در حال بارگذاری ...
Sadegh Khademi - Optimized Header
Sadegh Khademi

ولاية الشفاعة

ولاية الشفاعة

الشفاعة هي انضمام شيء ناقص أو ضعيف إلى ما هو أعلى وأقوى وأكمل منه، متمتع بولاية إلهية وسلطان الحماية وقدرة الإمداد وإتمام الكمال، بهدف رفع النقائص القصورية أو التجاوزات المخلة بالحرمة من الله، ضمن نظام الشراكة المشاعية ونتائج الذنوب والظلم الجماعي، أو للوصول إلى رحمة ورضا أعلى من الله، بطريقة منظومية تابعة لنظام الحق تعالى، وفق معايير المحبة، التعايش، الاقتضاء السابق، وتحقق التناسب والربط الإيماني بين الشافع والمشفوع له.

في الفقه، حق الشفعة ثابت للشريك في المال المشترك المتمتع بالشراكة المشاعية بشروط معينة. الشراكة تخلق ربطًا، ولا يمكن للشريك أن يمنع الآخر من الانتفاع بهذا الحق ببخل أو إمساك أو شعور سلبي.

شفاعة أرحم الراحمين

الشفاعة ذات مراتب متفاوتة، من البدايات إلى النهايات، وصولًا إلى المعاد الحقيقي والتعايش مع الحق تعالى. بداية الشفاعة تكون بمقام الأحدية والإلهية، ومن خلال كمال الرحمة والربوبية الإلهية. يقول القرآن الكريم:

«فالله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين» [يوسف: 64].

فالله أفضل حافظ، وهو أرحم الراحمين.

شفاعة «أرحم الراحمين» لها وجهان: وجه بلا واسطة وهو الحقيقي، ووجه يتمتع بالوساطة والترتيب. في ميدان الشفاعة، يبرز اسم «أرحم الراحمين»، وهو أوسع وأشمل من «الرحمن» و«الرحيم» بين الأسماء الإلهية. الشفاعة تظهر بهذا الاسم وتنتهي إليه، فيتقدم الحق تعالى ليضع عباده والظواهر في حصن الشفاعة وملاذ الأمان بمغفرته وكرمه العظيم. في هذه اللحظة، يظهر اقتدار الشفاعة الإلهية في المحشر الجماعي، حيث لا حول ولا قوة ولا جهد يُجدي نفعًا، ولا يملك الظاهر إلا السواد والابتلاء بشراب الذنوب المر، ولا حقيقة إلا العناية الربانية في نظام مشاعي بين الوجود والظهور، بعيد عن قهر الضعفاء، حيث كل شيء بحكم الله القادر الرحيم البعيد عن الاستبداد:

«فالله يحكم بينكم يوم القيامة» [النساء: 141].

فالله يحكم بينكم يوم القيامة.

في هذا المشهد، من لا يملك صلة بسلطان ورحمة الله يبقى في حرمان أبدي، ولا يجد من ينفعه، إذ الكل ليس إلا ظهورًا وتجليًا منه. الله، في وجه إفناء الأسباب، يرى جميع الظواهر بنظر واحد، والخلق عنده خالٍ من النقص، وهو ضامن جميع الظواهر مباشرة في المشهد بكامل رحمته وكرمه:

«ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور» [الملك: 3].

لا ترى في خلق الرحمن من تفاوت، فأعد النظر هل ترى من خلل؟

الأهم في هذا الوجه هو ألا يكون المرء متستراً بالغفلة والجهل، أو محجوباً بنفسه والخلق، أو متورطاً في الإنكار والعناد. وإلا فالإنسان الخلقي هو إنسان جسماني بلا صلة. أما الإنسان الإلهي فهو إنسان حقيقي يعيش بلا سبب أو واسطة، بربط مباشر مع الحق تعالى. العاشق الخالي من الطمع والإنسان الطاهر الإلهي لا يخرب سببًا ولا يسعى لخلق أسباب.

الشفاعة الأخروية

صورة أخرى للرحمة الإلهية تتجلى في رجوع الظواهر والالتجاء إلى الحق تعالى بشكل الشفاعة الأخروية. مقدار الانتفاع بهذه الشفاعة يتناسب مع الانتفاع بالهداية الإلهية في عالم الناسوت. لذا، فإن الشفاعة تمتلك مشاهد ومراتب مختلفة.

تجلي عشق الحق تعالى لعباده وهيمان الأحدية في الشفاعة، ومظهرها الخلقي لاسم «أرحم الراحمين» هو السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، التي هي جلاء الخلائق ومصدر صفائها وخلوصها في المحشر. في تفسير فرات الكوفي ورد:

«سهل بن أحمد الدينوري معناً عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام قال: قال جابر لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك يا ابن رسول الله، حدثني بحديث في فضل جدتك فاطمة، إذا أنا حدثت به الشيعة فرحوا بذلك. قال أبو جعفر عليه السلام: حدثني أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا كان يوم القيامة نُصب للأنبياء والرسل منابر من نور، فيكون منبري أعلى منابرهم يوم القيامة، ثم يقول الله: يا محمد، اخطب، فأخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها، ثم ينصب للأوصياء منابر من نور، وينصب لوصيي علي بن أبي طالب في أوساطهم منبر من نور، فيكون منبره أعلى منابرهم، ثم يقول الله: يا علي، اخطب، فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها، ثم ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور، فيكون لابنيَّ وسبطيَّ وريحانتيَّ أيام حياتي منبر من نور، ثم يقال لهما: اخطبا، فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلهما، ثم ينادي المنادي وهو جبرئيل عليه السلام: أين فاطمة بنت محمد؟ أين خديجة بنت خويلد؟ أين مريم بنت عمران؟ أين آسية بنت مزاحم؟ أين أم كلثوم أم يحيى بن زكريا؟ فيقمن، فيقول الله تبارك وتعالى: يا أهل الجمع، لمن الكرم اليوم؟ فيقول محمد وعلي والحسن والحسين: لله الواحد القهار».

قال الإمام الصادق عليه السلام: قال جابر للإمام الباقر عليه السلام: جعلت فداك يا ابن رسول الله، حدثني بحديث في فضل جدتك فاطمة، إذا رويته للشيعة فرحوا به. فقال الإمام الباقر عليه السلام: حدثني أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا كان يوم القيامة، تُنصب للأنبياء والرسل منابر من نور، فيكون منبري أعلى منابرهم، ثم يقول الله: يا محمد، اخطب، فأخطب بخطبة لم يسمع مثلها أحد من الأنبياء والرسل، ثم تُنصب للأوصياء منابر من نور، ويُنصب لوصيي علي بن أبي طالب منبر في وسطهم من نور، فيكون منبره أعلى منابرهم، ثم يقول الله: يا علي، اخطب، فيخطب بخطبة لم يسمع مثلها أحد من الأوصياء، ثم تُنصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور، فيُنصب لابنيَّ وسبطيَّ وريحانتيَّ منبر من نور، ثم يقال لهما: اخطبا، فيخطبان بخطبتين لم يسمع مثلها أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين، ثم ينادي جبرئيل عليه السلام: أين فاطمة بنت محمد؟ أين خديجة بنت خويلد؟ أين مريم بنت عمران؟ أين آسية بنت مزاحم؟ أين أم كلثوم أم يحيى بن زكريا؟ فيقمن، فيقول الله: يا أهل الجمع، لمن الكرم اليوم؟ فيقول محمد وعلي والحسن والحسين: لله الواحد القهار.

ثم يقول الله تعالى:

«يا أهل الجمع، إني قد جعلت الكرم لمحمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة. يا أهل الجمع، طأطئوا الرؤوس وغضوا الأبصار، فإن هذه فاطمة تسير إلى الجنة».

فيقول الله: يا أهل الجمع، إني جعلت الكرم لمحمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة. يا أهل الجمع، اطأطئوا رؤوسكم واغضوا أبصاركم، فإن فاطمة تسير إلى الجنة.

فيأتيها جبرئيل بناقة من نوق الجنة، مزينة الجانبين، خطامها من اللؤلؤ الرطب الناعم، عليها رحل من المرجان، فتُناخ بين يديها فتركبها، فيُبعث إليها مئة ألف ملك يسيرون عن يمينها، ومئة ألف ملك يسيرون عن يسارها، ومئة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم حتى يُوصلوها إلى باب الجنة. فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت، فيقول الله: يا بنت حبيبي، ما التفاتك وقد أمرت بكِ إلى جنتي؟ فتقول: يا رب، أحببت أن يُعرف قدري في مثل هذا اليوم. فيقول الله: يا بنت حبيبي، ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لكِ أو لأحد من ذريتك، خذي بيده فأدخليه الجنة.

قال أبو جعفر عليه السلام: والله يا جابر، إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء. فإذا صارت شيعتها معها عند باب الجنة، يُلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا، فيقول الله عز وجل: يا أحبائي، ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟ فيقولون: يا رب، أحببنا أن يُعرف قدرنا في مثل هذا اليوم. فيقول الله: يا أحبائي، ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة، انظروا من أطعمكم لحب فاطمة، انظروا من كساكم لحب فاطمة، انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة، انظروا من رد عنكم غيبة في حب فاطمة، خذوا بيده وأدخلوه الجنة.

قال أبو جعفر عليه السلام: والله لا يبقى في الناس إلا شاك أو كافر أو منافق، فإذا صاروا بين الطبقات، نادوا كما قال الله تعالى:

«فما لنا من شافعين ولا صديق حميم» [الشعراء: 100-101].

فيقولون: فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين. قال أبو جعفر عليه السلام: هيهات هيهات، مُنعوا ما طلبوا:

«ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون» [الأنعام: 28].

هيهات هيهات، مُنعوا ما طلبوا، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وإنهم لكاذبون.

وجه الربط في الشفاعة

وجه الربط والمساوقة مع الأولياء الإلهيين في مشهد المحشر هو المودة والمحبة، والعقائد والإيمان الصحيح، والإخلاص النقي، والاعتقاد بمقام الولاية الكلية والتوحيد الإلهي. الإعراض عن مقام الولاية وإنكاره يؤدي إلى حبط جميع الأعمال، حتى الاعتقاد بالتوحيد. وسيأتي لاحقًا بيان كيف أن كمال النبوة والتوحيد يكمن في الولاية.

المودة والمحبة والعشق لأصحاب الولاية الإلهية متمتعة بموهبة كمال العقائد وربط الأعمال بالحق تعالى، وهذا الربط والأنس يوفر الأرضية والتناسب لتكميل وإتمام نقائص الطالبين والمحبين بسلطان الإنسان الإلهي وولي الله أو الحق تعالى نفسه.

كما ورد في الرواية، فإن جهنم وعذابها الأبدي يبقى لثلاث فئات: المترددون، والكافرون، والمنافقون، هؤلاء الذين طبعهم الجناية عميق لدرجة أن المكافآت الدنيوية والبرزخية لم تستطع تطهيرهم، ولا يملكون تناسبًا للانتفاع بالشفاعة، ولا مولى يمد يد العون لهم، فيظلون في جهنم القيامة مبتلين بعذاب أليم لظلمهم المتراكم وطغيانهم.

بين الناسوت والقيامة، هناك مثل ناسوتي ومثل برزخي. هذه البرازخ تهدف إلى رفع عيار العباد وتنبههم من خلال مكافآت وتنبيهات برزخية، ليحضروا في محكمة القيامة والحياة الأبدية بصفاء ووعي وعيار أعلى، ولئلا يروا في تلك المحكمة المشاعية للرحمة ذلة أو خزيًا أو شرمسارًا. وبعد ذلك، إذا وجد تناسب واقتضاء، تُجبر النقائص بالشفاعة والمساوقة والربط المناسب. لكن، حتى مع مغفرة شراب الذنب بالشفاعة، يبقى النقص والضرر الناتج عن هذا اللازم الذاتي وشرمسارته للعبد.

الشفاعة التشريعية والتكوينية

الشفاعة من تجليات الرحمة، ومن مظاهرها في الدنيا القيادة والهداية التشريعية وولاية الإمامة:

«وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا، ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولكن جعلناه نورًا نهدي به من نشاء من عبادنا، وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، ألا إلى الله تصير الأمور» [الشورى: 52-53].

وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا، لم تكن تعلم ما الكتاب ولا الإيمان، لكن جعلناه نورًا نهدي به من نشاء من عبادنا، وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، ألا إلى الله تصير الأمور.

القرآن الكريم، كالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله، يتمتع بأنواع الشفاعات:

«علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن، فإنه شافع مشفع وماحل مصدق، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل يدل على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكم وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق، له تخوم وعلى تخومه تخوم، لا تُحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه، مصابيح الهدى ومنار الحكمة، ودليل على المغفرة لمن عرف الصفة».

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن، فإنه شافع مشفع وماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو دليل يدل على خير سبيل، كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، له ظهر وبطن، ظاهره حكم وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق، له تخوم وعلى تخومه تخوم، لا تُحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه، مصابيح الهدى ومنار الحكمة، ودليل على المغفرة لمن عرف الصفة.

الهداية التكوينية هي أيضًا من مظاهر الشفاعة التكوينية والترفعية والارتقائية. في الرواية:

«أحمد بن مهران عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني عن علي بن أسباط والحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن أبي خالد الكابلي قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله تعالى: فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا. فقال: يا أبا خالد، النور والله الأئمة عليهم السلام. يا أبا خالد، لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم الذين ينورون قلوب المؤمنين، ويحجب الله نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم ويغشاهم بها».

قال أبو خالد الكابلي: سألت الإمام الباقر عليه السلام عن قوله تعالى: «فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا»، فقال: يا أبا خالد، النور والله الأئمة عليهم السلام. يا أبا خالد، نور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم الذين ينورون قلوب المؤمنين، ويحجب الله نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم وتغشاها الظلمة.

وفيما يتعلق بشفاعة المؤمنين بعضهم لبعض، ورد عن أبي بصير:

«العلل، عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن جعفر بن محمد بن مالك عن أحمد بن مدين من ولد مالك بن الحارث الأشتر عن محمد بن عمار عن أبيه عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام ومعي رجل من أصحابنا، فقلت له: جعلت فداك يا ابن رسول الله، إني لأغتم وأحزن من غير أن أعرف لذلك سببًا؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن ذلك الحزن والفرح يصل إليكم منا، لأنا إذا دخل علينا حزن أو سرور كان ذلك داخلًا عليكم، ولأنا وإياكم من نور الله عز وجل، فجعلنا وطينتنا وطينتكم واحدة، ولو تُركت طينتكم كما أُخذت لكنا وأنتم سواء، ولكن مُزجت طينتكم بطينة أعدائكم، فلو لا ذلك ما أذنبتم ذنبًا أبدًا».

قال أبو بصير: دخلت على الإمام الصادق عليه السلام ومعي رجل من أصحابنا، فقلت: جعلت فداك يا ابن رسول الله، إني أغتم وأحزن بلا سبب أعرفه؟ فقال: إن هذا الحزن والفرح يصل إليكم منا، لأننا إذا أصابنا حزن أو سرور، دخل ذلك عليكم، لأننا وإياكم من نور الله عز وجل، فجعل طينتنا وطينتكم واحدة، ولو تُركت طينتكم كما أُخذت لكنا وأنتم سواء، ولكن طينتكم مُزجت بطينة أعدائكم، فلو لم يكن ذلك ما أذنبتم ذنبًا أبدًا.

قال أبو بصير: جعلت فداك، فتعود طينتنا ونورنا كما بدئ؟ فقال: إي والله يا عبد الله، أخبرني عن هذا الشعاع الزاخر من القرص إذا طلع، أهو متصل به أو بائن منه؟ قلت: جعلت فداك، بل هو بائن منه. فقال: أفليس إذا غابت الشمس وسقط القرص عاد إليه فاتصل به كما بدأ منه؟ قلت: نعم. فقال: كذلك والله شيعتنا، من نور الله خُلقوا وإليه يعودون، والله إنكم لملحقون بنا يوم القيامة، وإنا لنشفع فنُشفع، والله إنكم لتشفعون فتُشفعون، وما من رجل منكم إلا وستُرفع له نار عن شماله وجنة عن يمينه، فيدخل أحباءه الجنة وأعداءه النار.

الطينة هي وجه الربط والمساوقة المناسبة وظهور الأسماء المساوقة في السير التحويلي والتنزيل، التي تشكل النفس والأبدان الارتقائية في السير الصعودي، بدن يظل مع الإنسان طوال حياته، وبه تستمر شخصيته، وتصرف النفس في البدن العنصري بواسطته. هذا البدن من صور النفس ولا يقبل الفناء.

شفاعة الإشارات والوعيات القلبية

مرتبة من الشفاعة الهداية الترفعية والانتفاع الارتقائي منها مخصصة للخواص الذين بلغوا فهم إشارات متون المعارف، وهي إشارات غير معروفة للغير. مرتبتهم دون المراتب الأربع المذكورة وفوق عامة الناس، ويحتمل منهم الخطأ وإفشاء المعرفة لمن لا يستحقها. هم مخاطبو الرواية التالية:

«محمد بن الحسن عن إبراهيم بن إسحاق عن عبد الله بن حماد عن صباح المزني عن الحارث بن حصيرة عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول: إن حديثنا صعب مستصعب، خشن مخشوش، فانبذوا إلى الناس نبذًا، فمن عرف فزيدوه، ومن أنكر فأمسكوا، لا يحتمله إلا ثلاث: ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان».

قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن حديثنا صعب مستصعب، خشن مخشوش، فانبذوا إلى الناس نبذًا، فمن عرف فزيدوه، ومن أنكر فأمسكوا، لا يحتمله إلا ثلاث: ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.

نموذج عملي لهذه الرواية ورد في الروايتين التاليتين:

«روي: أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه كان قاعدًا في المسجد وعنده جماعة، فقالوا له: حدثنا يا أمير المؤمنين، فقال لهم: ويحكم، إن كلامي صعب مستصعب، لا يعقله إلا العالمون. قالوا: لا بد من أن تحدثنا! قال: قوموا بنا، فدخل الدار فقال: أنا الذي علوت فقهرت، أنا الذي أحيي وأميت، أنا الأول والآخر والظاهر والباطن، فغضبوا وقالوا: كفر، وقاموا، فقال علي صلوات الله عليه للباب: يا باب استمسك عليهم، فاستمسك عليهم الباب، فقال: ألم أقل لكم إن كلامي صعب مستصعب، لا يعقله إلا العالمون؟ تعالوا أفسر لكم، أما قولي أنا الذي علوت فقهرت، فأنا الذي علوتكم بهذا السيف فقهرتكم حتى آمنتم بالله ورسوله، وأما قولي أنا أحيي وأميت، فأنا أحيي السنة وأميت البدعة، وأما قولي أنا الأول، فأنا أول من آمن بالله وأسلم، وأما قولي أنا الآخر، فأنا آخر من سجى على النبي ثوبه ودفنه، وأما قولي أنا الظاهر والباطن، فأنا عندي علم الظاهر والباطن، قالوا: فرجت عنا، فرج الله عنك».

روي أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كان جالسًا في المسجد وبصحبته جماعة، فقالوا: حدثنا يا أمير المؤمنين، فقال: ويحكم، كلامي صعب مستصعب، لا يعقله إلا العالمون. قالوا: لا بد أن تحدثنا! فقال: قوموا بنا، فدخل الدار وقال: أنا الذي علوت فقهرت، أنا الذي أحيي وأميت، أنا الأول والآخر والظاهر والباطن. فغضبوا وقالوا: كفر، وقاموا. فقال علي عليه السلام للباب: يا باب استمسك عليهم، فاستمسك الباب، وقال: ألم أقل لكم إن كلامي صعب مستصعب، لا يعقله إلا العالمون؟ تعالوا أفسر لكم: قولي أنا الذي علوت فقهرت، يعني علوتكم بهذا السيف فقهرتكم حتى آمنتم بالله ورسوله، وقولي أنا أحيي وأميت، يعني أحيي السنة وأميت البدعة، وقولي أنا الأول، يعني أول من آمن بالله وأسلم، وقولي أنا الآخر، يعني آخر من سجى على النبي ثوبه ودفنه، وقولي أنا الظاهر والباطن، يعني عندي علم الظاهر والباطن. قالوا: فرجت عنا، فرج الله عنك.

الرواية الثانية من كتاب «علل الشرائع» للشيخ الصدوق، الذي يبين علل بعض التسميات، ومناط بعض الأحكام، والتوجيه التكويني لبعض العقائد، وبعض أفعال الأنبياء. هذا الكتاب من أوائل الكتب التي فتحت باب البحث والتساؤل حتى في ضروريات العقائد الشيعية، وجعلت الرجوع إلى مناط ومعيار ثبوت الحكم للموضوع وكيفية الدخول إلى الساحات الباطنية للمعنى نموذجًا. ورد فيه:

«حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه قال: سألت أبا الحسن عليه السلام فقلت له: لم كُنّي النبي صلى الله عليه وآله بأبي القاسم؟ فقال: لأنه كان له ابن يقال له قاسم، فكُنّي به. قال: فقلت له: يا ابن رسول الله، فهل ترى أهلاً للزيادة؟ فقال: نعم، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أنا وعلي أبوا هذه الأمة؟ قلت: بلى. قال: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله أب لجميع أمته وعلي عليه السلام منهم؟ قلت: بلى. قال: أما علمت أن عليًا عليه السلام قاسم الجنة والنار؟ قلت: بلى. قال: فقيل له أبو القاسم لأنه أبو قاسم الجنة والنار. قلت له: وما معنى ذلك؟ قال: إن شفقة النبي صلى الله عليه وآله على أمته شفقة الآباء على الأولاد، وأفضل أمته علي عليه السلام، ومن بعده شفقة علي عليه السلام عليهم كشفقته صلى الله عليه وآله، لأنه وصيه وخليفته والإمام بعده، فلذلك قال: أنا وعلي أبوا هذه الأمة، وصعد النبي صلى الله عليه وآله المنبر فقال: من ترك دينًا أو ضياعًا فعلي وإلي، ومن ترك مالًا فلورثته، فصار بذلك أولى بهم من آبائهم وأمهاتهم وأولى بهم منهم بأنفسهم، وكذلك أمير المؤمنين عليه السلام بعده، جرى ذلك له مثل ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وآله».

قال ابن فضال: سألت الإمام الرضا عليه السلام: لم كُنّي النبي صلى الله عليه وآله بأبي القاسم؟ فقال: لأن له ابنًا يُقال له قاسم، فكُنّي به. قلت: يا ابن رسول الله، هل ترى أهلاً للزيادة؟ فقال: نعم، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أنا وعلي أبوا هذه الأمة؟ قلت: بلى. قال: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله أب لجميع أمته وعلي منهم؟ قلت: بلى. قال: أما علمت أن عليًا قاسم الجنة والنار؟ قلت: بلى. قال: فقيل له أبو القاسم لأنه أبو قاسم الجنة والنار. قلت: وما معنى ذلك؟ قال: إن شفقة النبي على أمته شفقة الآباء على الأولاد، وأفضل أمته علي، ومن بعده شفقة علي عليهم كشفقة النبي، لأنه وصيه وخليفته والإمام بعده، فلذلك قال: أنا وعلي أبوا هذه الأمة، وصعد النبي المنبر فقال: من ترك دينًا أو ضياعًا فعلي وإلي، ومن ترك مالًا فلورثته، فصار أولى بهم من آبائهم وأمهاتهم ومنهم بأنفسهم، وكذلك أمير المؤمنين بعده، جرى له مثل ما جرى لرسول الله.

هذه الرواية تنسب إلى الحسن بن علي بن فضال (ت 224 هـ)، أحد المقربين من الإمام الرضا عليه السلام، ومن فقهاء ومحدثي الكوفة. في هذه الرواية، لو طلب ابن فضال معنى أعمق لكنية النبي صلى الله عليه وآله، لسمع جوابًا أكثر لطافة. استنباط المعاني اللطيفة من الروايات، ضمن شبكة معاني النصوص المقدسة وبقواعد فهم متون المعارف وباجتهاد شيعي، عبر الأنس بالروايات والقرآن الكريم، هو أمر منهجي يتمتع بمنطق علمي.

على سبيل المثال، إذا عُطفت هذه الرواية على كنية السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام «أم أبيها»، وأُخذ بعين الاعتبار ما سيأتي في بحث ولاية الشفاعة، فإن معنى الرواية يرتقي كثيرًا. ورد في نقل تاريخي:

«عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام: أن فاطمة عليها السلام كانت تُكنى أم أبيها».

قال الإمام الباقر عليه السلام: كانت فاطمة عليها السلام تُكنى بأم أبيها، أي أم أبيها.

أقدم كتاب وردت فيه هذه الكنية هو «مقاتل الطالبيين» لأبي الفرج الأصفهاني (ت 356 هـ). هذا الكتاب يتحدث عن الشيعة الذين شاركوا في الحركات المناهضة للأمويين وتعرضوا للقتل السياسي أو الشهادة. مصادر هذا الكتاب ذات أهمية، لأن الكتب والمصادر التي يستند إليها لم تصل إلى الأجيال اللاحقة، ولأن أبا الفرج كان دقيقًا في نقل الأخبار. غالبية روايات الكتاب منقولة عن محدثين شيعة، وخاصة من الكوفيين.

آیا این نوشته برایتان مفید بود؟

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

فوتر بهینه‌شده