الفصل السابع: استهلاك الضحكات المنقية
الفصل السابع: استهلاك الضحكات المنقية
يُعدّ الضحك من الوسائل العلاجية الفعّالة، بل هو أداة وقائية تمنع الإصابة بالاضطرابات النَفْسِي جَسَدِي. إنّ الضحك حاجة أساسية للجسد لضمان الصحة، حيث تؤكد الدراسات العلمية أنّه يقلل من التوتر، ويعزز جهاز المناعة، ويساهم في الوقاية من الاضطرابات النَفْسِي جَسَدِي. يساعد الضحك، من خلال إفراز الإندورفين وتقليل هرمونات التوتر مثل الكورتيزول، على تحسين الصحة النفسية والجسدية.
تأثير الضحك على السعادة الداخلية
الضحك مكوّن يظهر على الوجه، لكنه في حقيقته ينبع من كل خلية في الجسد، فتتفاعل وتفرح، معبرة عن تجربة شعورية ممتعة تنعكس كسعادة داخلية. يحفّز الضحك الجهاز العصبي اللاودي ويفرز هرمونات السعادة مثل الدوبامين والإندورفين، مما يولّد شعوراً بالراحة النفسية والجسدية. إنّ الأنشطة المبهجة التي تحفّز نظام المكافأة في الدماغ تعزز الصحة النفسية، وتطيل العمر، وتزيد من الإندورفين.
دور السعادة في الجمال
من القضايا الجديرة بالاهتمام في تربية الأطفال مسألة الجمال وتناسق القوام. يمكن لجمال الوجه أن يعكس نقاء الروح. يستطيع الوالدان اللذان يتمتعان بالفرح والسعادة والنشاط في بيتهما أن يرزقا بأطفال يتمتعون بالجمال. فالصحة النفسية للوالدين، كالتمتع بالسعادة وتقليل التوتر، تؤثر إيجابياً على نمو الجنين، بينما قد يؤدي توتر الأم وزيادة الكورتيزول إلى اضطراب نموه. إنّ الوالدين الذين يفتقرون إلى الفرح والحب في بيتهم لن يتمكّنوا من إنجاب أطفال يتمتعون بالجمال. الحب والنجاح هما أساس تربية الأطفال. إذا تحقق النجاح بقوة، فإنّ الطفل الناتج سيكون قوياً ومتمكّناً، ويتمتع بالقوة والقدرة. كما أنّ الطفل الذي يتغذى والداه بالحب والسعادة يكتسب تناسق القوام والجمال في مرحلة الحمل، تماماً كما أنّ شجاعة الطفل وطول قامته تعتمد على جودة وكمية الحليب الذي يتلقاه خلال الرضاعة. فكلما زادت هذه الجرعات، كان الطفل أكثر رشاقة ونبلاً في الكبر.
الضحك كمنقٍّ للطاقة الزائدة
يُعدّ الضحك من المنقيات التي تطهّر الطاقة الزائدة المخزنة في الجسد والنفس. فالردود والتفاعلات التي لم تجد فرصة للتعبير تتراكم في الجسد والنفس، ويتم إطلاقها عبر الضحك، مما يولّد شعوراً بالهدوء الداخلي وتركيز الذهن. يحرّر الضحك الطاقة، ويجعل الفرد أكثر بهجة ونشاطاً، ويخلق حالة من السكينة الفكرية التي تسهّل عملية التعليم والتعلم. يُوصى بالضحك كل ساعتين إلى ثلاث ساعات خلال اليوم، إذ يزيد من وصول الأكسجين إلى الدماغ، ويحرّر هرمونات الطاقة، مما يمنح الفرد شعوراً أعمق بالراحة. يساهم الضحك في تقليل التوتر النفسي وإطلاق الطاقة العاطفية، مصحوباً بإفراز الإندورفين وتقليل الكورتيزول.
الضحك كآلية ناضجة
الضحك آلية ناضجة. فالرضيع الذي يعيش حياة طبيعية يضحك مئات المرات يومياً. أولى ضحكاته تبدأ في مرحلة الحمل. هذا هو عدد الضحكات للإنسان الذي يعيش حياة طبيعية. كلما ابتعد الإنسان عن طبيعته بسبب التعليم أو التلقين أو العادات الخاطئة، قلّت ضحكاته تدريجياً حتى يصل إلى حالة لا يضحك فيها إطلاقاً، وهي حالة مرضية. الضحك الحقيقي النابع من القلب، كالرياضة البدنية، يُعدّ دواءً للأعصاب والنفس، وله خصائص علاجية، ويعزز جهاز المناعة بزيادة الخلايا القاتلة الطبيعية. دقيقة واحدة من الضحك الحقيقي تعادل 45 دقيقة من التمارين الرياضية في فائدتها للصحة، وتستمر في منح الهدوء وتقليل الضغط النفسي لمدة تصل إلى 45 دقيقة. رد فعل الجسد للضحك المتكرر يشبه تأثير الرياضة المنتظمة. حتى الضحك المصطنع يحمل معظم فوائد الضحك الحقيقي.
تأثير الضحك على تقليل هرمونات التوتر
يُعتبر الضحك بديلاً لبعض الأدوية الكيميائية للسيطرة على التوتر والضغط والدوافع العصبية والاضطرابات الذهنية. يقلل الضحك من هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين، ويساعد الأفراد على التحكم بأنفسهم، مما يقلل من العصبية والغضب. بالنسبة للمريض، من الممتع أن يعيش لحظة مبهجة أو مضحكة في حالة ضعفه وصعوبة مزاجه. إنّ إضحاك المريض يحرّر الإندورفين، وهو مسكّن طبيعي يخفف الألم. يساهم الضحك في تقليل الألم لدى المرضى المزمنين، كالذين يعانون من التهاب المفاصل أو الصداع النصفي، ويزيد من مقاومة الجسد لأمراض مثل الربو، والتهاب القصبات، والصداع العصبي، وآلام التهاب المفاصل وأقراص الظهر والعمود الفقري. كما أنّ المريض الذي يحافظ على التواصل المنتظم مع الآخرين ويتلقى العناق بحب يتعافى بشكل أسرع من الذين يعانون من العزلة.
الضحك والدوبامين
يزيد الضحك من إفراز الدوبامين، وهو مادة كيميائية تعزز الاستمتاع بالحياة والشعور بالرضا والسرور. يجلب الضحك والفرح والفكاهة والروح المرحة شعوراً باللذة والانتعاش وهدوء الأعصاب، ويحسّن عملية الهضم، ويساعد الفرد على التغلب على المواقف المسببة للتوتر والقلق. يقرّب الضحك الفرد من مركز الحب غير المشروط الأبدي، وهو حب يعالج التوتر والقلق ويقضي عليهما، وينظف العقل من الأفكار الإجرامية والخوف والغضب والغيرة والأنانية، ويبعث روحاً مرحة من خلال ممارسة احترام الآخرين والتضحية والتسامح.
مهارة إضحاك الآخرين
تُعدّ مهارة إضحاك الآخرين والفكاهة، خاصة في أوقات المعاناة، رافعة تنقذهم من الغرق في دوامة الظروف القاسية. إنّ مشاركة الفرح ونشر البهجة ليس فقط مصدر إلهام، بل وسيلة للوصول إلى أعماق الآخرين، ودليل على الجاذبية والقوة في استقطابهم وكسب تأييدهم. الوجه الباسم يزيد من الجاذبية.
الطابع المعدي للضحك
نظام مشاركة الفرح وجذب الآخرين، حيث يولّد الضحك ضحكاً والفرح معدٍ، قد أثبتته دراسة علمية تقول: «الأفراد المحاطون بعدد كبير من الأشخاص السعداء يكونون أكثر عرضة للسعادة في المستقبل مقارنة بمن يحيط بهم أشخاص غير سعداء». تُظهر دراسات علم النفس الاجتماعي أنّ الأفراد في بيئات أكثر بهجة يصبحون أكثر سعادة.
الحزن والبكاء في مرحلة الجنين
يعاني الإنسان من الحزن والبكاء منذ مرحلة الحمل. الرضيع المولود حديثاً يبكي من ضغوط وصعوبات الحياة داخل الرحم. الأطفال الأكثر ذكاءً يبكون حتى داخل رحم أمهاتهم، حيث تشعر الأم بحركتهم لكنها لا تدرك بكاءهم. بعد فترة، يدرك الرضيع أنّه انتقل إلى مكان أكثر راحة من الرحم، فيبدأ بالابتسام لأقل دافع أو بهجة. بعض الأجنة تذكر وتبتسم وتفرح داخل الرحم، وفي لحظات صفاء الأم القصوى، يمكن سماع ذكرها. إذا تفاقمت الاضطرابات النَفْسِي جَسَدِي إلى مستوى حاد، قد تظهر في ضحك يعكس العجز. كذلك، المزاح في المواقف الجدية أو السلوك المبتذل قد يشير إلى مشكلات نفسية داخلية.
السعادة والنشاط
يحتاج الجسد يومياً إلى وقت للترفيه واستخدام المحفّزات البهجة للوصول إلى السعادة والأمل. إذا لم يوفر الفرد نشاط الجسد من خلال القليل من اللهو واللعب، فقد يصبح عرضة للجنون أو الوسواس أو الوهم أو العقد النفسية. السعادة، البهجة، الابتسامة، والضحك، إذا كانت باعتدال، تجلب الصحة. من مظاهر السعادة الاعتناء بنبتة أو زهرة في المنزل، حيث يجلب ريّها شعوراً بالنشاط. يمكن تحقيق النشاط والسعادة بسهولة وبأقل التكاليف من خلال النظر بمتعة إلى بركة ماء، أو عشب، أو شجرة، أو طائر، أو السماء، أو نجوم الليل، أو وجه جميل، أو ريّ الزهور، أو اللعب معها، أو كتابة خط جميل، أو رسم لوحة، أو نظم شعر، أو قضاء خمس إلى عشر دقائق مع العائلة، أو شرب مغلي الزعفران. الشعر الصحي يمكن أن يكون رفيقاً للوحدة، يهدئ النفس المضطربة، ويمنح الحياة والحب والنشاط. النشاط حاجة يومية لصحة الإنسان، ويمكن تحقيقه بالانشغال بالألعاب، والتسلية، والموسيقى باعتدال، وإشباع الرغبات المشروعة. النشاط يزيل الترسبات من الجسد ويخرجه من الخمول. غياب التسلية يجعل الفرد وهماً وخرافياً ومضطرباً. الإفراط في الحزن والأسى، وإهمال مواقيت البكاء والحزن، وغياب الفرح المتوازن، مثل العمل المفرط أو الفقر الاقتصادي، يجعل الفرد والمجتمع كئيباً، ويدمر نشاط المجتمع، ويولّد اليأس وعدم الرضا. الحزن والفرح كالملح في الطعام، يجب أن يكون باعتدال، فقلته تؤدي إلى جفاف الإرادة وزيادته تؤدي إلى انزلاقها. العمل يجب أن يكون لدعم الحياة، لا لإفنائها وإضعاف الجسد والنفس.
التوازن في السعادة
إذا أفرط الفرد في اللهو والفرح بشكل مبالغ فيه، بحيث يصبح إدماناً أو يسخر من الدين، فإنّ النتيجة هي الخيال والوهم. الفرح المفرط، وهو الطيش، يشبه زيادة الملح في الطعام، فيصبح مدمراً للنشاط. لا يمكن أن يشكل الفرح وحده كامل الحياة، لأنه يجعل الفرد ضعيفاً، يفتقر إلى أدنى مقاومة، ويصبح كزهرة تذبل بمجرد نقص الماء، بدلاً من أن يكون كصبار الصحراء الذي يتحمل أقسى الظروف. على العكس، التفريط في النشاط يؤدي إلى الجفاف والعنف وسوء الخلق. الفرح المتوازن يجلب النقاء وطول العمر. السعادة لا تعني القهقهة، فهي قد تكون فرحاً غير منضبط، بل قد لا تكون سعادة أصلاً. الضحك الطويل والقهقهة قد يكون دليلاً على فقدان السيطرة أو نوع من المرض. أما الابتسامة والضحك العادي النابع من القلب فهو دائماً محمود.
النشاط كوقاية من الوسواس
من لا يستطيع جعل الموسيقى أو اللهو المناسب دواءً لروحه، يغمر جسده بالماء لكنه لا يؤمن بطهارته من نجاسة لا يعرفها، فيظل يعتبر نفسه نجساً. الفرح والنشاط هما وسيلة للوقاية من الوسواس. من لا يلعب باعتدال ويفتقر إلى النشاط، حتى لو وصل إلى الدين، فإنه يسخر من الدين والناس. الأجساد التي تفتقر إلى اللهو والنشاط تفقد التوازن الحراري، فتسخن وتغلي، وتتسارع في التدمير. الأنشطة الترفيهية، بتقليل التوتر وتحسين المزاج، تساهم في الوقاية من الاضطرابات النفسية مثل الوسواس.
الفقر والسعادة
مع ذلك، فإنّ السعادة تؤلم الفقير والمحروم، كما أنّ الفقر يذبل السعادة. يتسبب الفقر في زعزعة الكبرياء والأمل والفرح لدى الفرد العادي. إذا كان الفقير مديناً، فإنه يصاب بقصر العمر والشيخوخة المبكرة والاضطراب. الفقر من عوامل التنافر والعنف. يصبح الفقير أكثر عدوانية، ويكون أكثر عرضة للاضطرابات النفسية. يرتبط الفقر بزيادة التوتر والاكتئاب والقلق، مما يعرض الصحة النفسية للخطر.
البكاء
البكاء الواعي يفتح ينابيع القلب والمشاعر، ويجلو النفس. يجب السماح للبكاء لتفريغ العواطف وتقليل التوتر، مما يساهم في تقليل الضغط النفسي، وتخفيف المشاعر السلبية، وتحسين الصحة العاطفية. يساعد البكاء في إطلاق هرمونات التوتر، مما يؤدي إلى الراحة العاطفية.
طول العمر
للإنسان القدرة على العيش طويلاً في هذا العالم بشرط أن يتمتع بحرية الجسد، وأن تكون ظروف حياته ونظامه الغذائي طبيعياً ومتوازناً ومناسباً، وأن يعرف نفسه ويحافظ على حيويتها، دون أن يعرض جسده ونفسه لظروف قاسية أو سيئة أو ضغوط. الظروف السيئة والأنظمة الغذائية غير المناسبة تقصر العمر الطبيعي، وتجعل الفرد عرضة للموت القسري أو غير المتوقع، وهو موت يمنع ظهور القدرات الإلهية والطبيعية والحكمة الخاصة بحياة كل إنسان. يمكن للإنسان أن يحظى بطول عمر ومواهب مزدهرة وموت طبيعي إذا بدأ بتغذية الأب لتكوين نطفة قوية، وتغذية الأم خلال الحمل للحصول على هيكل عظمي قوي ومتين، مع الحرص على تجنب ضعف العظام والحزن وانعدام الرضا، والقدرة على التغذي من باطنه للحصول على نقاء داخلي وحب إلهي يمنحه طاقة نورانية. تؤثر تغذية الوالدين وصحة الأم خلال الحمل على نمو الجنين وصحة عظامه. ترتبط السعادة وتقليل التوتر أيضاً بطول العمر. وفي المقابل، هناك من يرتكبون الاختلاسات الكبيرة ويسرقون حقوق الأمم بطريقة منظمة، أو يسيئون استخدام خزائن الشعوب، فيتسببون في معاناة الملايين ويوقعونهم في التوتر والموت القسري، أي يصبحون قتلة دون سلاح. لا يجب أن نكون من هؤلاء القتلة، ولا أن نسمح بحرمان أنفسنا من الحرية لنصبح ضحاياهم. على أي حال، ضعف العظام وهشاشتها من العوامل الرئيسية للشيخوخة المبكرة وقصر العمر. عوامل أخرى للشيخوخة المبكرة وقصر العمر وردت في فصول أخرى من هذا الكتاب.