در حال بارگذاری ...
Sadegh Khademi - Optimized Header
Sadegh Khademi

الفصل السادس عشر: الصحة الشاملة والمعنوية: الإيمان والمعرفة

الفصل السادس عشر: الصحة الشاملة والمعنوية: الإيمان والمعرفة


الصحة المعنوية: مفهوم شامل

الصحة المعنوية مفهوم واسع يتجاوز الصحة الجسدية ليشمل السعادة والخلاص الأبدي في ظل الإيمان بالغيب والله. إنها رؤية كلية جامعة، تشمل مجالات العقائد، المعرفة، الروحانية الدينية، الوحي، الأخلاق، والعلوم العقلية والمفاهيمية. تُعرف الصحة المعنوية في علم النفس الديني والصحة كبعد كلي يرتبط بالإيمان، المعنى، والتواصل مع المتعالي، مما يؤثر إيجاباً على الصحة النفسية والجسدية.

العلم والوعي: غذاء الروح

العلم والوعي هما غذاء إذا كان موثوقاً وصحيحاً، يبعث النشاط والبهجة. العلم الملائم يطيل العمر ويزيد من حيويته. وقد تناولتُ الوعي بالتفصيل في كتاب “الوعي والإنسان الإلهي”، ولذا لن أستزيد فيه هنا. الرعاية الذاتية تتطلب، إلى جانب المعارف العلمية، الدين والأخلاق لضمان صحة الجسم والمجتمع. العلم والمعرفة وحدهما لا يكفيان لضبط نزوات البشر وطموحاتهم السلطوية، ولا يمنعان التعدي، العنف، الظلم، أو الاستبداد. إنما الدين والأخلاق هما اللذان يمنحان الإنسان الالتزام، الإطار الأخلاقي، الصراط المستقيم، وأسلوب حياة آمن، رحيم، ممتع، يحقق السلام الدائم والاحترام المتبادل، ويدفع البشر نحو علاقات قائمة على القلب، لا على العقول الربحية والمصلحية.

الإيمان والمعرفة: القرب من الله

الإيمان هو القرب البعيد من الله مع المحافظة على حرمته وكرامته، بينما المعرفة هي القرب القريب والمباشر من الحق تعالى. الإيمان يقوم على الوعي واشتداد قوة العقلانية. العقل الذي يصبح نوراً قادراً على تمييز الصواب من الخطأ، الخير من الشر، والمسارات الموثوقة التي تتناسب مع الجسم والباطن، هو الذي ينمي الإيمان. يُعرف الإيمان في علم النفس الديني كإيمان واعٍ يقوم على المعرفة، ويؤدي إلى إيجاد المعنى والطمأنينة النفسية.

الإيمان المعرفي هو الثقة الراسخة بالله، الغيب، ووحيه، وهو من الضروريات الباطنية التي تمنح الإنسان قرباً أعمق ومعرفة أوسع. الإيمان الذي يتضمن احترام الله ومحبته يمنح المؤمن قوة وسلطاناً. أما انعدام الإيمان فيجعل الفرد كمن يعاني من هشاشة العظام، ضعيفاً، قابلًا للكسر، ومصاباً بتدهور عقلي.

الصحة المعنوية كغذاء ودواء

الأمور المعنوية غذاء للجسم، بل يمكن أن تكون دواءً إذا لم تعقها الخرافات، الأوهام، أو المحتالون الذين يعرقلون المتخصصين والعارفين في هذا المجال، أو إذا لم يكن لدى الأفراد موانع مثل الكذب، الظلم، الشرك، أو الكفر. لاستهلاك الإيمان والمعرفة، يجب تأمين الصحة الجسدية والمعنوية وإزالة العوائق مثل الهوى، الشهوات، الرياء، النفاق، والخداع. فإذا لم تتوفر الشروط اللازمة لاستهلاك الأمور المعنوية، قد لا يؤدي استخدامها إلى تطور الفرد أو تقدم باطنه، بل قد يزيد الباطن قتامة وصلابة، حتى مع وجود العبادات. فقد يكون باطن الإنسان مملوءاً بالفتن، الخداع، العنف، الحدة، الغطرسة، والنقمة، فتصبح صلاته عاراً على الإسلام.

إذا لم تتوفر شروط استهلاك الأمور المعنوية، فإن استخدامها لا يحقق أثراً إيجابياً، بل قد يولد خبثاً وتفجر مشاعر سلبية. بينما ينبغي أن يكون استخدام الأمور المعنوية مصحوباً بالتفاؤل، استخدام عبارات إيجابية، وتحفيزية كأحد آثاره.

موانع الإيمان الحقيقي

توجد موانع كثيرة في الجسم، النفس، الجينوم، والعقل تحول دون فعالية الإيمان الحقيقي والشعائر مثل العبادات والأذكار. من أسوأ هذه الموانع التقليد الجامد والإيمان الشكلي. في كتاب “التزوير والدين الإلهي” ذكرتُ أن الإنسان الظاهري، المتمحور حول العقل والجسد، بسبب ظاهريته وعجزه عن احترام الله وخلقه، لا يستطيع السير في الباطن، القلب، المحبة، حقيقة الدين، أو القيم المعنوية، والاتصال بالحقائق الإلهية، فيظل محروماً من المعرفة، التوسع، والتفكير الحر. وفي ذلك الكتاب نقلت عن بوذا قولاً مهماً: «الإنسان الذي تحرر من الظاهرية والتسرع في التصديق، يعرف اللامخلوق، وهذا الإنسان يكسر كل القيود».

الإيمان الشكلي أو الظاهري قد لا يُدرك حتى من قِبل الشخص نفسه المتورط في الظاهرية والسطحية. يقول القرآن الكريم:

﴿فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ ۚ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: 30]

أي أن فريقاً هدى الله، وفريقاً ثبتت عليهم الضلالة لأنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله، وهم يظنون أنهم مهتدون. هؤلاء ليس لهم أذن تسمع، ولهم ثقة عجيبة بأنهم على الهداية:

﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ۚ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ۚ وَلَن يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ۚ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْىٰ وَمَن كَانَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ [الزخرف: 36-40]

من يعرض عن ذكر الرحمن، نسلط عليه شيطاناً يكون له قريناً، يصده عن السبيل وهو يظن أنه مهتدٍ، حتى إذا جاءنا قال لقرينه: يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين، فبئس القرين! ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم، فأنتم في العذاب مشتركون. فهل تستطيع أن تُسمع الصم أو تهدي العمى ومن كان في ضلال مبين؟

الضلال والإيمان الشكلي

من يعرض عن ذكر الله ويفقد الإيمان، يصير قريناً لشيطان يؤذيه ويحرمه من النوم الهانئ، فيصاب بالفزع أثناء النوم. الشخص الذي لا يتذوق حياة الإيمان الحقيقي، الحياة الإلهية، محبة الله، والصحة المعنوية، ويقع في الإيمان الشكلي الملوث بالخرافات وقلة الاحترام، يصاب باضطرابات سلوكية، تقلبات مزاجية، حزن، وألم، فتصبح حياته مؤلمة. قد يصير شيطان من الجن قرينه، فيحرمه من الراحة والصحة المعنوية، ويصاب بالأوهام والخيالات غير الواقعية. إذا بقي الشيطان في أعضائه، لن يجد راحة حتى بعد الموت. فبدون الإيمان، لا يمكن للعلم أن يكون فعالاً.

أعمال الشخص المبتلى بقرين شيطاني تُزين له، فيفتتن بها. هذا الشخص مصاب بذات مزينة، يرى في أعماله عظمة تجعله مفتوناً بنفسه، لا يرى حقيقة سواها، حتى يُفاجأ بصيحة العذاب:

﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ﴾ [النمل: 4-5]

الذين لا يؤمنون بالآخرة، زينا لهم أعمالهم فهم يتيهون. هؤلاء لهم سوء العذاب، وهم في الآخرة أخسر الناس.

هم في ضلالهم وإيمانهم الشكلي يتخبطون، وهم أخسر أهل النار:

﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ۝ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ۝ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ۝ ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا﴾ [الكهف: 103-106]

قل: هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً؟ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه، فحبطت أعمالهم، فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً. ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزواً.

الإيمان الحقيقي ونفاذه إلى القلب

الإيمان يحتاج إلى حقيقة ونفاذ إلى القلب، كقطرة ماء تنفذ في صخر إذا استمرت طويلاً. يجب أن يتدفق الإيمان الحقيقي الواعي والمعرفي باستمرار في القلب. كما قال إبراهيم عليه السلام، يجب الثبات على الإسلام والعيش به حتى لا يفاجئ الموت الإنسان وهو غافل، فيُتوفى على الإسلام:

﴿وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [البقرة: 132]

وأوصى بها إبراهيم ويعقوب بنيهما: يا بني، إن الله اصطفى لكم الدين، فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

الإيمان المعرفي هو العامل الأهم في دفع الخوف، الرعب، والقلق، وهو يمنح الأمان، لأنه اتصال واعٍ بقوة عليا قادرة على دفع كل ضرر. الإيمان يقي ويدفع كثيراً من القلق والتوتر، ولذا يمنّ الله على عبده المؤمن بما وهبه من إيمان:

﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الحجرات: 17]

يمنون عليك أن أسلموا، قل: لا تمنوا عليَّ إسلامكم، بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين.

الله قوة تعمل بالمحبة، لا يترك عبده وحيداً أبداً. كلما نقص مقدار الإيمان، ازداد الخوف والاضطرابات الأخرى.

غذاء الباطن المعنوي

الباطن يحتاج إلى غذاء وارتزاق، قد يكون من الشيطان وعوامل معنوية سيئة، أو من الحق تعالى وأغذية معنوية إيجابية. الشيطان يمكن أن يتغلغل في جهاز الإنسان الهضمي وينتشر في جسده، كما يمكن الوصول إلى القلب الباطني، ومن خلاله، بالسير الأنفسي والآفاقي، الوصول إلى استهلاك عناية الله وصفاء ظهوراته، وبهذه السهولة، برفع الموانع، يتحقق الوصول، فيتغذى الإنسان بالحق تعالى وظهوراته.

التغذية المعنوية في علم النفس الإيجابي والدين تُعرف كمصدر للنمو النفسي والصحة الشاملة. تغذية الإنسان لا تقتصر على الغذاء المادي المحسوس، بل يمكن أن يتغذى من اللاهوت، الملذات المعنوية، الإدراكات والمعارف الروحانية، المعرفة، المحبة، المشاهدات القلبية والعقلية، الروابط الباطنية، والقرب من الحق تعالى، ومن الأنس والمؤانسة مع أفراد أو عوامل معنوية كالملائكة. أحياناً، الجلوس مع شخص، استهلاك أنفاسه، أو التواجد في طاقته، يجعل الإنسان يتأخر في الجوع أو يجوع مبكراً، فتكون هذه مصدراً للشبع أو الجوع.

القرب من الله، الانتفاع بأنوار الغيب، تجليات الحق، تجليات الأسماء، الجذبات الربانية، وجمال الله، كلها أغذية إلهية، ومثل الغذاء المعدي، هي مصدر طاقة. هذه القوة الرحمانية تحل محل النشاط المفرط للمعدة والجسم، فتمنحهما الراحة.

كل ظاهرة أو تجلٍ يمكن أن تكون غذاءً للإنسان، كما أن الظواهر المحسوسة في الناسوت تشمل أغذية مادية ومحسوسة، إلى أغذية مجردة، تجلّيات، وأسمائية، من فعل الرب، وأغذية انعكاسية، اهتزازية، أو مثيرة للتشنج، ولكلٍ طباع وخلق وغذاء مناسب. الإنسان إما أن يستهلك غذاءه بحرص وطمع أو بغفلة، فيفقد صحته ويقصر عمره، أو يستهلكه بمحبة فيصفو ويسمو. الرزق والقوة ينبغي أن يكونا مصدر صفاء، لا حرص أو طمع.

من يتغذى بالإيمان، المعرفة، والمحبة، ينظر إلى غذائه بعناية، فيتغذى برهافة ومعنوية الغذاء، ويصل به إلى الذكاء، الإدراك، الذاكرة، أو إلى القلب، الجذب، والوصول. يقول “بسم الله” ليحيي الغذاء بمعناه الإلهي، فيزرع فيه المحبة، الصفاء، والحق، فيستمد منه الحياة، الطاقة، والصحة المعنوية والجسدية.

الأغذية المعنوية قادرة على إدارة احتياجات الإنسان إلى أبد، وتمنحه قوة جبروتية وروحية، بل إلهية. هذا الإنسان لا يصاب بالعقد، الحسرة، الحرص، الطمع، أو التقشف، ويتمتع بغنى ربوبي وطاقات هابطة وصاعدة.

إذا فقد الإنسان الطاقات والاهتزازات المعنوية، يضطر جسده لأخذ احتياجاته من المادة، مما يقلل من سرعته وقوته، فيضعف ويفقد خفة الحركة. أما من يمتلك القدرة على الارتباط بالطاقات المجردة والانسجام معها، فإنه يستطيع تدوير هذه الطاقات في نفسه والتصرف في الكيانات الأخرى. إذا كان يتمتع بالصحة المعنوية، يصبح كعبة الظواهر العليا، مركز اهتمامها ومحبتها، بل وموضع عناية خاصة ومحبة ربانية.

استهلاك الله والإيمان

من الاحتياجات المعنوية للإنسان استهلاك الله، الذي هو المحبة، الجمال، الحلاوة، والصفاء، ويمكن إدراك صفائه بجهاز القلب الحسي. المقصود باستهلاك الله هو احترامه، تواضعه، وعبوديته. لتقريب هذا المعنى، أقول إن جزءاً من صفاء الله هو قصة يوسف وزليخا.

الله مصدر طمأنينة القلوب، وله العظمة، الكبرياء، والاحترام. الخلق والفعل جوهري فيه بلا غرض، لذا فهو إله المحبة، لا الخوف أو الرعب. عظمة الله وجلاله، التي هي ظهور الحسن والخير بطبيعته، تدفع الإنسان إلى الخشوع والاحترام، لا إلى الخوف. الأهم في العبودية هو الحفاظ على هذا المعنى والانتباه إليه.

إذا كان للإنسان قنوات سليمة، قلب نقي، وعبادة خالصة، واستطاع إقامة علاقة صحيحة ومحترمة، أي محبة نقية خالية من الطمع مع الله وخلقه ونفسه، فإنه يكتسب من خلق الله العصمة، الصحة، الصلابة، والقوة، فيصبح قوياً.

معيار العبادات والصلاة هو احترام الله وخلقه، بمقياس ترك الطمع وامتلاك محبة نقية لمصدر الحياة، المعرفة، القوة، والجمال، رب الكون، والتأله. مقدار قوة الفرد يعتمد على قدرته على الارتباط العاشق البعيد عن الطمع مع الظواهر والحق تعالى.

في استهلاك الله، يمكن الوصول إلى الكشف، الشهود، القرب، بل الوصول إليه، لكن يجب المحافظة على الحرمات. لا ينبغي الخوف من استهلاك الله، بل يجب الوصول إلى الطمأنينة، اللين، التوسع، الصلابة، والثبات. الكثرة، الغفلة، والشرك تحرم الإنسان من الطمأنينة واللين، وتمنعه من استهلاك الله.

الاحتياج إلى استهلاك الله

الإنسان المتدين بفطرته، بعد اختيار الله، يكتسب بنية باطنية تجعله بحاجة إلى استهلاك الله باستمرار. هذا الاحتياج يُشبع بالإيمان بالله وذكره. الإيمان بالله وذكره هما رزق المتدين المعنوي. لكن المتدين الذي لا يستهلك الله بشكل صحيح، يضطر إلى التغذي من غير الله، من الخرافات والأوهام، فيصاب بالاضطراب والمرض، لأنه بحاجة إلى التغذية المعنوية من الله.

طلب الله حاجة فطرية للإنسان المتدين، ومعنى قولنا إن الإنسان فطرته توّاقة إلى الله هو هذه الحاجة الجوهرية، كما يحتاج الجسم إلى الطعام، الشراب، النور، والهواء. يقول القرآن الكريم:

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: 30]

فأقم وجهك للدين حنيفاً، فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

على المتدين أن يكون طالب الله من خلال التصفية، الأنس، الذكر، المحبة، الرؤية، المعرفة، القرب، والوصول إليه. أي أن حواسه الظاهرية والباطنية تتغذى يومياً من الله بالإيمان به، العبودية، وذكره، ويربي العبودية والذكر في باطنه. هذا الشخص يصبح قوياً، مبهجاً، ونشيطاً من استهلاك الله. أما من لا يستهلك الله، الإيمان، والقرب منه، فمهما حافظ على صحته الجسدية، فإن جسده، طمأنينته، نجاحه، وإرادته ستضعف، ولن تستطيع الصحة الجسدية وحدها حمايته.

طلب الله، أي القرب منه، الذي هو موجود بذاته وأسمائه وصفاته للجميع بالتساوي، يمنح القوة، الثبات، السعة، الإرادة، الهمة، الصفاء، المحبة، الوحدة، والنجاح، ويحرر الإنسان من الارتباط بالأمور الدنيوية العابرة وأوهامها. الأهم أن أولياء الله لا يستهلكون إلا الرزق الإلهي والمحبة له، وكل استهلاكهم حق وإلهي.

الإنسان قادر على استهلاك الحق تعالى، ظهوراته، وطاقاتها من خلال الأنس والارتباط، فيزيد من قوته، إرادته، همته، وتمكينه. هذه هي القوة الباطنية الحقيقية الربانية والإلهية التي تستطيع تحريك القوة الظاهرية والطبيعية للجسم في ظل الصحة المعنوية، التكيف، الرحمة، النبل، والقدرة على الارتباط العاشق الخالي من الطمع مع الله والخلق. لكن نظرة الإنسان الغافل إلى القوة الظاهرية تحبسه في المادة، الانقباض، والدهشة.

التغذية، التلذذ، والنجاح

التغذية، التلذذ، والنجاح قد تكون مادية أو معنوية، إدراكية، شهودية، أو وصولية. المؤانسة مع الأفراد نوع من التغذية. التغذية المؤانسية قد تمنح الشبع أو الجوع، فالجلوس مع شخص قد يجعل الإنسان يجوع مبكراً، ومع آخر يتأخر جوعه، كالمياه المختلفة التي تختلف في سرعتها في هضم الطعام. يمكن للإنسان أن يشعر بجوع شخص آخر من خلال المؤانسة، فيجوع مثله. يمكن أن يستهلك الله، الارتباط به، والتعلق به، فيجد الغنى والبيّنة.

من لا يجد الحق تعالى وقربه في باطنه، يلجأ إلى صنع مثيل لله، فيقع في الشرك، الكفر، أو الخرافات، ويشبع حاجته إلى الرزق الحق والإيمان الرباني بشكل مصطنع وغير طبيعي، مما يؤدي إلى الاضطراب وعدم الرضا.

المشكلات المعنوية لا تُحل بالمال، لكن الله يستطيع حلها. بتكرار ذكر التهليل، التسبيح، التحميد، أو التكبير، أو التسبيحات الأربعة، يمكن الوصول إلى الصفاء، المحبة، بركة الرزق، القوة، والقدرة الجسدية. لصحة الجسم والنفس، يجب استهلاك الله. طلب الله، استهلاك السجود، الصلاة، والشكر للحق تعالى بعقل ساكن وقلب قوي ومفتوح، يمنح الإنسان قوة ربانية.

الإيمان بالله وإدارة القلق والضعف

الإيمان بالله واستهلاكه يزيل الضعف، الخوف، القلق، العقد، الهم، والتذمر، ويجعل الإنسان قادراً على إدارة نفسه بشجاعة في مواجهة الأحداث، متكلاً على قوة الله اللامتناهية، دون يأس، حزن، أو شعور بالضعف.

من يعيش بإيمان بالله بحياة عقلانية مضيئة، يشعر بالقوة ولا يخاف. الأمل بالله يمنع نفوذ الوهم، الضعف، والخوف. يجب الإيمان بأن الله يمكن أن يكون غذاء الباطن، الشفاء، الصفاء، المحبة، اللطف، والكرامة، ويمكن الأنس به، والوصول إليه من خلال محبة نقية خالية من الطمع، دون شك أو شرط، وبعون منه وعناية خاصة.

من لا إيمان له بالله أو أنسه به، أو إيمانه ضعيف، وقلبه ليس قوياً وصلباً، إما أن يفكر في الماضي فييأس، أو في المستقبل فيخاف ويجبن. من طرق السيطرة على الخوف الإيمان بالله. الإيمان بالغيب وب الله يمنح الأمان. الإيمان اسم فعلي وعملي. بالإيمان، يقل الرعب، الخوف، والقلق.

إذا استقر الإيمان في باطن الإنسان، زال هواء القلق. المؤمن يصبح أميناً، وبقوة الأمانة، لا يحمي جسده ونفسه فحسب، بل يستطيع أن يكون وكيلاً لدين الله ويحافظ عليه. هذا الشخص لا يتضرر من البلايا والأحزان، وإن انكسر، لا يتلوث أو يصاب. القلب الخالي من الإيمان بالله والأنس به معرض لنفوذ التوتر، القلق، والشك، فيصير مضطرباً ومشوشاً.

الإيمان يتطلب الثقة ويزيل كل شك. الشك ضعف ومرض. الإيمان دون معرفة، وعي، ونبل ليس إيماناً. المؤمن بعظيم الإيمان الحقيقي الواعي يبلغ من العظمة أن يزور الله كله دون أن يبدي ذلك. لزيادة الإيمان، العظمة مطلوبة، والله لا يرحب بالضعفاء المصابين بعقد النقص، وهم لا ينفكون عن القلق، الهم، والحسد.

للعظمة، يجب أن يكون الدخل حلالاً طيباً، والاستهلاك ممتعاً، مع القدرة على التوسع، الحرية، الصدق، والمحبة. المال الحلال يضع الإنسان في أمان، والمال الحرام يسلب الصحة والأمان. الإنسان العظيم الحر النبيل المحب الخالي من الطمع آمن بنفسه ولا يسلب أمان غيره. يرى مشكلات الآخرين وأسرارهم، لكنه يمتلك صلابة الكتمان، فيضع نفسه في موضع الحق والمظلومية، لكنه يتستر بالتلبيسات الإلهية، فلا يكشف شيئاً ولا يوقع أحداً في القلق أو انعدام الأمان.

هذا الشخص عندما يسلم في الصلاة ويقول: “السلام عليكم ورحمة الله وبركاته”، يعلن نفسه فداءً لكل ظاهرة، ويذهب قرباناً لكل الظواهر الإلهية. بهذا السلام، يعبر عن إيمانه بصفاء كل ظاهرة والحق الذي يتلألأ فيها، معبراً عن محبته.

هذا السلام يعني أنه لا يجوز اتهام الله، ويجب تجنب العنف مع الخلق، حتى الأعداء، مع مراعاة قواعد الإيمان، الحرمات، والتناسبات، ومحبة خلق الله، وقبلة كل ظاهرة، حتى العدو. في التطور الفردي، يمكن الوصول إلى رؤية العدو كعيال الله، والتعامل معه بفتوة ونبل دون أدنى تحقير أو إهانة.

الحق تعالى يمكن أن يكون غذاء من لديه القدرة على الارتزاق من الأمور الربانية ويتنفس بأسماء الله. من لا يستهلك الله، أسماءه، صفاته، أذكاره، وإيمانه، هو ميت. هذا الإنسان يعيش بمحبة وصفاء، خالياً من الحرص، الطمع، الحزن، الباطل، والظلم، وإن كانت مشاعره وجهوده حية.

الله بطاقته اللامتناهية متاح للجميع مجاناً، بسهولة وسرعة. يجب تطهير النفس وتنقيتها بالصدق، المحبة، التوسع، والمعرفة لاستقبال الحق النقي. الإناء النجس يلوث محتواه.

الرضا بالله

العبد الذي يقبل إرادة الله ويرضى بها، يجد كل فعل أو حدث حلواً، لأن ذوق الله يغلب ذوقه، وذوقه يخضع لذوق الله. هذا يحدث عندما يتجه قلب العبد كله نحو الله، رضاه، بل محبته، ويصير العبد في حال المحبة خالياً من الحكم والتقييم.

هذا العبد لا يهتم بالحدث كحدث قد يسبب عدم الرضا، بل يهتم به من حيث أن فاعله هو الله، المحبوب الذي يمنح الطاقة والحرارة، فالفعل يكون مرضياً لله، بل محبوباً. حلاوة الفاعل أعلى بكثير من طعم الحدث. هذه المعرفة تكشف الجذور والجوهر. العبد، بنور معرفته لذات الحق، يركز على الله، ويتحمل الأحداث المرة بمحبته ويتكيف معها.

عندما يستقر رضا الله، بل محبته، في قلب الإنسان، لا يهتم بحلاوة الحدث، بل بحلاوة رضا الله ومحبته، والحلاوة تأتي من الفاعل الحلو الجميل المحبوب. من رضي برضا الله أو عاش لمحبته، يجد الطمأنينة في رضا الله، سواء كان ذلك في الرحمة والسلام أو العقاب والصراع، وسواء كان رضا الله في القرب أو البعد. هو يحب الله كثيراً، فيحب محبته واختياره بحب إلهي، ويكون في مقام التساوي، حيث لا فرق بين الرحمة والعقاب، لأن المحبة خالية من الحكم.

في الرضا، يرغب العبد في سلوك صراط الله، بل ينفذ أوامره بشوق ومحبة دون مشقة. حرارة المحبة تحفظ العبد دافئاً، فلا يشعر بألم الجروح أو مرارة البلايا.

وحدة الوجود وتفرد الظهور

إن وجود الحق سبحانه وتعالى لا يقبل التمايز، لأن التمايز لا يكون إلا بين وجودين متغايرين، ووجود الحق متفرد بوحدته، فلا موضوع للتمايز فيه. وحدة الوجود لا تحتاج إلى إثبات، بل إن من يدعي تعدد الوجود هو من يجب عليه إقامة الدليل. لذا، لا مجال للتشكيك في الوجود، ولا مراتب أو اختلافات في وجود الحق تعالى.

والظهور، كالوجود، متصف بالوحدة. فالوحدة، بمثابة التشخص، تسري في كيان الظهور بأسره، بحيث لا ينفصل الظهور عن تشخصه أو وحدته أو علمه أو قدرته أو سائر صفات الكمال فيه. بل إن الظهور، بجميع صفاته الكمالية، يتحقق في تعيّن واحد، فتتجلى هذه الصفات في مرتبة واحدة، محققةً الظهور بوحدة تامة.

ونظرًا لأن وحدة الوجود حقيقية لا عددية، فلا حد لها، وبالتالي فإن شؤون الظهور وتعيّناته لا نهائية وغير متناهية. كما أن الظهور، بوصفه متصفًا بالوحدة الحقيقية، قابل للتحول والتبدل بلا نهاية. وإنما تتعدد شؤون الظهور، أما التعيّن، بوصفه وعاء المراتب، فلا يقبل التبدل أو التحول أو التخلف. لذا، كل ظهور هو ذاته في حقيقته. ونظام الوجود والظهور قائم على الوحدة والتشخص والتعيّن وتآلف الظهورات، بحيث لا يقبل التركيب أو الاتصال أو الانفصال. فالحق تعالى والعبد متشابكان، والله مع العبد بمعية لا بعينية.

والإنسان تعيّن لا نهائي، يمتد من المادة بوجوهها المتنوعة إلى المجرد بوجوهه غير المتناهية، عبر القلب والروح. ومن خصائص الإنسان في عالم الناسوت أنه يجمع في تعيّنه اللانهائي بين السرعة والكثافة.

التعيّن الجامع للإنسان

الإنسان ذو تعيّن جامع، فالوعي المادي والذهني يخص عالم الناسوت والمادة والطبيعة وأصحاب النفس، بينما الحكمة تتعلق بالعقل النوراني، والمعرفة بالقلب والروح وأصحاب التمكين، والحقيقة هي الوجود نفسه الذي يُمكن امتصاصه باللاتعيّن. أما تعيّن العقول والملائكة فهو تعيّن قدسي، وتعيّن نفوس الجن تعيّن مهيب وقوي، بينما تعيّن الإنسان تعيّن جامع وكلي.

ضرورة الوجود ونفي الطمع في الظهور

الظهور، في أي عالم كان، ضروري، والفقر لم يمس لا الوجود ولا الظهور. ومع ذلك، فالظهور ليس علة ولا موروثًا، ولا يملك شيئًا أبدًا. هذه الحقيقة هي أبلغ دليل على وجوب التخلي عن الطمع ونفي التعيّن. فطريق الوصول إلى الحق تعالى يقتضي التخلص من كل مرتبة وتعيّن، حتى لا يبقى سوى ذات الحق تعالى بلا مرتبة أو تعيّن.

ونفي الطمع ونفي الذات لا يعني التخلي عن زينة الدنيا أو احترام مظاهر الله، أو قطع تدفق الصحة والنعمة والخير والبركة والفيض والطاقة على الظواهر المتلائمة. بل يعني التخلي عن الأطماع والتوقعات والمكر والفساد، والتحلي بحب نقي خالٍ من الأحكام.

والظهور، بكل صفاته الكمالية، ليس موازيًا للوجود فيخلق مشابهة، ولا منفصلًا عنه، ولا تابعًا له، بل يحمل جميع صفات الوجود بطريقة مشاعية دون أن يستقل. لذا، لا تتحقق وحدة بين مصاديق الظهور والحق تعالى، فظهور الحق هو ظهور الحق ذاته.

التعيّن الحقي والخلقي

التعيّن إما حقي (أحدي وواحدي) أو خلقي. فالظهور الحقي والأسمائي متحد مع الذات، أما في الخلق والظهور فلا عينية، بل هناك ذات مصاحبة بمعية لا بعينية. والحق تعالى له هوية ذاتية متصلة بذاته، لا تكون مجلى للظهور أو وعاء للنزول.

الهوية السارية والمعية القيومية

الهوية الذاتية ذات وجهين: الهوية السارية، وهي باطن الظهور، والمعية القيومية، وهي ظاهره. والهوية السارية هي الواسطة والرابط ومجلى ظهور كل الظواهر، تتضافر مع المعية القيومية لتجلي الحق تعالى من ذاتها وفيها، مع كون هذه الأحدية السارية والمعية القيومية ظهورًا لهوية الحق الذاتية.

والمعية القيومية تخص ذات الحق تعالى، حتى الأسماء والصفات الإلهية هي تعيّنات حقية متحدة مع الحق لا مصاحبة له. والظواهر الفعلية والظهورات الخلقية هي مظاهر الهوية السارية، فكل ذرة تتجلى من باطنها وتستقر في حضن المعية القيومية. لذا، لا يترك الحق تعالى أي ظهور، بل يهديه إلى مقصده الطبيعي والظهوري.

والمعية القيومية تمنح الظواهر في جميع العوالم، بنظام دقيق، حالة التحول، أو ما يُعبر عنه فلسفيًا بـ”الصيرورة”، بحيث لا يمكن الحديث عن الوجود الثابت، بل عن الحال واللحظة. فكل شأن يحمل شأنًا آخر، في حالة تحول وتبدل مستمرين. وفي كل العوالم، فإن الوصف الربوبي والظهور القيومي يمنح الظواهر قابلية التحول ويثبتها على هذا الوصف.

فيض الأعيان الثابتة

في مقام الفيض، أي الأعيان الثابتة، لا يوجد لحاظ للذات، فالأعيان ظهورات محضة، والذات الإلهية لا تصاحبها، لأن الأعيان الثابتة ليست عين الذات، بل هي علم خلقي. وفي التجلي الثاني، وهو تجلي الذات للصفات والواحدية، تظهر الأعيان الثابتة، وهو بداية الفيض.

والظهور الأسمائي عين ذات الحق تعالى، لا غيرية ولا فعل فيه، وإن كان ظهورًا وفيضًا. فكل فيض ظهور، لكن ليس كل ظهور فيضًا، لأن موضوع الفيض هو الخلق. وفيض الحق ظهور دائم، ضروري، أزلي، أبدي، وسرمدي، وبالتالي فإن المظاهر العلمية ضرورية وأزلية وأبدية.

الصحة الروحية والمعنوية

إن تحقيق الصحة الروحية يتطلب التخلص من الكدورات العقلية والباطنية، والتحلي بالصفاء والنقاء. فالإنسان الذي يسعى إلى الوصول إلى الحق تعالى يجب أن يتجرد من الأطماع والتوقعات، ويتحلى بحب نقي خالٍ من الأحكام. والذكر، بوصفه غذاءً روحيًا، يعزز هذا الصفاء، شريطة أن يكون الإنسان خاليًا من الظلم والكذب والطمع.

والذكر يُعد أداة لتحقيق التواصل مع الحق تعالى، ويسهم في تطهير النفس وتعزيز الصحة النفسية والروحية. وقد أثبتت الدراسات أن الممارسات الروحية، كالذكر والتأمل، تقلل من نشاط مركز القلق في الدماغ، مما يعزز التركيز والاستقرار النفسي.

شروط الذكر الناجح

الذكر الناجح يتطلب قلبًا نقيًا خاليًا من الكدورات، ونفسًا متجردة من الكذب والظلم. فالذكر لا يؤتي ثماره إلا إذا كان صاحبه متصفًا بالصدق والصفاء، بعيدًا عن الحرام والطمع. والذكر الانشائي، على وجه الخصوص، يحتاج إلى نية خالصة وفهم عميق لمعاني الأسماء الإلهية، مع مراعاة الزمان والمكان والظروف المحيطة.

وكما جاء في القرآن الكريم:

وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا
(الشمس: 7-10)، فإن تطهير النفس شرط أساسي للنجاح الروحي.

خاتمة

إن وحدة الوجود وتفرد الظهور هما أساس الصحة الشاملة والروحية، حيث يتحقق الإنسان بوصفه تعيّنًا جامعًا يمتد من المادة إلى المجرد. والذكر، بوصفه وسيلة للتواصل مع الحق تعالى، يعزز هذا التحقق، شريطة أن يترافق مع الصفاء والنقاء والتخلي عن الأطماع. ففي هذا الإطار، يصبح الإنسان قادرًا على تحقيق التوازن النفسي والروحي، والوصول إلى كمالات لا نهائية في ظل معية الحق تعالى.</

أسس التذكر القلبي وآثاره العلاجية

مقدمات التذكر القلبي

لا يصل القلب إلى التذكر القلبي إلا بعد تطهيره وتنقيته. وأولى خطوات التطهير هي التداوي بالحلال والامتناع عن استهلاك الحرام. فما دام أدنى مقدار من الحرام في بدن الإنسان، ينزلق التذكر ولا يستقر في القلب. إن الوقوع في الحرام والمعاصي يجعل الباطن زلقًا إلى درجة أنه يصبح عاجزًا عن قبول أي كمال، فلا يستقر فيه أي تذكر يُحضر، وبالتالي لا يترتب عليه أي أثر أو فائدة. لذا، يُعد التداوي بالحلال وإزالة الزلقات الباطنية – التي تُضعف الإرادة وتسلب القوة والتمكين – ضرورة لا غنى عنها للتمكن من الاستفادة من الأمور المعنوية، وخاصة التذكر.

إن التلوث بالمعاصي يحبس التذكر في مرتبة الصورة والظاهر، ويجرده من مضمونه، فيصبح التذكر صوريًا ولغويًا. وإذا لم يرتقِ التذكر اللفظي إلى مرتبة التذكر القلبي ولم يتخذه سندًا له، فإنه يظل خاليًا من الحياة والقوة. والتذكر العلاجي لا يتحقق إلا بحركة بدنية مناسبة وتنفس صحي في الهواء الطلق، فبدون ذلك، وبوجود الأمراض البدنية والتسممات وغازات المعدة والامتلاء والثقل فيها، أو التلوث في الأمعاء، لا يكون للتذكر أثر معنوي. إن الاضطرابات البدنية والنفسية-البدنية تُعد مُدمرة للمعنوية، ولا يمكن الاستفادة من الأغذية المعنوية والعلاجات الروحية إلا بعد تحقيق المعرفة بالصحة وأسلوب الحياة الصحي. ومن هنا، فإن تعزيز المعنوية والتوجه المعنوي يتطلب تقدمًا في النظافة الصحية ونظام الصحة والعلاج النفسي وتطوير العلاجات البدنية.

ما لم تُحترم النظافة الصحية والصحة البدنية في إطار الرعاية الذاتية، لا يمكن الوصول إلى المعنوية الغذائية والصحة المعنوية بفعالية، بل إن مثل هذا الإنسان يُحرم حتى من الوعي العقلي الصادق والحكم والتقرير ذي المصداقية، فيغرق في مستنقع الأوهام والتصورات الخاطئة، التي تسلبه الإدراك الصحيح للحقائق وتُفقده اليقظة.

مخاطر الاستخدام العشوائي للتذكر

إن استخدام الأدوية المعنوية بجهل أو بطريقة غير مناسبة أو غير متوازنة، دون تهيئة الأسس والمقدمات اللازمة، يشبه تناول الأدوية الكيميائية دون وصفة طبية مختصة. فالصحة المعنوية تتحقق بالوعي المعنوي المتخصص. والأمور المعنوية يجب أن تُؤخذ من أهل المعرفة بها. في هذه المسألة البالغة الأهمية، لا يجوز أدنى إهمال أو تساهل، ولا يُسلم الأمر إلى أي كان. فقد تؤدي وصفة خاطئة واحدة إلى تدمير حياة إنسان، وتحرمه إلى الأبد من مسار صحته وسعادته، وتجعل مصيره في ظلمات الحرمان أو نار الخسران.

إن الخلط غير المدروس للأمور المعنوية قد يؤدي إلى إلغاء أثرها جميعًا أو إلى جعلها مضرة. فبعض التذكرات الذاتية أو الاستخدام غير الواعي للأمور المعنوية قد يودي بحياة إنسان عزيز، ليس بسلاح قاتل، بل بأمر معنوي مستخدم أو تذكر استقر في باطنه. وبعض التذكرات، بسبب عدم تناسبها، لا تُنتج أي فائدة أو نتيجة. كما أن الاستخدام غير العلمي لبعض التذكرات يُربك حياة الذاكر، ويُضعف أعصابه، أو يقوده إلى الوسواس والبغضاء.

أصول استخدام الأمور المعنوية

من أصول استخدام الأمور المعنوية أن موضوعها هو الإنسان؛ إنسان لا يظلم، ولا يستهلك الحرام، ويتمتع بصفاء الباطن، وقوة الصلاة والعبادة الحكمية، والإنفاق المالي، وأهم من ذلك، “النُزُه” واستقبال الآلام والمصاعب من الآخرين وتقلبات الدهر بعشق وصبر. كما أن التذكر يناسب من هم صبورون، ثابتون، وأقوياء كالفولاذ، قادرون على أداء عدة مهام دون تداخل، ويملكون القدرة على تغيير الأدوار والمرونة العالية، فلا ينهارون عند مواجهة المواقف المتنوعة، بل يصمدون ويتحملون. إنهم، كمن يدخل إلى أي فرن، فيقاوم الحرارة ويظل فيه بصبر، ثم يتحول بقوة التحول إلى جوهر أعلى وأقوى وأشد متانة.

إن التأثير في باطن العالم من خلال الأمور المعنوية، وخاصة التذكر، يتطلب تناسبات باطنية. فتناسب باطن الفرد مع غيب العالم يجعل أسرار الطبيعة تتجلى في التذكر والأمور المعنوية، ويجعل الذاكر متآلفًا مع الطبيعة، ويمنحه القدرة على التأثير فيها. ولكن، ليس كل إنسان في أي مرتبة من النمو والكمال يستطيع استخدام أي تذكر والاستفادة منه. فكل أمر معنوي له مقدماته وشروطه ليكون مؤثرًا. فقد يُستحسن إخفاء بعض التذكرات وجعلها خفية، أو إعلانها كورد، وقد تُؤدى بعضها فرديًا وبعضها جماعيًا. وتحقيق هذه الشروط يعتمد على ذكاء الإنسان في الاختيار وحريته في عالم الناسوت.

بعض الأمور المعنوية تُعد رياضة روحية، تؤمن صحة الروح إذا استُخدمت باعتدال وتناسب. والتذكرات اللسانية من هذا القبيل، إذ تُقال جهرًا بحيث تسمعها الأذن وتُدركها. ومع المداومة على التذكرات اللسانية، يصبح الفرد من أهل التذكر باطنيًا، بحيث إذا توقف عن قولها، يشعر بالضيق والكسل والثقل، ويفقد التوازن والهيكلية المتناغمة. كما أن من لا يمارس الرياضة يصاب بالنعاس الزائد ويفقد الانضباط، فكذلك من لا يداوم على التذكر يصبح متسيبًا في فكره ولاهيًا في عمله، وقد يرتكب كل فعل غير لائق إذا أتيحت له الفرصة.

الاتصال بالقدرة الإلهية

التذكر يقوي الإرادة من خلال الباطن للتغلب على المعصية ويمنح القدرة على ردع الشرور والسيئات. فالإنسان العادي، بدون المداومة على التذكرات العامة، لا يستطيع اكتساب الإيمان أو الحفاظ عليه أو تعزيزه. كما أن من لا يتغذى من الأرزاق الغذائية كاللحم يصاب بالنقصان البدني وضعف الذاكرة وقلة القدرة على استنباط المعاني، ولا يستطيع أداء أعماله بقوة، فكذلك عدم الانتفاع من رزق التذكر يُضعف استجماع الفرد وتركيزه لأداء الأعمال، ومن لا يتذكر ولا يتغذى من رزق الله لا يستطيع إتمام أعماله بمتانة.

الاستجماع هو العنصر الأساسي لتقوية الإرادة. فالإنسان المبتدئ لديه قدرة ضعيفة ومحدودة، وبدون اكتساب طاقة متراكمة مضاعفة لا يمكنه ربط نفسه بعمل بجودة تؤهله للارتقاء إلى العالم ما وراء المادة وقواه. وهذه الطاقة لا تُكتسب إلا بتقوية الإرادة والاستجماع والاتصال بالباطن. والاستجماع يعني توحيد جميع قوى الفرد وتركيزها في هدف محدد بطريقة منظمة وفق القوانين الطبيعية والتكوينية المتعلقة بالنية الخاصة.

إن استخدام النظام المشاعي للعالم – حيث يعمل الجميع معًا – وجمع قوى الآخرين مع قوة الفرد يعزز قدرة الاستجماع. وهذا ممكن من خلال الرحمة والإحسان إلى خلق الله، واكتساب قلوبهم، أو بجمع أفراد مناسبين لقراءة الدعاء في مجلس، أو بالتوسل والشفاعة وما شابه. على سبيل المثال، يمكن بمواساة الزوجة والأبناء تنظيم دعاء جماعي معهم. وكلما استطاع الفرد جمع قوى أكثر معه، زادت قدرته على الاستجماع.

في الاستجماع، يجب قفل جميع القوى والألعاب العقلية والذهنية حتى يتمكن القلب من الاقتراب من الغيبيات وربط قوته بقوتها، ليكون التذكر مستجابًا. ومن لا يملك القدرة على تركيز الفكر وإدارة ذهنه وبدنه، يتصرف ويفكر بشكل مختلف في كل مكان، ويفتقر إلى الوحدة والنظام والانسجام في حياته.

الغرق في التذكر والانصراف

للحصول على تذكر مستجاب، يجب تحقيق الخلوة بحق. وهذا يتطلب القدرة على الانصراف والغرق في التذكر، لتحرير الذهن من ضوضاء المدن الحتمية ونمط الحياة الميكانيكية والصناعية، بحيث لا تُشتت التلوثات الصوتية البدن. والقدرة على الانصراف تعني القدرة على تجاهل البيئة المحيطة وكبح ألعاب الذهن، خاصة الوساوس والبيانات الوهمية، واستجماع كل الطاقات الظاهرة والباطنة والغرق في التذكر أو العمل.

من ينشغل بالصلاة، إذا ركز على صلاته، أو من يمارس نشاطًا فكريًا ويبذل كل جهده لحل مسألة، لا يستطيع ملاحظة أفعال الآخرين من حوله أو سماع أصواتهم. وهذه الحالة، التي تُسمى الغرق، هي قدرة الانصراف، وهي من مقدمات الاستجماع. والعنصر الأساسي للانصراف والاستجماع هو التفرد في المحبة والعشق. فمن يتبع أشياء كثيرة ويعلق قلبه بشخص أو شيء يومًا ما، لا يستطيع تحرير نفسه من كل شيء. فالقلب الواحد لا يقبل أكثر من محبة واحدة، وكذلك الذهن الذي يتجول في كل مكان لا يملك قدرة الانصراف والاستجماع.

حرز التذكر

تذكر الله هو أمان وحرز وحصن يمنح الإنسان القدرة على مواجهة النفس الأمارة بالسوء والشياطين، ويحميه من الاضطرابات النفسية وحتى مصاعب الحياة. يقول القرآن الكريم: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ (طه: 124). فمن لا يتذكر يتعرض لهجوم الشياطين وشرورها التي تريد له الاضطراب. وبالتذكر يمكن للإنسان أن يضع نفسه تحت حماية الله الرحمن وقوى الخير المحافظة، ليحفظ بدنه وحياته الناسوتية سالمة.

تطوير الروح بالتذكر

التذكرات، خاصة إذا كانت قصيرة ومستمرة، ترتبط في عملية معقدة بالبدن والروح، وتؤدي، كما في تكاثر النباتات، إلى تطوير الروح والباطن إذا أُديت في نظام صحيح مع الالتزام بمقدماتها. فالبدن يرتبط أولًا بالتذكرات القصيرة، ثم يمهد تدريجيًا لاستخدام الأمور المعنوية المركبة والتذكرات الطويلة التي تتناسب معه. تبدأ التذكرات بربط لساني بالبدن، ثم تصبح خفية وجنانية، ثم علنية، وترتقي حتى تصبح ربانية وحقية.

التذكر الذي يرتبط بالبدن يجعل الذاكر منخرطًا فيه حتى في النوم، بل إن بعض التذكرات ترتبط بالروح بحيث لا تزول مع الموت، وتتخلق بها الروح بعد الموت. ومن تخلق باطنه بالتذكر بعد مدة من استهلاكه، يصبح التذكر جزءًا من روحه وبدنه، بحيث يسبب تركه ألمًا روحيًا وإرهاقًا وذبولًا للبدن.

التذكر الخفي القلبي

يبدأ التذكر بتذكر لساني، ثم يتحول تدريجيًا إلى تذكر قلبي باطني، وفيما بعد إلى تذكر حقي. والهدف من التذكر هو استمرار التوجه إلى الحق تعالى. وهذا الهدف قد يتحقق بصورة تذكر لفظي، أو تعقل وتفكر، أو صمت وخلوة وتدبر وحيرة، أو في هيئة تذكر قلبي وتوجه باطني، أو بوحدة الذكر والذاكر والمذكور في مرتبة الروح، فيصبح ربانيًا وحقيًا.

إذا تحول التذكر اللفظي إلى تذكر قلبي، وأصبح القلب يتذكر خفية في الباطن، فكأنه نما من الطفولة إلى الشباب، واتخذ مسارًا تصاعديًا وتوسعيًا. وأعلى من التذكر القلبي هو التذكر الروحي، حيث يصبح الذاكر متحدًا مع الذكر، بل مع صاحب الذكر والمذكور، ويكون ظهوره كله تذكرًا لله في سياق العشق والوحدة.

لكي يخرج التذكر من طين التذكر اللفظي ويحلق من مطار القلب، يجب أولًا تهيئة البدن والباطن، بحيث لا يكون هناك أي ضغينة تجاه الآخرين، ويتمكن الفرد من مسامحة كل ظالم، مع الالتزام بأسلوب خاص للصلاة والحاجة والنُزُه.

أول تذكر يمكن التدرب عليه للوصول إلى التذكر الخفي هو ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم﴾. يجب إحضاره في القلب، دون حركة اللسان، أثناء الشهيق، وتكراره أثناء الزفير، بحيث يُقال مرتين في شهيق وزفير واحد.

الفرق بين التذكر الحقي والخلقي

التذكرات تنقسم إلى قسمين: تذكرات حقية وتذكرات خلقية. التذكرات الحقية تعبر عن كمال من الحق تعالى دون أن يكون للعبد فيها دور فاعل، وهي إيجابية وصاعدة. أما التذكرات الخلقية فتعبر عن نقائص العبد وتنزيه الرب عنها، وهي سلبية وتتعلق بظهور الخلق ونزوله. في التذكرات الخلقية، يكون حضور الفرد قويًا، مما يجعلها محدودة وناسوتية.

التذكرات الخلقية تناسب من لا يسعون إلى السير والسلوك والوصول إلى الحق تعالى، بل يريدون أن يكونوا عبادًا مؤمنين صالحين، يجتنبون المعاصي والمحرمات ويتمتعون بحظهم من الدنيا. على سبيل المثال، من يكرر ذكر الاستغفار كثيرًا يكتسب قدرة على اجتناب المعصية إلى حد ما، لكنه لا يستطيع منع جميع الأهواء أو رد جميع الرغبات الشهوانية.

أهم التذكرات العلاجية

السلام: يمنح الراحة، ويسيطر على الغضب والتسرع، ويُبرد الحرارة.

اللهم صل على محمد وآل محمد: يمنح الراحة ويقوي الأعصاب.

الرحيم: يمنح الراحة، ويزيل القلق والتوتر والاضطراب، وينظم ضربات القلب، ويخفض ضغط الدم، ويعالج الشك.

أرحم الراحمين: يهدئ الأعصاب، ويزيل العصبية والمشاعر السلبية.

إنا لله وإنا إليه راجعون: يمنح الصبر على المصائب، ويعالج الخوف من الظلام، والتعلق بالمظاهر الدنيوية، والحرص على جمع الثروة.

لا إله إلا الله: يمنح الراحة، ويزيل التوتر وضعف الإرادة، ويطرد الخواطر، ويخفف الغم والحزن، ويسيطر على الصدمات النفسية، ويمنح الطاقة، ويعالج فساد الباطن.

بسم الله الرحمن الرحيم: يمنح القوة والطاقة، ويحمي من الكوابيس والأحلام المزعجة ونفوذ الشيطان في النوم.

حسبي الله: يدفع الأعداء والبغضاء.

حسبنا الله ونعم الوكيل: يقوي الباطن ويمنحه القدرة.

الأحد: يزيل الخوف والرعب ورهبة الأماكن المغلقة.

الواحد: يزيل الشك والتردد والبغض والحقد.

الحمد لله: يهدئ الأعصاب، ويمنح صفاء وقوة باطنية، ويزيل التردد وضيق النفس، ويوازن البدن.

أنت مولانا: يعزز التوكل، ويزيل الرياء، ويعالج الأمراض.

إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير: يزيد القدرة الجنسية والقوة في التعبير عن الحب.

آية الكرسي (البقرة: 255): تمنح الطاقة والقوة، وتسيطر على الجوع والعطش.

هو: يقلل الشهية إذا قيل مع الطهارة.

إني معكم: يزيل الغم ويمنح الراحة بنية الأنس بالله.

الحي القيوم: يزيل الضعف والخوف والقلق والاكتئاب، ويمنح النشاط والقوة، ويزيد العمر.

يا حي يا قيوم يا لا إله إلا أنت: يحمي من العين إذا قيل 41 مرة يوميًا لمدة 41 يومًا بين الفجرين، أو قيل على ماء يُشرب، أو على عقيق 41 مرة.

هب لنا من لدنك رحمة: يناسب من يمرضون كثيرًا.

رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانًا نصيرًا: يقوي ويزيل الفقر والبطالة.

عندي خزائن الله: يزيد الرزق.

وأفوض أمري إلى الله: يمنح البدن قوة ويزيد القدرة الباطنية.

إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون: يمنح القوة ويزيل الضعف.

يد الله فوق أيديهم: يمنح القوة ويزيل الضعف.

الرب: يزيل الخوف وسوء الخلق والتزمت إذا قيل “يا رب” حتى ينقطع النفس.

الأول: يمنح القوة والصفاء والنشاط، ويزيل الاضطراب.

الآخر: يعالج الأمراض ويمنح الحماية إذا قيل بإيمان وصبر.

يا ظاهر يا نور، يا ظاهر يا بديع، يا مصور يا ظاهر: إذا قالتها الحامل في الأشهر الأولى، يصبح الجنين جميلًا ويحدد جنسه ويكون خلقه سليمًا.

العليم: إذا قيل باستمرار أثناء الحمل، يمنح الجنين موهبة متميزة وقلبًا صافيًا.

المصور: يحدد جنس الجنين ويصحح النسل ويحقق الحب الناجح.

الباطن: يمنح بسط الصدر.

يا عليم يا علام: يمنح الراحة واللطف إذا قيل في هواء بارد ليلًا.

يا لطيف: يعالج مشاكل القلب الباطني، والشكوك، والرياء، والنفاق، والعجلة، وفرط الحركة، وضعف الأعصاب، وأمراض الأوعية، وينظم ضغط الدم إذا قيل 129 مرة.

يا لطيف يا رؤوف: يمنح لطف القلب ويجلب التوفيق.

الحكيم: يزيل الهوى والتزلزل والقلق ويمنح بصيرة القلب.

الحسيب: يمنح الاستقلال والتوكل، ويزيل الغفلة ويمنع المعصية.

يا من هو حسبي وكفى: يمنح القوة والمتانة الباطنية.

يا كاتب: يعالج النسيان والزهايمر ويقلل الأخطاء بجرعة منخفضة.

الحفيظ: يمنح الاعتدال ويقلل الأخطاء.

يا حافظ يا حفيظ: يحمي من الأخطاء العلمية مع صفاء الباطن.

القريب: يزيل القسوة والخوف وسوء الظن والوهم واليأس والضعف.

الذاكر: يمنح ذاكرة قوية وبسط الصدر.

القادر: يعزز الإيمان والثقة بأن الله هو المؤثر الوحيد.

المقتدر: يزيل الضعف ويعزز التركيز وإدارة اللسان والعين.

يا فاعل يا فعال: يزيل الاضطراب واليأس والضعف.

يا فعال لما يريد: يعالج الأمراض الصعبة مع التناسب والويزيت.

العظيم: يزيل المشاكل العامة.

الفاطر: يوسع الذهن ويقوي التفكير ويزيل العصبية واليأس.

يا فاطر يا رؤوف: يعالج المريض الضعيف ويزيل العصبية والقلق.

الفالق: يستحضر المعلومات ويقوي الإرادة ويزيل العين والاضطراب.

الباسط: يعالج الأمراض العامة ويمنح البسط الباطني.

الباعث: يزيل الضعف واليأس والخمول.

يا باعث يا وارث: يزيل الغم ويمنح النشاط.

يا بر يا لطيف: يمنح الصبر ويزيل العجلة.

البار: مع أسماء مثل لطيف وكريم، يعالج اضطرابات الشخصية ويسيطر على الغضب.

المالك: يمنح الراحة والتوافق مع الخلق، ويزيل القلق والتزلزل ويعالج التشنجات العصبية.

السلام: يعالج الاضطرابات النفسية والجنون.

يا مؤمن يا لطيف: يمنح الراحة ويزيل الاستيقاظ المفاجئ.

المؤمن: يحافظ على الشباب ويؤخر الشيخوخة إذا كان خفيًا وصاحب الذكر نقيًا من الكذب.

الجبار: يزيل الضعف ويعزز القوة في الشيخوخة أو الجراحات إذا قيل بأعداد زوجية.

تعالى: يعالج الضعف والإستحاضة الكثيرة مع مراجعة الطبيب.

يا لطيف المتعال: يمنح طاقة فورية للحامل إذا حُددت الجرعة حسب الاسم والسن.

تعالى: يناسب النساء الضعيفات أو المصابات بالإستحاضة أو بعد الولادة إذا تناسب مع الوزن والطقس.

كبير المتعال: يحمي ويقوي إذا حُفر على عقيق بإطار فضي.

القاسم: يمنح الطاقة ويزيل الضعف.

الغالب: يقوي وينظم النوم والأكل.

المؤتي: يعالج الأمراض وضعف الأعصاب والاضطراب.

الصمد: يمنح القوة ويزيل الضعف.

المؤلف: يزيل سوء الظن والشك والجبن والخوف والعنف.

المديل: يمنح القوة.

يا مؤخر يا مؤخر يا مؤخر: يعالج اضطرابات النوم والخوف والقلق، ويمنح الراحة والطاقة.

المبدئ: يزيل اليأس والضعف ويمنح الراحة والنشاط.

يا لطيف يا كريم: يحمي من التغيرات المفاجئة وآثار ظلم الضعفاء.

المبارك: يزيل العنف ويمنح اللطف والرحمة.

يا باني يا رب: يزيل الغم والعقم.

يا عاصم يا لطيف: يحمي البدن من الأمراض.

يا مجير: يحمي من الأوبئة.

المجيب: يمنح القوة ويزيل الضعف ويطيل العمر.

ومهلهم قليلا: يزيل الغرور والتكبر من أصحاب الثروة والعلم والجمال.

الدنيا: يزيل الغم والاضطراب والنسيان.

البديع: يزيل الوهم والعقد النفسية.

شكرًا لله: يزيل الاضطراب والعقد والحسرة واليأس وضعف الأعصاب.

فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون: يزيل خوف الطفل إذا قاله بنفسه.

وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون: يمنع الأمراض والعدوى والشيخوخة.

إن الله يحكم ما يريد: يقوي الإرادة والفهم.

لا أحب الآفلين: يسيطر على حب الدنيا.

يا من يبدئ ويعيد: يزيل اليأس والضعف.

أثر الأذان والإقامة وتعقيبات الصلاة

الأذان والإقامة، كتسخين البدن قبل الرياضة، هما مقدمة الصلاة لربطها بالباطن وتثبيتها في روح المصلي. فكما يحتاج البدن إلى التسخين قبل الرياضة وإلى التهدئة بعدها، كذلك تحتاج الصلاة إلى مقدمات وتعقيبات. الأذان والإقامة يزيلان سكر الدنيا ويُعدان المصلي لصلاة خالية من التعلق بالدنيا، ليدخل من باب الاقتراب إلى الحق تعالى.

مفتاح السجود

السجود هو أن يضع الإنسان جبهته على الأرض في إطار العبودية، معترفًا بعجزه وتسليمه أمام الله، وأنه مصدر كل خير وموفق لكل حسنة. وكلمة “العفو” في السجود تعلن هذا المعنى. السجود هو أعلى أنواع التحية الإلهية وأرفع مقامات إظهار العبودية. ولا يشترط أن يكون السجود في الصلاة، بل يمكن إتيانه مستقلاً.

المداومة على السجود تجعل الإنسان صاحب موكل وحامٍ. والسجود يزيل الرواسب والغرور والتكبر والميول النفسانية والأنانية. وقد يُرى في السجود شيء أو يُعاد تقديمه في المنام. والسجود يملك قدرة عظيمة على رفع التذكر، بحيث يحول بعض التذكرات إلى مفاتيح رئيسية. بل إن السجود بحد ذاته هو مفتاح لفتح كل قفل. يمكن وضع الرأس في السجود دون قول شيء والحصول على أثر التذكرات الرئيسية.

التعقيب بالتفكر

يمتلك الإنسان في أعماق وعيه الباطني تعاليم فطرية وأصلية، تُطمس بفعل انغماسه في عالم المادة ولذاته وتعددياته واضطراباته ومشكلاته. ويمكن استرجاع هذه التعاليم من خلال تحرير العقل من التشتت، وتفريغ الفكر من تعددياته، وتهدئة النفس، وتنقية الباطن من كل ما يعكره من ضيق أو دنس أو حقد أو كراهية. ويتم ذلك عبر رياضات روحية تمنح الفرد قدرة على الانفراد والخلوة، فيستعيد وعيه بفطرته التوحيدية وعشقه الإلهي، كما لو كان يتذكر حلمًا رآه منذ سنوات بعيدة.

لاستعادة هذه التعاليم والمواهب الأولية، ينبغي للإنسان أن يتفكر في ذاته وماضيه ويتذكره. وأنسب أوقات التفكر هو ما يعقب الصلاة مباشرة. يُستحسن أن يجلس الفرد على سجادته مدة من الزمن، ساعيًا إلى تفريغ عقله من كل فكرة، وممارسًا السيطرة على مدخلات ومخرجات ذهنه، ليتمكن من استعادة المهارات المكتسبة سابقًا، ونقلها من اللاوعي إلى الوعي الظاهر.

إن التوحيد والتدين حقيقة تكوينية متأصلة في سريرة الإنسان، لا مجرد اتفاقية أو أمر اعتباري. والمقصود بالدين هنا هو تلك المعرفة الأصيلة المتجذرة في أعماق نفوس المختارين للتدين. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن هداية الإنسان تعني إيقاظه من غفلته وتوجيهه نحو فطرته وسريرته الأصلية.

وتلعب الفطرة الدينية دورًا مقتضيًا للتوجه إلى الله والتوحيد، وليس علة تامة أو حتمية. فإذا ما تعرضت هذه الفطرة لعوائق مثل الظلم أو الكذب أو الانقياد للأهواء أو التربية الفاسدة أو الاستبداد أو الجهل أو الطمع، فقد تظل كامنة في الباطن دون أن تظهر أو تتجلى، فتبقى في حالة خمود غير فاعلة.

الأذكار القرآنية

قد تكون الأذكار قرآنية المنشأ. فقد كان الناس في الماضي، ولا سيما التجار، يبدؤون أعمالهم بتلاوة آيات من القرآن الكريم، وكان الزبائن ينتظرون باحترام حتى تنتهي التلاوة. وإلى جانب الأذكار العامة والقصيرة، هناك آيات تُعتبر أذكارًا، قد تكون طويلة أو معقدة، لكنها موصى بها من قبل الأئمة المعصومين. إن الإهمال في تكرارها يوميًا قد يؤدي إلى عقبات ومشكلات في الحياة، بل وقد يزيد من إصابة الجسد بالأمراض. فلا يمكن ضبط النزعات الظالمة أو الرغبات غير المتوازنة للنفس والبدن دون المداومة على الأذكار.

ومن الأذكار القرآنية البارزة:

1. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: ذكر كامل يمنح القوة والثبات والرؤية الواضحة، ويفتح أبواب العمل ويؤسس لمستقبله. يعزز هذا الذكر طاقة النفس ويزيل العقد الباطنية والتقلصات، خاصة ما يتعلق بالشرك والرياء والكفر وسوء التدين. يمكن تكراره منفردًا في السجود أو القنوت أثناء الصلاة، أو في سجود خارجها، من عشر إلى عشرين مرة. ولا ينبغي ربطه بسورة معينة.

2. لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ: ذكر التَّهليل هو الأمثل للتقرب إلى الله والتحرر من الشرك والرياء والنفاق. فإذا كانت البسملة فاتحة ومفتاحًا، فإن التهليل منظف للشرك والرياء والكفر. يبعد هذا الذكر الظلم والقسوة عن الإنسان، وهو منقذ ومطهر، إذ يصفي الباطن ويجعله شفافًا ونقيًا ومُحلّى. التهليل ضروري لصفاء النفس وسلامتها، ومفيد في دفع الوساوس الضارة والشكوك. يتطلب المداومة عليه تهيئة مسبقة بأذكار لفظية قصيرة، لأنه ذكر ثقيل قد يسبب اضطرابًا إذا أُسيء استخدامه. يمكن ترديده مع “يا” أو بدونها، ويُفضل البدء بـيَا لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لتخفيف ثقله. يُعد هذا الذكر عامًا للجميع، كما في الحديث: قُولُوا لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا. إنه ضروري لكل إنسان، وإهماله يؤدي إلى تراكم الرواسب الباطنية، مما يسبب مشكلات إيمانية أو شعورًا بالسلبية. التهليل ذكر توحيدي لا يرتبط برغبات دنيوية، على عكس البسملة التي تفتح أبواب الرزق. وهو غير مناسب لمن يعانون من الوسواس، إذ قد يزيده.

3. سُبْحَانَ اللَّهِ: ذكر التسبيح من الأذكار الضرورية. يمكن ترديده بصيغة سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، فإذا قيل بنية إنشائية، يزيل كل دنس باطني. يُستحسن ترديده في القنوت أو السجود داخل الصلاة أو خارجها. يشبه التسبيح الاستغفار في تنقية الباطن، لكنه خالٍ من أي أنانية.

4. تسبيحات السيدة فاطمة الزهراء: من أرفع الأذكار الشرعية، وأثقلها من حيث العدد والمحتوى. كثرة التكرار دليل على جودتها العالية. تُقال هذه التسبيحات كتعقيب بعد الأذان والإقامة والصلاة، حيث تكون النفس مشحونة بطاقة العبادة الواعية.

5. التسبيحات الأربعة: من أفضل الأذكار. يُستحسن للمسافر، الذي لا يرددها في صلاة الناقصة، أن يقولها في السجدة الثانية من الركعة الثانية، وألا يغفل عنها.

6. هُوَ اللَّهُ: من الأذكار الخفية التي تُقال بلسان الباطن. تشمل هُوَ واللَّهُ وهُوَ اللَّهُ. يُبدأ بـيَا اللَّهُ ثم يُقال بدون “يا”. من تأقلم باطنه مع هذا الذكر، يردده في حياته ومماته، فلا يُسأل في قبره مَنْ رَبُّكَ، لأنه كان غارقًا في ذكر معبوده. هذه الأذكار مفاتيح عظيمة تفتح كل مغلق، وإذا دُووم عليها سنوات، تربط الباطن بالنظام الإلهي وتفتح أبواب الغيب. إذا فعّل الذكر موكله، يصبح درعًا يحمي الذاكر من كل شر، حتى لو سقط فلا يصل إلى الأرض، إذ يتلقاه الموكل. تتطلب هذه الأذكار مداومة طويلة لتفعيل موكلها.

علم الأسماء الحسنى

يُعد علم الأسماء الحسنى طريقًا خاصًا وشاملًا لمعرفة الله سبحانه وتعالى. فذات الحق تعالى لا تتقيد بتعيين أو اسم، ولا تقبل التوصيف الذي يحيط بها، ولا يمكن إدراكها بالمفاهيم العقلية، لكن الوصول إليه ممكن من خلال أسمائه الحسنى. إن الأسماء الحسنى هي سبل التقرب إلى الله، ومن خلال الأنس بها والمداومة على ذكرها بصدق وإخلاص، يتحقق القرب، ثم الرؤية، والشهود، واللقاء، وصولًا إلى الغاية العظمى.

من عرف الله بجميع أسمائه الحسنى، بلغ مقام السلام، فصار سلامًا لنفسه ولكل كائن. لا يعرف النفاق أو الخفاء، ويدرك اسم الْعَالِمُ. لا يطغى، ولا يغفل عن الأسماء الجلالية والقهرية. لا ييأس، ولا يتفلت، ولا يخاف، بل يعيش في توازن بين الخوف والرجاء. يرى يد الله في كل شيء، ولا يجد مكانًا خاليًا من سلطان أسمائه. يرى غضب الله حيث يقول لبعضهم: اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (المؤمنون: 108)، ويرى رحمانيته الشاملة التي لا يخلو منها مكان.

ومن أحاط بعلم الأسماء الحسنى، عرف تناسبها مع المظاهر، وحكم كل ظهور وأثره الخاص. يمنح الله هذا العلم لأصفيائه بحسب سعة ظهورهم وقدرتهم، فيوصلهم إلى تلك العوالم.

الأسماء الحسنى حقائق عينية، والمقصود بالاسم هنا هو المسمى والحقيقة التي يعبر عنها اللفظ. أهمية الاسم تكمن في استناده إلى تلك الحقيقة. الحق تعالى وحده يملك أسماء ذاتية حقيقية خالية من النقص، بينما أسماء الظواهر هي باعتبار مظهريتها له. الاسم يحكي ذاتًا متصورة بصفة، بينما الصفة تعبر عن نسبة دون الذات. الذات في مقامها بلا تعيين. الأسماء في مقام المظهرية صفات الله، وفي مقام المظهر صفات الظواهر. الاسم ليس مجرد لفظ، بل كل تعيين أو ظاهر هو اسم.

الأنس والقرب مع حقيقة الأسماء هو جوهر تعليم الأسماء الحسنى. يتحقق الوصول إلى مسمى كل اسم عبر المودة والأنس والقرب والمعرفة، مع مراعاة التناسب بين الاسم وطباع الذاكر، وترديد الاسم بطريقة إنشائية. الأسماء حقائق عشقية تتآلف مع من يصادقها، فيراها في المنام أو اليقظة، ويحاورها كصديق وفي يسمع صوته ويجيبه.

علم الأسماء الحسنى موهبة إلهية تُمنح للأولياء الخاصين، لكنه يمكن تعليمه أكاديميًا. هو علم ثقيل يمهد لعلوم ربوبية وولائية كالولاية والتفسير والاستخارة والعلوم الغريبة والسحر والكرامة والإعجاز والتأويل. بإحاطته، تُفتح أبواب الولاية كهبة إلهية، وبدونه يصعب إتقانه.

في هذا العلم، يُبيَّن معنى كل اسم، وطريقة التقرب إليه، وآثار ذكره، خاصة خصائصه العلاجية التي تتطلب دقة، إذ قد يسبب الاستخدام الخاطئ أضرارًا. الأسماء لها تأثير علاجي في العالم المادي، وتملك مفاتيح الغيب في العوالم الربوبية.

كل علم يخضع لحكومة اسم معين. الدخول في علم دون مراعاة اسمه الحاكم يجعل تعلمه شاقًا ويحرم صاحبه من التوفيق. والأنس بالأسماء قد يمنح الفرد موكلاً يعينه في أعماله.

كل ظاهر في الخلق يحمل الأسماء الحسنى بجعل بسيط، والظاهر ليس سوى حقيقة تلك الأسماء. لذا فكل ظاهر هو سبيل للوصول إلى الله، كما أن الباطن يوصل إلى تلك العوالم. الأنس بأي ظاهر يمنح صفاءً وقوة تصل إلى حد الكرامة والإعجاز. والأنس العاشق بالقرآن وكتاب المعرفة والأولياء أصحاب الولاية الحقيقية يوصل إلى الله.

حكومة الأسماء

الحق تعالى كامل، وكماله يقتضي أن يكون كل اسم جامعًا لجميع الأسماء وللحق كله. لذا فالحق لا يتجزأ، لكن كماله الثقيل يقسم الأسماء إلى حاكمة ومحكومة، ويمنح بعضها حكومة على بعض. في حكومة الأسماء، جميع الأسماء كاملة بلا نقص، لكن الأسماء الأتم تحكم الأسماء الكاملة دون أن يعني ذلك نقصًا فيها.

حكومة الأسماء تختلف عن حقيقة الأسماء ومسماها وعن مقام الذات غير المعين. حقيقة الأسماء واحدة مع الذات، لكن حكومة الأسماء متباينة، ولكل اسم وظيفة وأثر خاص به بحسب حكومته.

الأسماء والصفات في مقام الوحدة عين الذات، وظهرت منها. حكومة اسم على آخر تكون في الظهور لا في مقام الذات، حيث لا وساطة بين الأسماء والذات، بل هي عينها. لكن في مقام الظهور، تتمايز الأسماء إلى مراتب عليا ومتوسطة ودنيا، وجمالية وجلالية، وساعية وغير ساعية، بحكومات مختلفة.

لكل اسم مظهر وحكومة، ولا يزول مظهر أو حكومة في مراتب الصفات أو الأفعال، بل هي أزلية وأبدية. الأسماء ومظاهرها، حتى الناسوتية، وجوبية وعينية وذاتية ودائمة. لا يفنى مظهر أو مظهر، وسير الظهور ثابت مع الحق، وكلها لازمة لذاته.

الأسماء لا تعمل منفردة، بل تظهر معًا في الذات كحقيقة واحدة، لكن في الظهور تحقق حكومة مختلفة لكل ظاهر، ويغلب اسم معين يحدد الفروق بحسب نظام اقتضائي يحفظ الإرادة والاختيار.

اطلاق الأسماء وتقييدها يحدد حكوماتها ويبين أي الأسماء تخضع لأيها. الأسماء الحاكمة تحد من آثار الأسماء التابعة.

يُوصى للمبتدئين والمتوسطين في السلوك بأسماء ذات حكومة محدودة كأذكار. والمرشد الحاذق لا يصف اسم اللَّهُ الجامع للمبتدئ، بل يوجهه إلى أسماء محدودة.

كل ظاهر يملك استعداد أن يكون كل شيء، لكن غلبة الاستعداد تختلف بحسب حكومة الأسماء. هذه الغلبة تتوقف على البيئة والمرتبة والقرب أو البعد، وتكون اقتضائية.

لا ظاهر غريب، وكل وجه هو وجه الحق. كل ظاهر يعشق مظهره، وكل اسم يدبر مظهره، وهما في علاقة تدبيرية دائمة، وكلها من الله، فلا ميدان إلا له: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (النساء: 78).

اسم الرَّبّ

اسم الرَّبُّ من الأسماء الكثيرة الذكر في القرآن، إذ ورد في 970 موضعًا، ليذكّر العبد دومًا بأن الله ربه، فلا يشعر بالوحدة أو الغربة أو الضعف أو اليأس. الرب يرعى عبده بحب واختيار، فهو اسم المحبة الإلهية.

كرر القرآن حكومة اسم التربية والإيصال 970 مرة، ليحث العبد على ربط أبديته بناسوته عبر التوجه إلى ربه العاشق الذي يقوده إلى البقاء.

معرفة اسم الرَّبّ

من بين الأسماء الحسنى، يملك اسم الرَّبُّ وتناسبه مع شاكلة الظهور أعظم أثر في حياة الفرد. يتماشى هذا الاسم مع باطن كل شخص، ويتولى تدبيره في بيئة حرة.

لمعرفة اسم الرب والتناسب الأسمائي، يمكن استشارة مرشد متمرس في علم الأسماء، أو الأنس بالأسماء مدة لمعرفة أيها يثير الجذب واللذة والاضطراب القلبي.

من يتناسب باطنه مع الأسماء الجلالية ينجح في الأعمال العسكرية أو النظامية، ويجد نشاطًا باسم الْجَبَّارُ. ومن كان باطنه رقيقًا يتلذذ باسم اللَّطِيفُ.

قد يتطابق اسم الرب مع الاسم المروب، أي الاسم الذي يُطلق على الظاهر في الناسوت، أو يختلف بسبب البعد عن الثقافة العلمية. اسم الرب هو الذي يحدد حقيقة الظهور وحكمه الخاص، ويجعل الظاهر مظهرًا لاسم إلهي بجوهر أساسي مميز.

معاني وآثار الأذكار

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: ذكر البدء، يحفظ ويعزز الطاقة.

اللَّهُ: جامع الذات والكمال، يؤدي إلى الفناء.

اللَّهُمَّ ويَا اللَّهُ: رافع المشكلات بسرعة.

إِلَهٌ: المحبوب العام، يحل ويربط اللسان.

لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ: ذكر توحيدي جامع، يزيل الشرك ويؤدي إلى القرب والفناء.

الرَّحْمَنُ: ذو الاقتدار والرحمة العامة، يمنح القوة ويحرك النفس.

الرَّحِيمُ: ذو الرحمة الخاصة، يزيل التوتر ويمنح الثبات.

أَحَدٌ: البسيط، يرفع الوحشة والخوف والانشغال.

وَاحِدٌ: المتفرد، يصفي الباطن ويزيل الرياء والحقد.

الصَّمَدُ: العظيم المتين، يجيب الدعاء سريعًا.

سورة الإخلاص: توحيد الله، حصن وقوة.

الْحَيُّ: الوجود السارى، يقوي القلب.

الْقَيُّومُ: الذات القائمة بنفسها، شفاء ومدخل إلى الغيب.

الْأَوَّلُ: البادئ، يمنح النشاط والصفاء.

الْآخِرُ: المنتهي، ينهي الأمور ويدفع الأعداء.

الظَّاهِرُ: البادي، يكشف الخفايا.

الْبَاطِنُ: المستتر، يوسع الصدر.

عَالِمٌ: الكاشف، يمنح اليقين.

الْعَلِيمُ: العالم الثابت، يمنح الرؤى.

عَلَّامُ الْغُيُوبِ: كاشف الخفايا الذاتية، يعزز الروحانية.

الْمُعَلِّمُ: الملهم، يمنح الإلهام.

السَّمِيعُ: السامع الثابت، يمنح الخلوة.

الْبَصِيرُ: البصير الثابت، يمنح الوعي بالتفاصيل.

اللَّطِيفُ: الدقيق، يغذي القلب ويزيد المعرفة.

الْخَبِيرُ: العالم بالجزئيات، يكشف الخواطر والمستقبل.

شَهِيدٌ: الشاهد المباشر، يكشف أثر الظواهر.

شُهُودٌ: الشاهد العيني، يوفق المخالفين.

الشَّاهِدُ: الشاهد الجماعي، يدفع القلق.

مَشْهُودٌ: المشهود، يحول الحالات النفسية.

النَّاظِرُ: المتأمل العميق، يدفع الذنوب.

الرَّائِي: البصير المطلق، يحل المشكلات العقدية.

الأنس بمظاهر الأسماء

أيسر طريق لمعرفة الأسماء هو الأنس بمظاهرها. تأمل الظهور والتعلق به يفتح السبيل إلى مظهره. وبما أن الأسماء والحق كاملان، فكل شيء في كل شيء. يمكن من ذرة أن نصل إلى كل الذرات، ومن بعوضة إلى فيل، ومن فيل إلى ذبابة، وأن نرى الكعبة حجرًا والحجر كعبة دون تفاوت أو نقص: مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (الملك: 3).

مظاهر الأسماء تملك حكومة، وكل مظهر يتدرج بحسب سعة ظهوره. الأولياء المحبوبون مظاهر جامعة للأسماء، كما قال الإمام الحسن العسكري: نَحْنُ وَاللَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى. وبعض المظاهر تجسد جمال الحق، وبعضها جلاله، بحسب سعة ظهورها.

مراد هذا القول أن الأولياء الذاتيين مظاهر للأسماء الذاتية للحق، ولهم مقام جامع لكمالات الظهور، وهم أسماء عظمى مظهرية، لا مظهرًا ولا الأسماء الذاتية ذاتها.

معيار معرفة كمال وقرب الظاهر هو مقارنة صفاته بأسماء الله وصفاته. إن وجدت صفة في ظاهر كالتي في الحق، فهو كامل وخيّر، وإن وجدت صفة لا توجد في الحق، فهو ناقص وشرير بقدر ذلك. الكمال المطلق لله وحده، فلا أحد خير محض، ولا يجوز التقديس البشري. ولأن الشر المطلق لا يظهر، فلا ظاهر مرفوض كليًا، ولا يجوز النفي المطلق.

الثقة بالأفراد يجب أن تكون بحسب كمالاتهم. لا يمكن الوثوق التام بمن ليس خيرًا محضًا، والعلاقات تُنظم بحسب الكمالات، مع اتخاذ الحيطة دون أن ينافي ذلك صفاء الباطن. عدم الثقة المطلقة بأحد، من الأصدقاء إلى الأقرباء، من أصول الحياة.

إحاطة معرفة الاسم المدبر للفرد تكشف استعداده، وتحميه من التيه والضياع، خاصة في العمل الدائم والرضا عن الحياة.

لتحقيق بعض آثار الأسماء الحاكمة، يجب استخدام الأسماء المحكومة التابعة لها. فقد لا يحقق اسم الرَّحْمَنُ رزقًا معينًا بمفرده، لكنه مع الرَّزَّاقُ أو الرَّازِقُ يحققه. وكذلك مزج الْبَدِيعُ مع الرَّحْمَنُ لرؤية أحلام صادقة.

آیا این نوشته برایتان مفید بود؟

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

فوتر بهینه‌شده