در حال بارگذاری ...
Sadegh Khademi - Optimized Header
Sadegh Khademi

الفصل السادس: هادم الدين وقاتل التدين

الفصل السادس: هادم الدين وقاتل التدين

يُعرَّف التزييف في هذا الكتاب بأنه الدين الهادم للدين، الكاذب، الذي يتستر بزي الدين لكنه يناقضه، فيتظاهر بالتدين بنفاق وخداع ممنهج. إنه، في اصطلاح هذا الكتاب، دين باطل وغير إلهي، متسلل إلى الدين الحقيقي، يفتقر إلى القداسة والوحي الإلهي والإشراق، ومن ثم إلى اللين والمرونة والشمول والحداثة، فتحول إلى تجارة بالدين، تسرق من الناس دينهم ودنياهم، وتشتري لنفسها جهنمًا مقابل رخاء دنيوي مؤقت ومحدود. كل دين يخلو من وسيط إلهي وحكيم موهوب بالوحي الإلهي، ومن نظام الإمامة المنصوص عليها من الله، سواء في صورة إمام معصوم ومنصوص أو إمام ملهم ومختار وإن لم يكن معصومًا، هو دين مزيف، هدفه التسلل الممنهج لهدم نظام الإمامة والوحي الإلهي. الدين المزيف، المنسجم مع باطن صلب محروم من المعنى، يفتقر إلى المرونة والشمول والحقائق، فيصبح سطحيًا، طقوسيًا بحتًا، خاليًا من أدنى معنى، أحاديًا، فاقدًا للتنوع، غير ملائم، ممل، قامع للعقل، عنيف، ومطفئ لكل فكر صادق، ومخفي لباطن الدين وحقيقته الخاصة. والآية الشريفة التالية تتحدث عن أئمة متظاهرين مزيفين، لا يحملون في دنياهم سوى البغض واللعنة:

﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ ۝ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾ [القصص: 41-42].

إذا كان الدين باطلاً وأداة في يد السلطة الدنيوية وتزييفها الديني واستبدادها، فإنه يصبح عدوًا للدين الحق وهادمًا له. وقد جاء في “المختارنامه” قول بليغ: «التزييف أخطر آفات الدين، يأتي متوشحًا بثوب التقوى والورع، وهو عملة ذات وجهين: على أحدهما اسم الله، وعلى الآخر صورة إبليس. العوام يرون الله فيه، والحكماء يرون إبليسه. وكم تألم علي من هؤلاء الذين يسجدون ويقرؤون الآيات بمظهر المتدينين!»

الدين المزيف هو دين مقلوب ومغاير، يعمل بمنهجية في مواجهة الدين الإلهي. إذا سيطر، فإنه يظلم الناس باسم الله، ويعد ظلمه وأهواءه النفسية وباطنه الطاغي والوحشي مقدسًا وواجبًا. إنه دين منحرف، ملوث بالخرافات، خاضع للرقابة، وخائن، يحول الهذيان والإسهاب والتلفيق غير المنطقي إلى تجارة ومال وحروب وتوسع، وبالضجيج والتملق وتسفيل الأدنياء، يعزل الحكماء ويحارب النصوص المقدسة، أو يفتعل الافتراءات والفتن ضد أصحاب الحق والحقيقة النسبية، فيفتن العامة البسطاء بتلبيسات إبليسية وتزيينات نفسانية، ويدفع العارفين إلى الكفر والبغض والحسرة حتى الموت. التزييف، ذلك الدجال ذاتي المرجعية المخادع، الذي يعبد أهواءه وباطنه الطاغي المنفصل عن الله، لا يملك قلبًا ملهمًا بالحق، بل هو خدعة وفتنة التدين، تنبع من الدين نفسه وإعلانه، لكنها تقاومه. التزييف رجعي، يتجاهل تنوع الدين الطبيعي، ويفرض بدلاً منه دينًا أحاديًا، نفعيًا، عنيفًا، متسلطًا، متزمتًا، مستبدًا، مخيفًا، يسلب الحريات العامة، ويحقر الجميع، موحدًا المجتمع قسرًا دون أن يتنبأ بنهايته المذلة وهزيمته الحتمية.

المحتويات التي يفرضها التزييف الديني المتغطرس، المتظاهر، المنفصل عن الله وباطنه طاغ، هي سفسطة وباطل وكذب، لأنها خالية من الدين الحقيقي وإرادة الله والحق ذاته. التزييف لا يملك أذنًا صاغية للحقائق، حتى لو كانت نصوص القرآن الكريم المقدسة، كأن أذنيه مملوءتان بالرصاص. يقول القرآن الكريم:

﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا ۝ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ۝ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا﴾ [الإسراء: 45-47].

وفي “الشاهنامه”، يُصور هذا الباطن الطاغي والوحشي بقول: «كلما قلت إنني بلغت المقام، ولا حاجة لي بهادٍ في هذا العالم، فاعلم أنك أجهل الخلق، إن لم تسمع نصح الحكماء.»

التزييف الديني يتسم بالانفصال عن الله، والجهل، والظلام في الرؤية، والظلم في العمل، والنفاق والتملق الممنهج، ورفض النقد. إنه سفسطائي، خالٍ من الصدق والحق والشفافية، منقطع عن الوحي وموهبة الله، لا يهدف سوى إلى أنانية جوفاء ومهينة، فيجعل الجميع في ظلام وغموض، خاضعين، مطيعين، مستسلمين. الصدق هو مطابقة الادعاء للواقع بسير تصاعدي، أما الحق فهو مطابقة الواقع للادعاء بسير إشراقي من الأعلى إلى الأسفل.

أشنع صفات التزييف الديني هي حقارة المزيف وصغره، فهو محروم من الباطن، الحق، الروحانية، الملكوت، والوحي الإلهي، بل حتى من ذاته. لا هوية له، وليثبت تفوقه على الحقيقة، يصغّر الجميع، ويجعلهم خاضعين له، متوهمًا أنه سيد الكل. ومن أسوأ صفاته مهارته في اللعب بالكلمات، وخطابته الجوفاء، والتلفيق، وصناعة الجهل والاستخفاف الممنهج، مع ادعاء الحقانية عبر الدعاية الحديثة، حتى يبدو أحق من الحق، لكن كلامه مجرد هذيان غير موثوق، خالٍ من المعرفة والعقلانية والصدق والبرهان. يطالب التزييف باتباع أعمى لأوهامه المظلمة، كما يقول القرآن:

﴿وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ ۖ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ [يونس: 66].

يحول التزييف الديني، بتظاهره المتزمت بالحق وتكرار دعاوى الحقانية عبر وسائل الإعلام والدعاية، دون وصول صوت الحق وكتب الحكمة وكلام الحكماء إلى الناس، ليمنع المقارنة بين الدينين، ويحتفظ بسيطرته الأحادية عبر خطاب متماسك. لكنه لا يدخل أبدًا في حوار ثنائي مع الناس، بل يجعل نفسه الصوت الوحيد المسيطر على الإعلام والمجتمع. هذه هي الهيمنة الشهوانية للتزييف، لا الاقتدار أو القبول الاجتماعي للدين المعرفي الواعي. التزييف لا يملك هوية ولا يمنح أتباعه كرامة، خاصة عندما يصل إلى مأزق علني وهزيمة لا مفر منها.

التزييف الديني، بدفاعه المتعصب عن دينه المنحرف، وجداله وخصومته وحروبه لفرض تدين منفصل عن الله، يجعل الناس مشككين في الدين الحق، ويكرههم بكل الأديان، حتى الحقيقية، ويمحو مصادر الدين الحية، ويزور وثائق لدينه ذاتي المرجعية الذي يعبد ذاته. الاتباع الأعمى للتزييف، دون تحقيق وتثبت من شروط التدين، إذا كان نابعًا من فهم مغلوط، لا يعفي صاحبه عند الله، الذي له الحجة البالغة على هؤلاء الأتباع الذين غالبًا ما يكون اتباعهم شهوانيًا أو جبانًا.

مع سيطرة التزييف، يُدفع الناس إلى العلمانية أو الدين ذاتي المرجعية، وينتشر في المجتمع التفرق، الخلاف، الاضطراب، التشتت، التنافر، الاغتراب، والخداع بأنواعه. التزييف في خصومته شديد لدرجة أنه يفتقر إلى وحدة المنهج، ووحدته الوحيدة هي الاستكبار والتسلط. لا وحدة في التزييف، ولهذا لا يمكن أن يكون منهجيًا، فكل عصر وكل تزييف يحمل خداعًا خاصًا وبطلانًا فريدًا. التزييف يخون حتى حلفاءه ويضحي بهم لمصالحه.

أبرز علامة للتزييف الديني هي عجزه عن التنبؤ الصحيح بالأحداث، فهو يدعم أشخاصًا ودولاً يتحولون إلى أعداء مخادعين، ويخون آخرين كانوا داعمين مخلصين. يتورط في صراعات خاسرة، ويهرب من معارك كان فيها النصر والنماء. إنه يفتقر إلى الوعي الصحيح والبصيرة النافذة.

في مقابل معرفة التزييف، فإن علامة الإشراق والحكمة للحاكم الديني تكمن في أنه لا يُفاجأ، ويمتلك قدرة التنبؤ الصحيح والتخطيط المستقبلي. فببصيرة قلبه وصفاء باطنه، يدرك ما يلزم قبل وقوع الحوادث، مزودًا ببصيرة ثاقبة تذلل العقبات.

علامات التزييف الديني

لا يتحقق الفهم الإلهي المؤيد من الله والفقه الديني دون اختيار إلهي لتبليغ الدين. هذا الاختيار، الذي يؤهل لمعرفة الأحكام الإلهية والفقه الحقيقي والحكمة النورانية، له علامات مميزة. سبق أن تحدثنا عن البصيرة الثاقبة والتنبؤ الصحيح للحكماء، وعن جهل وعمى البصيرة لدى المزيفين. وفي الحديث التالي، تأتي علامات أخرى لتمييز الحكماء ومؤشرات المزيفين وأهل المكر:

عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عمن ذكره، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: يا طالب العلم، إن للعالم ثلاث علامات: العلم، والحلم، والصمت. وللمتكلف ثلاث علامات: ينازع من فوقه بالمعصية، ويظلم من دونه بالغلبة، ويظاهر الظلمة.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: يا طالب العلم، إن للعالم ثلاث علامات: العلم، والحلم، والصمت. أما المتكلف الذي يتظاهر بالعلم ولا يملك إلا شبه العلم، فله ثلاث علامات: يتمرد على الحكماء الحقيقيين وأصحاب الولاية والحكمة النورانية، ويظلم من دونه بالتسلط والقهر، ويدعم الظالمين، فيدخل، بجهله، في نظام الجور ويصبح عونًا للظالمين. هذا الحديث يتحدث، بحسب موضوعه، عن العلم الديني وعلامات فقهه. في عصر ختم النبوة وغيبة المعصوم، يمكن تمييز الحكماء الدينيين بهذه العلامات. مع ختم الرسالة، أصبح الدين ميدانًا لظهور الإمامة. والإمامة الباطنية لها مراتب، وكمال العبودية، وهو باطن الإمامة، يرتبط بالعصمة. وفي غيبة الإمام المعصوم عليه السلام، فإن الأولياء الباطنيين والحكماء القديسين، أصحاب القدرة على التفقه والمعرفة الدينية، هم أولياء المؤمنين، يقودونهم عمليًا إلى المقصد.

منطق صدق الحكماء هو الحكمة الموهوبة، والعلم الجياش، والمعرفة الإلهية، والمحبة اللامتناهية لجميع عباد الله وخلقه، مما يجعلهم شجعانًا، أقوياء، صبورين، متواضعين، متسامحين، ولينين حتى مع أعدائهم.

الدين الكاذب الهادم المكذب

طباع التدين، إذا كانت صادقة ومتوافقة مع الفطرة، فإنها باطنيًا تسعى إلى الحكماء وأولياء الله وتنجذب إليهم. لكن المشكلة أن كل دين، إلى جانب حكمائه وأوليائه الباطنيين، يولد تزييفًا يكون عدوًا للحكماء ومبغضًا للأولياء الإلهيين. التزييف الديني يفسد الدين الحقيقي بنسخ مزيفة ومنحرفة، وبتلبيسات إبليسية، فإذا انساقت الجماهير معه، سيطر دين وهمي، كاذب، خرافي، متغطرس، فاسد، يتحكم في مصير الدين وأتباعه، ويضلهم جميعًا. الدين الخالي من معرفة الحكماء وحكمتهم النورانية لن يمتلك الصبر والتسامح، بل يصبح أسير التزييف، سلطان الوهم والكذب والزيف. التزييف المتوهم، بدلاً من الالتزام بالعلم والبحث والمعنى الصادق والمنطق الشامل، يرى نفسه متفوقًا بأعداد أتباعه الأحياء والأموات، متفاخرًا بقبور الأتباع، وفخامة المباني الدينية، والتكاثر في المال والثروة. تفاخره لا يقتصر على هذه المظاهر السطحية، بل يتباهى حتى بشدة استبداده وتسلطه الديني. لا يفخر التزييف بجودة الدين، بل بكثرة الكتابات الدينية، التي غالبًا ما تكون تكرارًا للأقوال المزيفة، خالية من الفهم الديني والابتكار العلمي. يعتبر كثرة الخريجين الدينيين نجاحًا لتوسع الدين، بينما هم مجرد دعاة مأجورين يروجون لأوامره من على المنابر. يتحدث التزييف عن تاريخه أو فتوحاته الجغرافية، لا عن الفكر والإرادة في هذه الأراضي، مدعومًا بجهاز دعائي واسع وأحادي الصوت. ولو كان لهذا الأحادية معيار لغوي! فأحاديته مصحوبة بالغرور، والتمركز، والانحصارية، والعنف، والتسلط على الجميع.

التزييف الديني، بتفاخره المتظاهر وقمعه لنقاده، خاصة الحكماء الدينيين، يفرض الكبر، والتسلط، والغرور، والفساد. وكما يقول القرآن الكريم:

﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ۝ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ۝ حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ۝ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ۝ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ۝ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ۝ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ۝ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ۝ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ [التكاثر: 1-8].

إذا لم يكن الدين على نهج الحكماء، وسقط في قبضة التزييف وأتباعه المتزلفين، فإن الكمية المتضاربة ضد الجودة تحل محلها. في هذه الحالة، يفقد الدين العلم، والحلم، والصبر، والتواضع، والأخلاق، والحكمة النورانية، وتتبدل قيمه الأخلاقية والعلمية إلى نظام ظالم ومنحرف، يولد سوء الفهم والجهل، ويصبح أداة للقمع والظلم، مدخلاً الناس في التكلف، والمشقة، والتعب، واليأس، والنفور، وممارسًا عليهم الضغط بعناد شديد.

الدين ذاتي المرجعية: نتيجة سيطرة المزيفين والطقوسيين المتطرفين

مع هيمنة التزييف الديني وفساده المتحكم في مصير الدين، وبدلاً من الرجوع إلى دين فاسد ظالم أو منحه المرجعية، ومع إقصاء الحكماء وأئمة الدين الحقيقيين، وفقدان الدين العقلاني النوراني في ظل استبداد التزييف وترويج الطقوسية المتطرفة الخالية من المعرفة والباطن، فمن الطبيعي، خاصة لأصحاب الفطرة الدينية، أن يلجؤوا إلى دين شخصي ذاتي المرجعية، لأن ما يجدونه بأنفسهم أنقى وأطهر من فساد التزييف. الدين ذاتي المرجعية هو نوع من التدين الفردي الذي يرفض التفسيرات المتحجرة أو المختلطة للدين من وسطاء غير ملهمين، لأنها غير علمية أو متخصصة. يثق هذا الدين بإيمانه الباطني والفطري أكثر، لأنه أكثر وعيًا وجدانيًا وانسجامًا مع المنشأ الإلهي الحر والكريم.

الأفراد الذين يتبنون الدين ذاتي المرجعية يرون أن الروايات التقليدية للدين، التي يشوبها أشخاص غير شرفاء، ملوثة بالخرافات ومناقضة لمعطيات علم النفس والأنثروبولوجيا، ويعتبرونها تهديدًا لسلامة الإنسان ودينًا ميتًا. وهم محقون، فالدين الخالي من المعرفة والتفسير العلمي لا حياة فيه. إذا لم يستند الدين إلى حضور حكيم إلهي أو ولي لله، أي إلى معارف وحيانية إلهية، فلا فرق بينه وبين العلم أو الفلسفة البشرية، فيصبح أمرًا غير مقدس، دنيويًا، علمانيًا، أو اجتماعيًا، ذاتي المرجعية. قيمة الدين تكمن في مكانة وسيطه البشري وقربه من الله. اليوم، مرجعية الأديان المزيفة والكاذبة ميتة، والناس يبحثون عن دين حي، يمتلك باطنًا ومعنى وملكوتًا وهداية وحيانية إلهية. عندما يكتشف الناس، بوعي، أن الوسطاء المدعين للدين خالون من عوامل الهداية الحقيقية، يلجؤون إلى دين شخصي ذاتي المرجعية، يحمل ولو شعاعًا من نور الله وهدايته.

معرفة الدين والتفقه فيه، إذا تضمنت معرفة الله والإيمان به وجوهر التقرب إليه، بل التعلق به والمعرفة بالغايات، تصل إلى كمالها بمعرفة وسيط الله وأقرب عباده، حاملي الوحي ورسالته. وعلى العكس، في مجتمع ذي فطرة دينية، إذا كان رجال الدين وحكامه أو قادته غير ملهمين، وفاقدين للمعرفة والروحانية والشهامة، فإن الناس إما يتبنون تدينًا ذاتي المرجعية، وإما يقعون في الكفران ونكران جميل رجال الدين الملوثين. وإذا تفشى الفساد بصورة ممنهجة، فإن من يظهر نقيًا ولا يرافق التزييف الديني يُعد أحمق أو ساذج، خاصة في مجتمع كالمجتمع الإيراني، الذي يتسم بالتسامح والوفاق واللين حتى مع المخالفين أو الضالين.

احتضار الهادم الديني

الدين الخالي من الحكمة الإلهية، الموبوء بفقر المعرفة، يقع أسير العقل التجاري والتدبير المنفعي المكذب، والتزييف الديني، فيعتبر الفوضى الإدارية تدبيرًا منفعيًا. وللحفاظ على التدين، خاصة إذا كان في موقف ضعف أو خوف، يستخدم كل أداة، ويبرر، بدعوى الهدف المقدس لحفظ الدين ونفوذه، استعمال أي وسيلة أو خطة، حتى لو كانت ظالمة. في هذه الحالة، تتشوه ثقافة الدين في طبقاتها الاجتماعية والشعبية بالكذب، وتفقد مقبوليتها الشعبية. الكذب، أينما وُجد، يولد جوًا ثقيلاً من عدم الثقة، وفقدان الهوية، والشعور بالتفاهة، فيسلب الطمأنينة والأمان، إذ يجعل كل إنسان خطرًا، جريئًا، ومستعدًا لخرق الأعراف. في المنفعية المزيفة، يزيل الكذب كل حرمة وقداسة، ولا يترك حياءً لأحد. كل متولٍ ديني أو حاكم يضطر لشرب سم الكذب، يكون في احتضار تدريجي لولايته أو حكمه. الدين الذي يديره متكلفون جاهلون، يصرخون بدعوى نصرة الدين في الظلام، هم مزيفون، كأن لهم مهمة شيطانية لإيذاء الناس وإدخالهم في العسر والضيق والحزن.

مع فقدان التسامح العام والشهامة الدينية والتعايش السلمي، تُفقد المقبولية الشعبية، وهذا الدين المزيف، الخالي من الحكمة النورانية، يفقد، إلى جانب الكفاءة، الشرعية والحقانية، فيصبح دينًا بشريًا غير مقدس، مناهضًا للدين الإلهي المقدس. مصطلح التزييف في هذا الكتاب يعني ما يخالف الدين أو يقتله. في الدين الموبوء بالتزييف، الذي تسبب فيه سوء فهم الأتباع وشر أعدائه، يُظهر التزييف البشري، بدعم الأجهزة الدعائية، نفسه مقدسًا وملكوتيًا وخيرًا، بينما يُصور الولي الحكيم القدسي، عبر شبكة دعائية ممنهجة، كغير ملهم ومخادع. التزييف المسيطر يقلب كل القيم ويحرفها.

وكما عبر أديب معين، مع بعض التصرف والتحسين، فإن خراب المزيفين الدينيين، الذي ليس مدينة بل قهرًا، يُوصف كالتالي:

في تلك المدينةِ يسرقونَ خبزَ النملِ من فمهِ
ودمعَ الشمعِ، والكفنَ من قبرٍ يستَلُّونه
في تلك المدينةِ يريدونَ البغضَ مكانَ الحبِّ
والكلابُ تختطفُ الحَمَلَ من ذئبٍ شرسٍ يأخذونه
في تلك المدينةِ يكفرُ المؤمنُ ويؤمنُ الكافرُ
والدجالونَ المنافقونَ من المسجدِ نورًا يسرقونه
في تلك المدينةِ يكمُّونَ فمَ حكيمِ الزمانِ
وصوتَ البلبلِ، وشرفَ الحورِ ينتزعونه
من حسنِ ظني هناكَ بحثتُ عن محبةٍ
في تلك المدينةِ يسرقُ المحتالونَ عصا الكفيفِ يأخذونه

مرجعية أسلوب حياة المشاهير

في فضاء غياب المتدينين الحقيقيين، وعدم إفساح المجال للحكماء وأئمة الدين، واستبدالهم بمدعي التدين غير المؤهلين وأصحاب الدعاوى الفارغة في معرفة الدين، إلى جانب الهجمة الشرسة من منكري الدين ومعاديه، تشتد الخلافات الدينية، ويصبح الاستبداد، والتسلط، والأحادية، والتفاهة، والعنف الديني سمة متولي الأديان. في هذا الفضاء، كما يتحول التدين إلى ذاتي المرجعية، يتحول الاهتمام والشعبية العامة ليس نحو الشخصيات الدينية المتخاصمة والمنفرة، بل نحو المشاهير الذين يتمتعون، بنظام ممنهج وشبكي، ببعض الواقعيات مثل النبوغ، والمعرفة، والجمال، واللياقة البدنية، والرشاقة، والحب، والمال المقدس، والشهرة العامة، والدعاية الحديثة، والخدع السينمائية الخيالية، ويتشاركون في نظام منظم بالمديح والتكريم المتبادل. هؤلاء المشاهير يصبحون رسلًا ومروجين لروايات وحقائق يُطلب منهم الترويج لها بصورة ممنهجة ضمن هذا النظام.

يريد الناس رسلًا شعبيين، رحيمين، وحكماء، تتدفق معارفهم بجيشان مستدام ووفي. من بين الأديان، كان الأنبياء الأكثر نجاحًا هم من تمتعوا بالصبر والبسط الأعلى، ولم يتخلوا عن أمتهم أو يتركوها للنقمة والتوبيخ، بل ظلوا وفيين ورحيمين بها. نبيٌ في مصائب أمته، خاصة في مواجهة أئمة الكفر وقادة الظل وأصحاب التزييف المسيطر أو الظالمين العلنيين، يتقدم ويتصدر، متفوقًا على أمته في الصبر والجهد، متسامحًا مع المستضعفين فكريًا وأتباع الضالين والمغضوب عليهم، أي أولئك الذين يفتقرون إلى المنطق الفكري والبينات، ويتساهلون لغويًا. مثال ذلك حوار إبراهيم عليه السلام الرحيم مع عمه آزر، مع تأكيده على الحق والتدين، دون استبداد أو إكراه، عندما واجه تصلب آزر وعناده وعبادته للأصنام وهجومه العنيف على إبراهيم وطرده بالتهديد:

﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ۝ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ [مريم: 46-47].

نظام الأنبياء والحكماء وحده القادر على إدراك حقيقة الدين وحبه الداخلي كما هو في المنشأ الإلهي، والاستجابة بدقة لاحتياجات الإنسان المعاصر، وصيانة الدين من التحول إلى علمانية، أو إنسانوية، أو تهميش الله وتحويله إلى رمز.

المشاهير البلغاء وأدب مناهض للدين

الهادمون للدين هم إما مزيفون غير ملهمين، وإما بلغاء مناهضون للدين يسيطرون على الإعلام، والدعاية، والثقافة، والأدب. على سبيل المثال، بعض الأقوال البليغة هي أشعار استلهمت من نصوص الكتب المقدسة القديمة، كمزامير داود، ونشيد الأناشيد لسليمان، وتعابير التناخ (الكتاب العبري)، لكن ليس بلغة شعراء منفصلين عن الله، بل علمانيين مهاجمين ومعترضين على الله، يتزعمون مناهضة الدين بحماس، دون تمييز بين الدين المزيف والدين الملهم. يتضح نفوذ الأفكار المناهضة للدين وأقوال هؤلاء البلغاء في سوق النشر من خلال وفرة نسخ كتبهم وسهولة وصولها لكل شاب إيراني.

ديوان العصيان والضلال السفسطائي

مثال على هذه البلاغة المنفصلة عن الدين والثقافة الإيرانية، والمستسلمة لتعاليم أجنبية عن هذه الأرض، يتجلى في ديوان شعري عصياني رباعي. هذا الديوان السفسطائي يختزل الله تحويليًا إلى شعور، يعكس اقتدارية مرعبة لإله يهودي غاضب، لا حقيقة الله الذي، بحبه لخلقه، يسعى إلى الوصل في مسار قصير للحب، متطلعًا إلى البسط والوحدة. يجب رؤية جمال الله المفعم بالوعد، والرحمة، والمحبة إلى جانب جلاله، للانتفاع بحبه، وكذلك مراعاة جلاله المملوء بالوعيد إلى جانب جماله، ليكون المرء عبدًا مطيعًا وصالحًا، دون أن ينسب الشر إلى الله بجرأة، أو يغرق في سم العصيان، أو يقع في الضلال والجهل الصريح. فالذنب والتعدي ليسا جرأة أو عصيانًا. العصيان والمعصية، إذا استمرا، يقمعان إرادة الإنسان، ويجعلانه يائسًا، ضعيفًا، ومستعبدًا للشيطان، بل شيطانًا بشريًا، ينسج الخداع، واليأس، والاستسلام في شعر العصيان. هذه البلاغة العصيانية، التي تسفسط وتتمرد على الحقائق الفلسفية ومعارف الدين الإلهي، وتثير الفوضى بكسر الحرمات، تضع البليغ في مأزق النقد، حتى لو كانت بلاغته جديرة بالإعجاب.

نقد القرآن الكريم للأدب المناهض للدين

تحدث القرآن الكريم عن الأدب المناهض للدين الذي يخدم التزييف الديني، حيث ينسج بعض صانعي الأقوال، لا من أنفسهم، بل من وحي شيطاني، لا ينتج سوى انحراف وضلال، ويعزز التزييف والطغيان الديني:

﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ۝ وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ﴾ [الأنعام: 112-113].

هؤلاء البلغاء المناهضون للدين، باستكبارهم وغرورهم، لا يخضعون لله، بل يتوقون إلى معانقة الشيطان الأكبر. أدبهم الحديث يفتقر إلى الفلسفة ومعرفة الوجود في عقلهم المتين، ولا يدرك حكمة العصيان والإرادة الحرة المشتركة للإنسان، بل يعاني من الضعف والعجز، والاغتراب، وفقدان الهوية. بلاغتهم تصل إلى حد يتوهمون فيه شيطانًا خبيثًا يستغلهم في أحلامهم الخيالية، متسلطًا عليهم كإله، أو يعتقدون، بدين ملوث، أنه لطف الله، بينما هو من سلب وجودهم، ومنحهم هوية كاذبة، تجعل حلم العصيان الملوث مع الشيطان، والافتتان بالشهوات الدنيوية، أكثر جاذبية من حلم التقرب إلى الله وحبه. هذا العصيان يجعل الإنسان وبلاغته الحديثة متجردًا من النقاء، منفرًا من الخير، موبوءًا بالعدمية والاغتراب، إلى حد يدعو القرآن الكريم إلى تركهم.

حكمة العصيان الاقتضائي والحر

حكمة العصيان في عالم الحرية الاقتضائية، كتبرير الابتلاءات، هي تنبيه لإدراك الظهورية وعدم الذاتية، والابتعاد عن الغلو، والتسلط، والاستكبار، والادعاء بالألوهية، كقول: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾، والالتفات إلى قيمة الطهارة، والبندگية الخالصة، ومعرفة النفس، والإيمان بالحق، والنضال الدؤوب لإظهار الحب النقي في مواقف الرحمة والغضب، وإبراز شجاعة مكافحة الشر في عالم تنافسي عصياني، وإظهار الحرية والحق والصبر في مواجهة النكبات، وقوة التساقط والفناء. هذه الفضائل الكمالية تجعل الإنسان ليس فقط إنسانًا، بل إلهيًا. الناسوت والعالم الاقتضائي لا يكشف إنسانية الإنسان، بل ربوبيته، مانحًا إياه مقاومة تجعله، حتى مع الهزيمة أمام شراسة الأعداء، مقدسًا في صموده ومحمودًا في صبره. فالله خلق كل إنسان فريدًا لتنفيذ حكم متفرد وعمل لا يتكرر، وليس ظاهرة هامدة أو باطلة. هذا الحكم يتطلب تحمل البلاء والصعوبات، والقوة للصمود الناجح في تنفيذه.

الخاسرون اليائسون في هذا الميدان هم إما الجاهلون الحزانى، أو الضعفاء الذين، بسبب ضعفهم، يفقدون الصمود في تنفيذ إرادة الحق وحكمه، فيستسلمون للضعف والذل، أسرى حزن العصيان وانحطاط التمرد، فاقدين إيمان الحق وهويتهم الظهورية، فيزحفون إلى لجة العدمية والخوف. وإن كانوا في غفلة عميقة، فإن وصفهم: ﴿بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۖ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ يعبر عن درجة ألمهم وفراغهم ووحدتهم واغترابهم، حيث يصبح الخوف والانفصال أخطبوطًا لا ينفك عنهم. الطبيعة الذكية، في تنازع الناسوت، تقضي على الضعفاء العاطلين المنفصلين عن مبدأ القوة الإلهية، اليائسين من العون القدسي، فتتركهم مبتورين ومنسيين.

الظواهر هي تجليات الحق تعالى، ووجود كل ظاهرة هو الله وحده. الوجود والظهور متلازمان، لا يمكن اعتبار أحدهما دون الآخر، لكن الوجود هو الوجود، متمتع بالذات، مضيف الظهور، والظهور هو الظهور فقط، ميهمان تجليات الحق، دون أن ينسب إلى الحق قبض الذنب، أو ضيق النظر، أو عصيان الظهور، أو تفاقم الشر. تلازم الوجود والظهور مفعم بجذب قلب الوجود، وجهد روح الظهور، وجاذبية الحب الإلهي، لا مكان فيه للإكراه، أو السلطوية، أو إله يهودي مرعب، ولا للعدمية أو الفراغ، إذ الظهور هو تجلي الوجود في قمة الغنى والبقاء الأبدي، مانحًا الأمل، والنور، والجمال، والخلاص، والاستغناء، والسكينة، والحب الوفي، والوصول العاشق، إذا أدركت هذه الحقيقة وتم التذكير بها والوعي لها.

ظهورية الظواهر تمنحها اختيارًا ظهوريًا في نظام مشاعي في ناسوت الاقتضاء والحرية. هذا النظام خالٍ من الجبر، وظهوره من إرادة الله واختياره، مانحًا الظهور اختيارًا تجريبيًا ملموسًا.

البلاغة العابثة وترويج العبثية

على عكس الوجود ومخلوقاته التي تستمد الحياة والقوة من نفَس الوجود، فإن بعض البلاغات الحديثة تعبر عن واقعيات عقلية وبيولوجية للبلغاء العابثين عمليًا وسفسطائيين خياليًا، متأثرين بتعاليم يهودية. إنها ظلمة شرارة شؤم البؤس، وغضب يأس مشؤوم، يدمنه هؤلاء البلغاء بحسرة عميقة من فقدان السعادة الحقيقية والإشباع. هذا الألم، بحسب علم النفس، ينبع أحيانًا من تناقضات متناقضة، وجهل بالوجود، والعدمية في الحياة، والاغتراب، والضعف، والعجز عن الصمود، مما يؤدي إلى محاولات متكررة، وأحيانًا فاشلة، لإنهاء نكبات الحياة بالانتحار.

هذا النوع من البلاغة هو حياة حديثة لكنها مغتربة، مصورة في كلمات، مستمدة من الديانة اليهودية ومركز تنويري يتمثل في أشعارهم السفسطائية، تعكس حياة الشاعر المنفصل عن الحقائق، بحساسية مفرطة وتأثرات مستمرة، معبرة بلغة شبيهة بالكتاب اليهودي المقدس وإلهه الغاضب، ومزاميره العبرية، ونشيد سليمان، بأسلوب محاوري بريء دون تهذيب. هذه البلاغات الحديثة ذات الجذور اليهودية هي عصيان سفسطائي بنكهة الوقاحة، معبر عنه بالغضب والاحتجاج، على عكس المزامير التي وجدت في الحكمة والإيمان والأدب نغمة موسيقية:

ولا من المشرق ولا من المغرب
ولا من الأسفل
يأتي الرفعة
وإلهٌ بالعدل
يهبط إلى حضيض الذل
قاتلَ الأبرياء المغضوب
الدجالَ المناهض للدين
يمنح التاج للآخر. [مزمور 75: 6-7].

بعض البلغاء المتجانسين لا يخترقون الماوراء كأنبياء بني إسرائيل، ولا يصبحون حكماء أو عرفاء، ولا يمارسون الفلسفة، ولا يلتزمون بالمثل الإيرانية أو الأخلاق الحيوية، بل يتشبهون ناقصًا بنشيد سليمان، أو الأنظمة العلمانية الأوروبية، أو التعاليم البوذية وروحانيات الهند، مقلدين بطريقة خرقاء، في مستوى الخيال، غارقين في لذة التخيلات، دون تجارب خارقة، بعيدين عن الرؤية واليقظة الروحية، في فضاء شيطاني غريب عن الله، مصرين على محاكاة تعاليم اليهودية والكتب المقدسة أو فلاسفة الغرب، بحالة مكتئبة أو متيمة، وبعدمية مشاغبة، يثيرون موجة من شغف الكلمات، تنبع غالبًا من اضطرابات متناقضة في الوهم، لا من عبقرية عقلية، مدعومة بدعاية ضخمة، فتصطدم بالثقافة والدين، مولدة اضطرابًا من اللذة مع ترويج العبثية، مستمدة من المفاهيم المحرفة لأورشليم القديمة أو الفلاسفة الإنسانويين الأوروبيين، بنفس الصور الشاعرية للكتب المقدسة القديمة، بلغة إيحائية مليئة باللذة والقبول.

غزل الأغزل لسليمان: النص الأساسي للبلاغة السطحية

غزل الأغزل لسليمان، أحد مصادر إلهام البلغاء المتأثرين باليهودية، هو وصف محمود للحب الحسي من منظور فتيات أورشليم، قبل قرون من ميلاد المسيح. فيه ينشد العاشق المتلهف والمحبوبة المشتهاة، بلغة الرغبة. تجتمع صور من لسان المحبوبة، وقد جاءت ترجمة بعض مقاطعه كالتالي:

مضجع رغبتنا بلغ ذروة الاشتياق!
حبي الحر يطاول نجم سهى
سقف كوخ اللذة من أشجار الأرز
أنا! زنبقة كل جذبة عشق
وأنت! الرجل الوحيد
النابض كله!
أنت أشهى لهفة رغبتي
أنت قيدي!
كل جزء من جسدي لمس متسلل، تعال…

من الطبيعي أن تكون رقة المعنى ودقة التفكير من نصيب النص الأساسي، ولا يمكن اعتبار ترجمة المحتوى والبلاغة إبداعًا في التصوير، رغم أن الترجمة الرقيقة والممتعة، واختيار الكلمات المناسبة، وابتكار تراكيب جديدة أحيانًا، مهارة مستقلة. لكن النص الأساسي قد يكون أعمق بكثير من النص السطحي في الموسيقية وخلق المعنى.

النصوص السطحية تمتلك شعرًا بمعنى القدرة على إثارة الخيال والتصوير، شبيهًا بسحر السينما والألعاب الرقمية، لكنها تقلل من محتوى الحياة وفلسفتها وبقائها، فتصبح سطحية، مبهمة المعنى. لذا، لا يمكن في خضم ظلمات الحياة، بترديد بعضها، إشعال مصباح المعرفة أو شعلة هداية لاتخاذ قرارات صائبة والتزام صادق، ولا يمكن رؤية تأثير أو تطبيق ملائم منها. يجب أن يكون الشعر في فضاء الخيال مفعمًا بالمضمون والمعنى، لا أن يصطنع الشاعر، بجهد مضنٍ، مضمونًا رومانسيًا أو خياليًا غير واقعي، ويتشبث بمحتوى لا ينبع من طباعه أو بيئته، فيتوسل ليصنع قناعًا لوجهه. هذه البلاغات المصطنعة، مهما تقدم الزمن، وبكل الأجهزة الدعائية الضخمة التي تجعلها معروفة عامة، لا تبقى في الذاكرة الجماعية للمجتمع لتتدفق في حياته اليومية وتؤثر، كما الشعر القديم الذي صار مثلًا ونال قبول العامة. البلاغات المقلدة، أبناء غير أكفاء للنص الأساسي، تنتمي إلى إنسان محدود ودنيوي، محصور في زمانه ومكانه، لا يتكرر في العصور اللاحقة، بل هو أسير فترته، ذو تاريخ صلاحية، وبلاغته تصبح وصفًا بسيطًا لذلك العصر، ليس خاليًا من الإغراء والتفكك والعدمية، ولا يتجاوز ذلك الزمن. البلاغات التي تتحدث عن هذا الإنسان المحدود والمشاهير المقيدين، رغم أنها كسائر الأعمال لا تمحى، حتى لو كانت روائع عالمية شعرية محمودة، تُذكر لتحليل التاريخ أو النقد الأدبي المتخصص، أو لمعرفة أي كتاب فلسفي ورثت عنه، أو كونها تقليدًا مشوش المعنى، ومدى نجاحها في إعادة إبداع النص الأساسي. ولا تؤثر أكثر من ذلك، وكما يقول القرآن الكريم: اتركوهم، فهم متروكون.

هذه البلاغات ليست مكاشفة، ولا اشراق فيها، بل هي رغبة في تعزيز الخيال وتفجره، حيث يعبر البليغ بمحتواه في نص مفتوح متعدد الأصوات، قابل للتأويل الإيحامي، ويلعب بلعبة التخمين التي تمنع الوصول إلى معنى نهائي بثقة. هذا الأداء الحي للقارئ يثير البهجة واللذة أكثر.

الأدب، كالعلم والدين، في تطور ونمو وارتقاء، ولكل عصر حكماؤه ومزيفوه ودجالوه الذين يروجون المهملات ببلاغة، وأحيانًا يحملون بصفوف كلماتهم السوداء التجهيل، ويتزعمون مناهضة الدين.

اللذة المضاعفة للخيال مقارنة باللذة الحسية

إذا لم يتحقق التنوير للبليغ، أو لم يسلم خياله إلى فضاء الحكماء، فإن الصور الخالية من المعقول والمفاهيم والمعنى، ألفاظ حياة دنيوية عادية وبشرية بالكامل، تُخاط في نص مفتوح وأدبي بتخييلات متناسبة، وتُزين بحيثيات الحياة وموضوعات دنيوية عابرة لا أبدية فيها، خاصة إذا كانت ترفع التكليف وتمنع المعرفة، وتطلق العنان للرغبات الخيالية، وتتغاضى عن الأخلاق في إشباع الهوى والأماني. اللذة الناتجة عن إثارة الخيال والتصوير أكثر إمتاعًا وجاذبية من اللذة الحسية، فتجد غرقًا في اللذة وقوة جذب وتأثير لا ينفك، وتنال قبول محبي اللذة والباحثين عن الكمال في فضاء الخيال. رسالة الشعر هي الإمتاع والإفادة للقارئ، والشعر الحر يوفر فضاء تلبية هذا الطلب في شبكته المعقدة بشكل أفضل، محققًا توقع اللذة في فضاء معنوي مغيم، مقنعًا القارئ.

لقد تحدثت عن العدمية الخيالية المهيمنة، والتصوير الوهمي، وهيمنة الكمية والحسابية، وتحويل الإعلام إلى مسخ يسلب الهوية والتميز من كل شيء، ويجعل الكذب والخداع والمغالطات واللامبالاة مشاعًا عبر الإعلام الاستعماري، في كتاب “المنطق والفلسفة الإلهية”، وعن دور الخيال الفعال في الحياة في كتاب “المعرفة والإنسان الإلهي”.

الغزل: رائعة الأدب الفارسي

رائعة الشعر الفارسي ومعجزته اللغوية في أفضل أشكاله هي الغزل. كسر هذا المنطق الشعري اللغوي وتناسق فخامته يقلل من جاذبية المحتوى ومتعته، ويحط من الشغف، والوعي، والبلاغة، وتشريف المعنى. فالنظام المعنوي المنتظم في فضاء الثبوت العقلي يتطلب تناسق الأبيات ولحنًا فاخرًا في فضاء الظهور، بطريقة طبيعية غير مفروضة لكن مهيمنة، تعكس عظمة النظام الخيالي للمعنى ومراعاة تناسقاته. جمال الموسيقية لفن المعنى ودقة حكمته تتجلى في رقصة الغزل الأنيقة. قبول الغزل الحديث دليل على ذلك.

أن يكون الغزل ذروة الإبداع الشعري المنظم لا يعني تعارضه مع غيره من الأشكال الشعرية، أو نفي الشعر النيماوي والموجات الناتجة عنه، التي نالت قبول العامة بحماسة وخلقت جماليات غير مقيدة.

الأدب المعنوي

مدى نفوذ الشعر وتأثيره ودوامه، إلى جانب قدرته على الإثارة وخلق الاضطراب في الروابط الدقيقة وصناعة الصور العاطفية المبتكرة بعلامات مترابطة متناسبة، وكسر القواعد الفلسفية في بنية النص الأدبي، يعتمد على المحتوى والوعي المحقن في الشعر، والمعرفة، وإعطاء الحق للحق للحضور في الشعر كأكثر الموضوعات بقاءً، وطرح القضايا الإنسانية الثابتة، والتساؤل عن الاحتياجات الحقيقية عبر العصور، ودقة الاستجابة الرقيقة لها، والحفاظ على منطق الحوار الفاخر والعميق. وإلا فإن الشعر يصبح أسير قفص الدنيوي، محصورًا في زمانه ومكانه، عاجزًا عن التحليق من زاوية النصوص المكتظة، مواجهة نقد المنتقدين، أو التنافس مع الأدباء المتمرسين، أو الطيران في فضاء ما وراء الدنيوي، فبدون التناسب لا يصبح مقدسًا. الأمر المقدس مشترك بين الأرض والملكوت، مفعم بالحب والوحدة، غير محصور أو ميت.

من العجيب أن راكبي موجات الشعر الحديث وقوارب خياله يعكسون أدق تفاصيل الحياة الشخصية ويعرون خصوصياتها، وفي الطبيعية يكتبون المحتوى ويقدمون تقارير، وفي السياسة ونقد الحكم يقدمون روايات واقعية، لكنهم في الأمور المقدسة والدين والإيمان يعتبرون المعنوية موت الشعر. المعيار الأدبي هنا هو الأدبية السطحية، والتحول إلى مشاهير في صناعة تزييف كاملة تريد من المشاهير الأدبيين رواية معنى مفروض يتناسب مع معرفة الناس بهم، ليعيش الجميع هذا المعنى غير الواقعي كواقع. هذه العدمية المفروضة، التي تُسمى بلاغة، وتُوجه ضد المعنى، وتُوقع في اغتراب عدمي في بلد المعنى المقدس متأصل في طباع ومنشأ شعبه، ليست قتلًا للأدب بل موضة، بينما الإحالة إلى الحقيقة والمعنى المقدس إعدام للأدب؟! المعنوية والمعنى المقدس جوهر إيران وهويتها الثقافية، وباقٍ فيها خالدًا. أما فقر المعنى أو اضطرابه وهوانه، وإن كان موضة، فليس سوى عبور عاطفي سريع، موضة عابرة، يقدمها راعيها بعدمية جديدة أغلى، بفخر، مترجمة إلى لغات عديدة، مع إذن بنقد العدمية السابقة، وتدمير كل ما كان في القمة، وتسليم الذروة لخاسر جديد، معلنًا سريعًا ضرورة التخلص منها.

هذا الإطناب يعود إلى اتساع نطاق بعض البلاغات الحديثة واضطرابها الأدبي ضد التدين الإلهي، ونفوذها الواسع، خاصة بين المراهقين. سأتحدث لاحقًا عن هذه البلاغة في سياق بعض الروايات المقبولة لدى المراهقين. بعض النقود المذكورة هنا تنطبق هناك أيضًا.

آیا این نوشته برایتان مفید بود؟

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

منو جستجو پیام روز: آهنگ تصویر غزل تازه‌ها
منو
مفهوم غفلت و بازتعریف آن غفلت، به مثابه پرده‌ای تاریک بر قلب و ذهن انسان، ریشه اصلی کاستی‌های اوست. برخلاف تعریف سنتی که غفلت را به ترک عبادت یا گناه محدود می‌کند، غفلت در معنای اصیل خود، بی‌توجهی به اقتدار الهی و عظمت عالم است. این غفلت، همانند سایه‌ای سنگین، انسان را از درک حقایق غیبی و معرفت الهی محروم می‌سازد.

آهنگ فعلی

آرشیو آهنگ‌ها

آرشیو خالی است.

تصویر فعلی

تصویر فعلی

آرشیو تصاویر

آرشیو خالی است.

غزل

فوتر بهینه‌شده