در حال بارگذاری ...
Sadegh Khademi - Optimized Header
Sadegh Khademi

العلم والوعي

في ماهية العلم وحقيقته

تعريف العلم

العلم، بمعزل عن التعريفات التقليدية التي أوردها الفلاسفة التقليديون في إطار الماهوية، هو في جوهره كشفٌ ذهنيٌّ وظهورٌ فعليٌّ يتحقق في ساحة الوعي الذهني. إنه حضورٌ إبداعيٌّ خالصٌ يُنشئ الذهن من خلاله شيئًا يُدركه المتعلم؛ حيث يكون الذهن نفسه الفاعل الخالق والمدرك لما يُبدعه في آنٍ واحد، من خلال فعلٍ إراديٍّ يُمثل كنه نشاطه.

يُعرف العلم بأنه ظهورٌ محددٌ، فعليٌّ، ومُبتكرٌ يتحقق حضوريًا في الفاعل العارف، بحيث يكون مطابقًا للواقع الخارجي، ويمتاز بطابع الجمعية والشمول. فالذهن، في إبداعه وفاعليته، يُنتج المعرفة بشكلٍ أوليٍّ متطابقٍ مع الحقيقة، مُنيرًا للمعلوم بوضوحٍ، ما لم يعترضه مانعٌ كالثقل المادي، أو الغفلة، أو التلوث الفكري، أو الذاكرة المزيفة، أو الافتراضات المسبقة المصطنعة.

نقد التصور الأرسطي للعلم

بناءً على هذا التعريف، فإن التصور الأرسطي للعلم، القائم على فكرة المعرفة التصورية ونظام الصور الذهنية، الذي يجعل من العلم كيفيةً نفسيةً تتألف من ماهيةٍ وأعراضٍ، يُعدّ تصورًا خاطئًا. فقد أخطأ أرسطو حين ردّ جوهر العلم إلى الوعي المفهومي، وخلط بين مراتب المعرفة، وبين الذهن والنفس. إن العلم الحضوري الدائم، الذي يكون فيه الشيء نفسه حاضرًا عند العارف مصحوبًا بالحكم والتصديق، ويتجلى في صورة قضيةٍ أو حكمٍ، لا ينبغي أن يُفهم على أنه معرفةٌ حصوليةٌ غائبةٌ تتطلب وساطة تصور الشيء، أو أن يُجعل المفهوم وحدة الوعي الأساسية.

العلم والواقع الخارجي

إن العالم الخارجي، بما هو معلوماتٌ وواقعٌ معرفيٌّ، يتسم في سياق المادة أو ارتباطه بها بالشكل والصورة والهيئة. لكن هذه الصورة ليست جزءًا من المعرفة الذهنية أو الوعي؛ فالعلم في الذهن ليس له صورةٌ أو تصورٌ، بل هو ظهورٌ معرفيٌّ ذو طابعٍ معنويٍّ يتحول في الخيال إلى تمثلٍ رمزيٍّ، يُعبر عنه لاحقًا بالمثال أو الصورة الذهنية. هذا المعنى يتجلى في الإدراك الحسي كتجربةٍ يتلقاها الدماغ، وفي الخيال كتمثلٍ رمزيٍّ، وفي العقل كمفهومٍ مجردٍ. وعليه، فإن الشكل والصورة هما وصفا الظواهر الخارجية العينية، وليسا وصفًا للمعرفة أو الوعي الذهني.

إن الافتراض بأن العلم حصوليٌّ ينشأ من نقص صفاء الظهور المعرفي، وعدم وضوح الذهن، والخلط بين الهيئة الخارجية للشيء والظهور الذي يُبدعه الذهن داخل نفسه. فالذهن، حتى في ماديته، يمتلك القدرة على خلق الأشياء داخله وإنتاج المعرفة في صورةٍ رمزيةٍ تتناسب مع درجة وضوحه ونقائه. وبالتالي، فإن العلم ليس مجرد انعكاسٍ للأشياء أو انطباعٍ سلبيٍّ لصورها في الذهن، بل هو فعلٌ إبداعيٌّ يُنشئ المعرفة بفاعليةٍ.

الساحة الحضورية للعلم

لفهم حقيقة العلم، يجب التوصل إلى ساحته الحضورية مباشرةً. فالتصور المفهومي، وإن كان فعلاً إبداعيًا وذهنيًا خالصًا، يقصر عن إدراك حقيقة العلم ذاته. ومع ذلك، يستطيع الذهن، من خلال تفاعله مع هذا العلم، أن يُحيل العلم الحضوري إلى معرفةٍ مفهوميةٍ، أو إدراكٍ حسيٍّ، أو تمثلٍ خياليٍّ، ويدرس المعرفة ذهنيًا أو تجريبيًا عبر العلوم العقلية والمعرفية. بل إن المعرفة المادية يمكن دراستها مختبريًا باستخدام الأدوات التجريبية.

إن الوجوديات الفلسفية تتحقق بالتفكير الذهني، لكن دراسة الذهن نفسه، والوعي، والمعرفة، تُعدّ واقعًا عينيًا إلى جانب الوقائع الأخرى، ولا تتحقق إلا بفهم وجودها وأحكامها وآثارها. وهكذا، فإن دراسة الوجود ودراسة أدوات المعرفة متشابكتان، بحيث نبدأ بفهم أدوات المعرفة المادية والتجريبية، ثم ننتقل إلى فهم الوجود والظواهر، وأخيرًا ندرس نظام المعرفة والوعي بصورةٍ متكاملةٍ.

وحدة العلم والعالم والمعلوم

في المرتبة المادية، هناك وحدةٌ بين العلم والعالم والمعلوم، ولا يمنع مادية العلم من تحقيق هذه الوحدة المعرفية. فالعلم، بما هو حضورٌ، يُبدعه الذهن بفعلٍ خلاقٍ، وتكون علاقة الذهن بالعلم علاقة المُظهر بالظاهر، أو الفاعل بالمفعول، ضمن مراتب الذهن وآثاره. فالذهن، من خلال وعيه، يُظهر ذاته ويُعطي للمعرفة ظهورًا وتحديدًا، دون أن يصطنعها اصطناعًا. وهذا ما يُؤدي إلى وحدةٍ خاليةٍ من العوائق بين الذهن والعلم.

المعرفة المادية وتفاعلها

ترتبط المعرفة في ساحتها المادية بالمشاعر، والعواطف، والمحبة، والرغبات، والميول الإنسانية، وكذلك بالطاقة، والموجات، والإشارات، والمعلومات المادية التي تنتقل عبر الخلايا العصبية، ودوائر الدماغ، وترتيب الجزيئات المادية في ملايين الخلايا. إن هذا التفاعل المشترك بين المعرفة والنقاء والمحبة يُسهم في نموها وتكاملها، ويُضفي عليها قيمةً حيويةً تتجلى في لذة الفهم ونشوة المعرفة.

الذهن المادي، المستقر في الجسم، يمتلك القدرة على إبداع معرفةٍ ماديةٍ مطابقةٍ للظواهر الخارجية، مماثلةً لما تفعله الطبيعة أو الحواس التجريبية أو الغرائز. فهو يُنتج ظهورًا ماديًا يعكس الواقع، ويُنشئ المعرفة ضمن عالمٍ معنويٍّ ومفهوميٍّ. ويُطلق مصطلح “العلم” أو “الدانية” على هذه المرتبة من الوعي، تمييزًا لها عن الإدراك الحسي أو المعرفة الشهودية.

العلم الحضوري عند الكائنات

هذا الوعي المادي الحضوري ليس حكرًا على الإنسان، بل يمتد إلى الحيوانات أيضًا، التي تمتلك معارفَ ومهاراتٍ حضوريةً مدهشةً يعجز الإنسان، بكل قدراته، عن الوصول إليها بسهولةٍ. ولا يلزم أن يكون هذا العلم الحضوري مجردًا أو غير ماديٍّ، إذ إن حضوريته لا تتطلب التجريد، بل تكمن في طبيعته الإبداعية والمباشرة في الذهن.

طبيعة المادة والعلم المادي

لفهم العلم والوعي في ساحتها المادية، يجب أولاً إدراك طبيعة المادة ذاتها. فالذرات المادية بسيطةٌ غيرُ مركبةٍ، لا تتحلل إلى عناصرَ أصغرَ، ولا تنتهي إلى نواةٍ نهائيةٍ أو حدودٍ محددةٍ؛ بل إن أبعادها لامتناهيةٌ، حتى لَكأنها خاليةٌ من البعد. ومع ذلك، فإن هذه الذرة البسيطة تتجلى في صورٍ مركبةٍ ومحددةٍ من خلال تفاعلٍ جمعيٍّ، يتمثل في تجانسٍ وتآلفٍ وجذبٍ متبادلٍ، فتظهر في صورةٍ ملموسةٍ. وتتلقى الحواس والمستشعرات الإدراكية إشاراتٍ من هذا الظهور، ومن البيئة المحيطة، ومن العالم الخارجي، ضمن ميدان التجانس والاختيار الطبيعي، لتُبدع وعيًا متميزًا.

إن وعي الذرات المادية، بمعنى حضورها، لا يعتمد بالضرورة على تجريد العلم أو الذهن؛ فالظهور المادي يتحقق دون الحاجة إلى التجريد، وإن كان هذا الحضور أقل قوةً ووضوحًا من الحضور المجرد. فالعلم في ساحة المادة والطبيعة ماديٌّ بطبيعته، دون أن ينتقص ذلك من قيمته؛ إذ إن هذه الوعيات تمتلك ميدانًا لامحدودًا. والمادة نفسها بسيطةٌ غيرُ مركبةٍ، وإن كانت تتفاعل في نظامٍ جمعيٍّ متناسقٍ. كما أن العدم ليس شيئًا يمتزج بالجسم، بل إن الذرة المادية تمتلك القدرة على الحضور المادي بذاتها.

تجدد المعرفة وتأثير المادة

إن لامتناهية الذرات المادية وجميع الظواهر تجعلها، بحسب التعبير القرآني، في حالةٍ من الفعل المتجدد في كل آنٍ، كما يتجلى في قوله تعالى: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} {الرحمن: 29}. فكل ما في السماوات والأرض يطلب منه حاجةً متجددةً، ويستمد وعيًا جديدًا في كل حينٍ، إذ هو سبحانه في كل يومٍ في شأنٍ متجددٍ. وعليه، فلا توجد معرفةٌ تصل إلى نهايتها، ولا يمكن لأحدٍ أن يُقدم القول الفصل في مسألةٍ أو موضوعٍ، أو أن يُعتبر المعرفة كاملةً أو قديمةً. فالتجدد يعمّ جميع الظواهر والموضوعات المعرفية، وكل الوعيات والمعارف، فلا شيء يتكرر مع ثباته واستقراره.

ارتقاء الذهن المادي

الذهن المادي يمتلك القدرة على الارتقاء والتصفية التدريجية، حتى يبلغ درجةً من اللطافة تمكنه من التحول إلى مادةٍ لطيفةٍ، ثم إلى التجريد، ليصل إلى مستوى الإدراك القلبي. ويتحقق هذا الارتقاء بمساعدة هادٍ ومرشدٍ، وبأسلوبٍ تربويٍّ يقوم على توجيه الأستاذ. فالذهن يتميز بصفةٍ اشتداديةٍ في ظهوره، وبتحديدٍ متدرجٍ يختلف من فردٍ إلى آخر؛ فقد يكون ماديًا ثقيلًا، أو لطيفًا، ضعيفًا أو قويًا. وهكذا، تكون وعي الذهن ماديًا وفيزيائيًا، مشتركًا بين الإنسان وغيره من الكائنات، وقابلًا في الوقت ذاته للخضوع للمجردات اللامادية.

إن وعي الذهن يتحقق في ساحة المادة، ويُنتج في هذه الساحة نتائجَ ملموسةً. ويرى الذهن أن الإدراك المنظم، الخلاق، والمبدع، الذي يتعلق بالساحات اللامادية المتوافقة مع عوالم الملكوت والجبروت، هو من اختصاص القلب وارتقاءاته. أما الساحة اللامادية، فهي تتمتع بالثبات، والحقيقة، والصدق، والهوية الذاتية، وهي مستقلةٌ عن فهم الذهن، بل قد تكون بعيدةً عن إدراكه. ومع ذلك، فإن القبول بمبدأ هذه الساحة يظل عملًا ذهنيًا وقابلًا للفهم الذهني.

الإبداع الذهني وحضورية العلم

الإبداع هو نتاجٌ خلاقٌ ومولَّدٌ من الذهن. فإذا افتقر العلم إلى وضوحه وإشراقه، ضعف حضوره، وتحول إلى معرفةٍ ذهنيةٍ مفهوميةٍ، مما يجعل المعلوم غامضًا، ويُضعف الوعي الذهني مقارنةً بالمعلوم الخارجي، ويُفقده الأثر الفعال. فالذهن، بطبيعته المستقلة، يُنتج وعيًا حضوريًا يُبدع فيه المعارف بتفاعلٍ متناسقٍ، ويُظهرها بوضوحٍ. لكن حضورية هذا العلم لا تتطلب بالضرورة حضور الحقيقة المطلقة، بل إن ما يحضر للذهن هو واقعية المعلوم نفسه.

إن نظام الماهية لا يتدخل في إنتاج العلم للذهن. والجهل، في هذا السياق، هو غياب ظهور الشيء، وعجز الذهن عن إظهاره. فالعلم، مثل الظهور، يتسم بالتدرج، ولا يُشترط أن يكون مجردًا من المادة وعوارضها ليُطلق عليه اسم العلم. إن موضوع العلم الذهني هو الظهور المعرفي بحد ذاته، وهذا الوعي ينبثق من آثار العقل النظري ويُعدّ من شؤونه. والظهور الخارجي أقوى بكثيرٍ من الظهور الذهني، وهناك ارتباطٌ بين الظهورين يتحقق من خلال التجانس والتآلف.

صفاء الذهن وكفاءة العلم

كلما كان الذهن أصفى وأكثر تجانسًا مع الظاهرة الخارجية، كانت قدرته على الإبداع في إظهار العلم وإنتاج الوعي أقوى، مع وضوحٍ أكبرٍ يعكس الطبيعة الحقيقية للظاهرة. فالصفة المعرفية هي خاصيةٌ فعليةٌ تتجلى في الظهور. أما إذا فقد الذهن التجانس أو قدرته على كشف العلاقات، التي تُشكل جسرًا بينه وبين الظاهرة الخارجية، أو إذا تلوثت النفس أو أصابها الضعف، فإن المعرفة والوعي الذهني يُصاب بالضعف والغموض. وعليه، فإن العلم هو حضور شخصية المعلوم عند الفاعل العارف، من خلال إبداع الذهن. وتتوقف قدرة العلم على كشف الواقع وتصويره على عواملَ، أهمها جوهر الارتباط، أي التجانس والتفاعل المتناسق.

آیا این نوشته برایتان مفید بود؟

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

فوتر بهینه‌شده