟ قال: يا محمد، من أهان لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي، وما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي عن وفاة المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الغنى، ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الفقر، ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك، وما يتقرب إلي عبد من عبادي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وإنه ليتقرب إلي بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت إذا سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته».

قال الإمام الباقر عليه السلام: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وآله، قال: يا رب، ما حال المؤمن عندك؟ فقال: يا محمد، من أهان وليًا لي فقد تحداني بالمحاربة، وأنا أسرع إلى نصرة أوليائي، وما ترددت في شيء أفعله كترددي في قبض روح المؤمن، فهو يكره الموت وأكره إيذاءه. وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الغنى، ولو صرفته إلى غيره لهلك، ومنهم من لا يصلحه إلا الفقر، ولو صرفته إلى غيره لهلك. وما يتقرب إلي عبد من عبادي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وإنه يتقرب إلي بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته صرت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته.

في هذه الرواية، يُذكر القرب الفرائضي أولاً، حيث يكون المقرب أداة للحق تعالى، ويعيش بكل تعينه وظاهره في خدمة الله وبإلزام ووجوب في الفناء الذاتي. ثم يُذكر القرب النوافلي، حيث يكون الله أداة العبد، والعبد في فناء صفاتي. من هذين القربين ينشأ قربان آخران: الأول جمع بين القرب النوافلي والفرائضي، وهو مقام البقاء بعد الفناء، والثاني القرب التمحض، وهو مقام الأحدية الجامعة.

المقربون الجامعون بين القرب النوافلي والفرائضي، الذين يمتلكون القربين فعليًا، يتمتعون بمرتبة جمع الجمع وكمال موهوب. أما المقربون المطلقون الكليون فلا يقيدون بأي من هذه الأحوال الثلاثة، بل يستطيعون الظهور في أي قرب، وفي جمع بين القرب النوافلي والفرائضي، دون تقيد بواحد. هؤلاء المقربون في مقام الأحدية، وأسفارهم الأربعة لا تكون متتالية زمنيًا، ويستطيعون بإرادتهم، من سر القدر وعين ثابت كل شيء، أن يعوا كل شيء. وفي روايات عدة، وُصف وعي الإمام بأنه إرادي وتابع للمشيئة:

«علي بن محمد وغيره عن سهل عن النخعي عن صفوان بن يحيى عن ابن مسكان عن بدر بن الوليد عن أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الإمام إذا شاء أن يعلم علم».

«القميون عن صفوان: مثله إلا أنه قال: إذا شاء أن يعلم أُعلم».

قال الإمام الصادق عليه السلام: الإمام إذا أراد أن يعلم، عَلِم. وفي رواية أخرى: إذا أراد أن يعلم، أُعْلِم.

مثال على هذا الوعي والالتفات الإرادي ورد في سورة الأنعام:

«إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين» [الأنعام: 79].

أن تكون الظواهر غير محجوبة ومعلومة مسألة، لكن أن يُلتفت إليها إراديًا وتصير حاضرة لتكون موضوع وعي، فهي مسألة أخرى. الإنسان الإلهي قادر على إدراك كل شيء في كل شيء، وهو مظهر كامل لـ«من لا يشغله شأن عن شأن». يحيط بظاهر وباطن كل شيء، ويجمع بين الأسماء الظاهرة والباطنة، ويرى جميع الأسماء الحسنى الإلهية في كل اسم تتجلى فيه الذات بحقيقة الأحدية الجامعة. هذه هي أعلى مراتب الولاية الكلية. قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«إن رسول الله صلى الله عليه وآله علمني ألف باب من الحلال والحرام، ومما كان ومما يكون إلى يوم القيامة، كل باب منها يفتح ألف باب، فذلك ألف ألف باب، حتى علمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب».

علمني رسول الله صلى الله عليه وآله ألف باب من الحلال والحرام، ومما كان ومما سيكون إلى يوم القيامة، كل باب يفتح ألف باب، فصار ذلك مليون باب، حتى علمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب.

وعن وعيه، قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة».

أخفيت علمًا متراكمًا في صدري، لو أفضيت به لاضطربتم كاضطراب الحبال في بئر عميقة لا يُرى قعرها.

هذا الوعي والمعرفة لا يمكن نقلهما دون تناسب وانس. قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«والله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت، ولكن أخاف أن تكفروا في بي رسول الله صلى الله عليه وآله. ألا وإني مفضيه إلى الخاصة ممن يؤمن ذلك منه».

والله لو شئت لأخبرت كل واحد منكم بمخرجه ومدخله وجميع شأنه، ولكن أخشى أن تكفروا في برسول الله صلى الله عليه وآله. لكني سأفضي به إلى الخاصة الذين يؤمنون بذلك.

وفي القرآن الكريم:

«وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون» [التوبة: 105].

وحدة سياق رؤية الله ورسوله والمؤمنين تجعلهم من سنخ واحد.

الإنسان الإلهي في مقام الفناء الذاتي والأحدية الجامعة، بصفته مظهرًا أوسع من عالم الواحدية وأسماء وصفات الله، ومظهرًا لتجليات ذاتية وأسمائية غير محدودة للحق، يحيط بالأعيان الثابتة بصورة مظهرية. ومع ذلك، يظل عطشًا للقاء المزيد من التجليات، لأن كل تجلٍ يحمل ربطًا خاصًا بتجليات أخرى وظهور جديد. هذه صفة قلب الإنسان الإلهي:

«يقول الله عز وجل: لا يسعني أرضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن».

في حديث قدسي، يقول الله: لا تسعني أرضي ولا سمائي، لكن يسعني قلب عبدي المؤمن.

لا نهائية مقام ذات الحق تعالى وتجلياته المتجددة تجعل معرفة الحق لا نهائية وغير قابلة للإحاطة. قال النبي صلى الله عليه وآله:

«ما عبدناك حق عبادتك وما عرفناك حق معرفتك».

تجليات الحق تعالى المتعينة في العرش الباطن، الكرسي الظاهر، السماوات والأرض، هي في قلب ولي الحق كخاتم في صحراء لا نهائية، وقلب الإنسان الإلهي النبيل يحيط بها جميعًا ويستطيع أن يعيها إراديًا. هذه السعة أُشير إليها في الآية:

«وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيمًا» [النساء: 113].

وفي رواية، قال أمير المؤمنين عليه السلام:

«أيها الناس سَلوني قبل أن تفقدوني، فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض، قبل أن تشغر برجلها فتنة تطأ في خطامها وتذهب بأحلام قومها».

أيها الناس، اسألوني قبل أن تفقدوني، فأنا بطرق السماء أعلم من طرق الأرض، قبل أن تندلع فتنة كالناقة الضالة تطأ مهارها وتذهب بعقول أصحابها.

وإذا قيل إن الإمام الباقر عليه السلام تحدث عن حرف مستأثر ومخفي في الرواية التالية:

«إن اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفًا، وإنما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده، ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة العين، ونحن عندنا من الاسم الأعظم اثنان وسبعون حرفًا، وحرف عند الله تبارك وتعالى استأثر به في علم الغيب عنده، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم».

إن اسم الله الأعظم يتكون من ثلاثة وسبعين حرفًا، وكان عند آصف حرف واحد فتكلم به فخسفت الأرض بما بينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده، ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين. وعندنا اثنان وسبعون حرفًا من الاسم الأعظم، وحرف واحد عند الله تبارك وتعالى استأثر به في علم الغيب عنده، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

يقال إن العلم بهذا الحرف ثابت في الآية التالية:

«عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول» [الجن: 26-28].

وفي رواية:

«روي عن محمد بن الفضل الهاشمي قال: لما توفي موسى بن جعفر عليه السلام أتيت المدينة فدخلت على الرضا عليه السلام. فنظر الرضا عليه السلام إلى ابن هداب فقال: إن أنا أخبرتك أنك ستبلى في هذه الأيام بدم ذي رحم لك كنت مصدقًا لي؟ قال: لا، فإن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى. قال عليه السلام: أو ليس الله يقول: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول)، فرسول الله صلى الله عليه وآله عند الله مرتضى، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على ما شاء من غيبه، فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة».

قال محمد بن الفضل الهاشمي: بعد وفاة الإمام الكاظم عليه السلام، دخلت المدينة وزرت الإمام الرضا عليه السلام. فنظر الإمام إلى عمرو بن هداب وقال: إن أخبرتك أنك ستبلى في هذه الأيام بدم قريب لك، أتصدقني؟ قال: لا، فإن الغيب لا يعلمه إلا الله. فقال الإمام: ألم يقل الله: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول)، فرسول الله صلى الله عليه وآله مرتضى عند الله، ونحن ورثته، أطلعه الله على ما شاء من غيبه، فعلمنا ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة.

هذا الحرف المذكور في الرواية هو علم يمكن إدراكه بالفناء الذاتي أو رفع التعين. الإنسان الإلهي، بانمحائه عن نفسه، يسري في الحقائق بحيث يعي تفصيليًا غيب الذات وآثارها وأحكامها، وهي حقائق الأسماء الإلهية وخزائن مفاتيح الغيب، ويخبر عنها.

مشاهدة الأشياء وبساطة الكمال

إن مشاهدة الحق تعالى، وفق قاعدة شمول الأشياء، هي عين مشاهدة جميع الأشياء، وهي مقدمة على كلها، وتتعلق بالعلم السابق على الظهور الخلقي والتجلي الفعلي. هذا العلم يتصل بالوحدة الإلهية، لا بظهور الأشياء في مرتبة خاصة وتعينها الخاص، إذ لا سبيل إلى الذات الإلهية مع حفظ التعين، فذلك غير أزلي.

كذلك، فإن معرفة كل ظاهر متشخص، والذي هو بحسب شخصيته الظاهرية مصداق بسيط وواحد لمحمولات ذاتية كثيرة تتعدد بحسب شدتها، حيث تجتمع جميع صفات الكمال ونعوته فيه بنمط واحد وتتحد مع تعينه، هي معرفة جميع تلك المحمولات والأشياء. هذه المحمولات تُنشأ من حيثية الذات الإلهية، لا من حيثية التقييد أو التعليل. وهذه المحمولات والكمالات هي الأعيان الثابتة، التي ليست بمجعولة ولا غير مجعولة من حيث ذاتها، بل هي موجودة بعرض الذات، لا تبعًا لها. وجميع هذه الأعيان متحدة بعرض الذات، وتُعرف بعرض العلم بالذات ومعه وبعلم واحد من الأزل إلى الأبد. لذا، فإن العلم بالأشياء في مقام الذات، وقبل ظهورها في عالم العين ومقام الفعل، ليس اجماليًا ولا تفصيليًا.

الأعيان الثابتة، كما سبق بيانه، هي حقائق لازمة للأسماء والصفات الإلهية، وهي مكنونة في ذات الحق تعالى، لا تنتقل من الغيب إلى الشهادة. والوعي بها من قبل الإنسان الإلهي من سنخ علم الحق تعالى، لا من غيب لا حضور له. لذا، فإن تصريح الإمام الصادق عليه السلام بأحد العلمين لا يعني نفي العلم الآخر عنه. بعبارة أخرى، إثبات الشيء لا ينفي ما عداه. قال الإمام الصادق عليه السلام:

«إن لله علمين: علم مكنون مخزون لا يعلمه إلا هو، من ذلك يكون البداء، وعلم علمه ملائكته ورسله وأنبياءه، فنحن نعلمه».

إن لله علمين: علم مكنون مخزون لا يعلمه إلا هو، ومنه يكون البداء، وعلم علمه لملائكته ورسله وأنبيائه، ونحن نعلمه.

وفي رواية أخرى ورد:

«علي بن محمد عن سهل بن زياد عن محمد بن الوليد شباب الصيرفي عن يونس بن رباط قال: دخلت أنا وكامل التمار على أبي عبد الله عليه السلام، فقال له كامل: جعلت فداك، حديث رواه فلان؟ فقال: اذكره. فقال: حدثني أن النبي صلى الله عليه وآله حدث عليًا عليه السلام بألف باب يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وآله، كل باب يفتح ألف باب، فذلك ألف ألف باب. فقال: لقد كان ذلك. قلت: جعلت فداك، فظهر ذلك لشيعتكم ومواليكم؟ فقال: يا كامل! باب أو بابان. فقلت له: جعلت فداك، فما يروى من فضلكم من ألف ألف باب إلا باب أو بابان؟ فقال: وما عسيتم أن ترووا من فضلنا، ما تروون من فضلنا إلا ألفًا غير معطوفة».

قال يونس بن رباط: دخلت أنا وكامل التمار على الإمام الصادق عليه السلام، فقال كامل: جعلت فداك، حديث رواه فلان؟ فقال: اذكره. فقال: حدثني أن النبي صلى الله عليه وآله أخبر عليًا عليه السلام بألف باب يوم وفاته، كل باب يفتح ألف باب، فصار ذلك ألف ألف باب. فقال: نعم، كان ذلك. قلت: جعلت فداك، فهل ظهر ذلك لشيعتكم ومواليكم؟ فقال: يا كامل! باب أو بابان. قلت: جعلت فداك، أفما يروى من فضلكم من ألف ألف باب إلا باب أو بابان؟ فقال: وماذا تتوقعون أن ترووا من فضلنا؟ لا ينبغي أن ترووا من فضلنا إلا ألفًا غير متصلة.

الألف غير المعطوفة، بحسب طريقة الخط الكوفي، هي ألف ناقصة وقصيرة.

آیا این نوشته برایتان مفید بود؟

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

فوتر بهینه‌شده