در حال بارگذاری ...
Sadegh Khademi - Optimized Header
Sadegh Khademi

حضرة الناسوت

حضرة الناسوت وخصائصها


تُعَدُّ حضرةُ الناسوتِ، على غِرارِ سائرِ الحضراتِ الخلقيّةِ، تجلّيًا للفعلِ الإلهيِّ المقيّدِ؛ بيدَ أنَّ أسمى خصائصِها انفرادُها بِكونِها عالَمَ الصيرورةِ والتحوّلِ، الذي يَحكُمُه الاختيارُ وسَعةُ الحريّةِ.

يتمتّعُ البشرُ الطبيعيّونَ في الناسوتِ بحريّةِ اختيارٍ نسبيّةٍ، يستطيعونَ بها، بحسبِ اختياراتِهم، أن يصيغوا مصيرَهم بينَ النجاحِ والفشلِ، أو السعادةِ والشقاءِ.

تتّصفُ ذَرّاتُ الناسوتِ الطبيعيّةُ كافّةً بسيرٍ ارتقائيٍّ ومَآبٍ؛ إذ إنّ كلَّ فعلٍ فيها يَنطوي على حُكمٍ ناسوتيٍّ بشريٍّ قاصرٍ، وقضاءٍ مثاليٍّ سرمديٍّ. يقومُ العملُ في الناسوتِ على الاقتضاءِ والاختيارِ والإرادةِ، وتكونُ نتائجُ الأعمالِ مؤقّتةً ومؤاتيةً، في حينِ أنَّ العدلَ والمحاسبةَ يتحقّقانِ في حضرةٍ ما بعدَ الناسوتِ، أي في البرزخِ الصّعوديِّ، وكذلكَ في دورةِ الرجعةِ الناسوتيّةِ التي سنتناولُها لاحقًا. إنَّ نظامَ الجزاءِ المشاعيِّ الحتميِّ يجعلُ هذه الحضرةَ عادلةً، فيعوّضُ ما فيها من قُصورٍ ويُؤمِّنُ أقصى درجاتِ كمالِها.

يُعدُّ الناسوتُ حضرةً متراكمةً تتّسمُ بالحركةِ السريعةِ والتطوّرِ المتسارعِ، بينما تكونُ الحركةُ والارتقاءُ في سائرِ الحضراتِ بطيئًا نسبيًّا.

يُشكّلُ الناسوتُ عالمًا متّحدًا بالتسبيحِ، تسري فيهِ الحياةُ والعلمُ والعشقُ والحركةُ الدائمةُ في نِطاقِ المحبّةِ والودِّ، فلا ينقطعُ ولا ينفدُ. إنَّ الحركةَ التسبيحيّةَ لهذه الظواهرِ هي ذاتُها الحركةُ العبوديّةُ للظواهرِ الأخرى، وهي الغايةُ الحقيقيّةُ للظهورِ والتجلّي.

كلُّ ظاهرةٍ خلقيّةٍ تحملُ وجهينِ: وجهٌ خلقيٌّ ملوّثٌ بالكثرةِ، ووجهٌ حقّيٌّ يميلُ إلى الوحدةِ. يتجلّى الحقُّ سبحانه في الناسوتِ بأحديّتِهِ الجامعةِ، فيظهرُ بكلِّ وجهٍ، وهو في كلِّ وجهٍ.

يُمثّلُ الناسوتُ حضرةً تتّخذُ المادّةَ والطبيعةَ وحدةً لها، ويكونُ التدبيرُ فيها اقتضائيًّا ومشاعيًّا، يتّسمُ بالتفاعلِ المتشابكِ والشاملِ مع جميعِ الحضراتِ الإشرافيّةِ ومظاهرِها. تتّسمُ مادّةُ الناسوتِ بالسيولةِ المستمرّةِ والاضطرابِ، فهي في حركةٍ دائمةٍ. تُعدُّ هذه الحركةُ تصاعديّةً، تسعى إلى التكاملِ والارتقاءِ، وتنبعُ من ذاتِ المادّةِ دونَ حاجةٍ إلى فاعلٍ خارجيٍّ. في قلبِ كلِّ ذرّةٍ ناسوتيّةٍ يكمنُ عشقٌ للكمالِ القائمِ بذاتِهِ، وهذا العشقُ هو المحرّكُ لكلِّ ظهورٍ.

شهودُ مظهرِ الناسوتِ وظهورِهِ هو شهودُ فعلِ الحقِّ سبحانه الماديِّ الناسوتيِّ. مَن عجزَ عن إدراكِ المظاهرِ الفيزيائيّةِ للحقِّ في الناسوتِ، يستعينُ بتأثيرِ الحياةِ والعملِ والحضورِ الناسوتيِّ في سائرِ العوالمِ ليُحسنَ إدراكَ ظهورِ الحقِّ في تلكَ العوالمِ والحضراتِ. لذا، مَن كانَ في هذا العالمِ أعمى، فهو في الآخرةِ أعمى وأضلُّ سبيلًا: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا} {الإسراء: ٧٢}.

تتمتّعُ بعضُ الظواهرِ الناسوتيّةِ، باختيارٍ إلهيٍّ، بنظامِ الوحيِ الإلهيِّ والإنباءِ التشريعيِّ والمعرفيِّ.

تسودُ الشياطينُ والنفسُ الأمّارةُ الناسوتَ، لا سيّما في تمثيلاتِ الخيالِ والأوهامِ، فلا يتحقّقُ العدلُ فيهِ، وهو ليسَ حضرةً عصميّةً. وبما أنّهُ عالمُ الحريّةِ والاختيارِ، فهو مُعرّضٌ للتنازعِ والصراعِ من أجلِ البقاءِ. يُلاحظُ أنّ هذا التنازعَ والصراعَ ينشأُ في الناسوتِ ذاتِهِ، ولا وجودَ للنزاعِ في ساحةِ الأسماءِ والصفاتِ الإلهيّةِ ومظاهرِها. إنّ فاعليّةَ الحقِّ سبحانه في جميعِ الحضراتِ تقومُ على العشقِ، فالظاهرُ والمظهرُ والظهورُ كلُّها عشقٌ. حتى النزاعاتُ الظاهريّةُ في الناسوتِ ملفوفةٌ بالعشقِ.

تُسخَّرُ نعمُ الناسوتِ بالعلمِ والصناعةِ، وتُدارُ قوتُها بالحكمةِ النورانيّةِ، وإلا فإنّ القوّةَ الناسوتيّةَ تولّدُ الظلمَ والعنفَ والفسادَ، وتُفقدُ الصحةَ. تُعدُّ الصناعةُ في الناسوتِ أمرًا مقدّسًا إذا أُديرتْ بالحكمةِ. وقد ذكرَ القرآنُ الكريمُ أنّ داودَ عليه السلام، بعدَ سيرهِ الملكوتيِّ وتأهّلِهِ للنبوّةِ، حظيَ بموهبةِ الصناعةِ: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} {الأنبياء: ٨٠}.

يستطيعُ الإنسانُ الإلهيُّ الحكيمُ أن يرشدَ البشرَ العاديّينَ الماديّينَ في العلومِ اللازمةِ لحياتِهم الناسوتيّةِ، وأن يرتقيَ بالصناعةِ البشريّةِ بسلامةٍ.

تتآلَفُ المعارفُ التجريبيّةُ والاستقرائيّةُ معَ العلومِ اللَّدُنيّةِ الشهوديّةِ تآلُفًا، فإذا ما تَمخّضتْ عن حقيقتِها الفعليّةِ، غَدَتْ كالعوالمِ المُتقاربةِ والمُتوازيةِ، مُتضافرةً بحيثُ يَستحيلُ إدراكُ إحداها بمَحضِ الانفكاكِ عن الأخرى. فلا سبيلَ إلى تحقيقِ الصحةِ والسعادةِ في سائرِ العوالمِ دونَ تأمينِ الصحةِ الناسوتيّةِ والدنيويّةِ. لذا، تُعدُّ الفلسفةُ الأصحُّ تلكَ التي تُقدّرُ الطبيعةَ والتجربةَ والاستقراءَ. إنّ العلومَ الماديّةَ والمعارفَ التجريبيّةَ في الناسوتِ هي مفتاحُ الارتقاءِ إلى العوالمِ الأخرى والمعارفِ الشهوديّةِ، كما أنّ المعارفَ الشهوديّةَ والعوالمَ الأخرى هي مفتاحُ النفاذِ إلى المعارفِ التجريبيّةِ وفهمِ الناسوتِ. لا يستطيعُ أحدٌ أن يقدّمَ روايةً دقيقةً وعميقةً عن الظواهرِ الناسوتيّةِ والماديّةِ إلا إذا اختبرَ العوالمَ الأخرى والظواهرَ المعنويّةَ. ومَن لم يتخصّصْ في إدراكِ الذرّاتِ الماديّةِ والمعارفِ الدنيويّةِ، ولم يحقّقْ سلامةَ الدنيا، فلا يُمكِنُهُ، بسببِ تداخلِ العوالمِ، أن يقدّمَ روايةً صادقةً عن العوالمِ الأخرى. وكلُّ مَن سلكَ طريقًا للمعرفةِ خارجَ هذا المسارِ، لا يُستبعدُ أن يقعَ في الوهمِ والخداعِ والجهلِ المركّبِ والمغالطاتِ.

تُعَدُّ الفلسفةُ والعرفانُ مَنبَعًا لجلِّ العلومِ الإنسانيّةِ، فإذا ما عَدِمَتَا موازينَ المنطقِ وقواعدَ المنهجيّةِ، سَاقَتَا ما يتبعُهما منَ العلومِ إلى مَهاوي الانحرافِ والتخلّفِ. لا تنتجُ العلومُ الإنسانيّةُ حركةً وتحوّلًا مثمرًا إلا إذا أُعيدَ بناءُ المنظومةِ الفلسفيّةِ والعرفانيّةِ الأمِّ، وأُدمجتْ بمنظورٍ تشابكيٍّ وتطبيقيٍّ مع المحتوى التجريبيِّ كمنطقٍ ماديٍّ للعلمِ. كما تُحدّثُ الطبُّ نفسَهُ باستمرارٍ، ينبغي للعلومِ الإنسانيّةِ أن تكونَ كذلكَ، فلا تظلُّ محصورةً في قرونٍ مضتْ، ولا تُغرقَ في ظلامِ المغالطاتِ، حتى لا تتحوّلَ إلى بنيةٍ مريضةٍ كما هي الآنَ. لا يمكنُ للفلسفةِ والعرفانِ أن تُنتجا نظريّاتٍ منفصلةً عن العلومِ التجريبيّةِ، أو أن تعتمدا على الذهنيّةِ أو الشهودِ المجرّدِ. إنّ خطأَ هذا المنهجِ الفلسفيِّ والعرفانيِّ يتّضحُ من كثرةِ الادّعاءاتِ الخاطئةِ المبنيّةِ عليهِ. تحتاجُ الفلسفةُ إلى مختبرٍ وسيرٍ في الطبيعةِ وتفحّصٍ مجهريٍّ للذرّاتِ، كما تحتاجُ إلى المنطقِ للتفكيرِ الصحيحِ. تُعدُّ الطبيعةُ جزءًا من المنطقِ الماديِّ والمحتوى الفكريِّ للفيلسوفِ والعارفِ. لا يُمكنُ إدراكُ الوجودِ دونَ الطبيعةِ، أو النفاذُ إلى ساحتِهِ والحديثُ عنهُ، إلا لقلّةٍ من البشرِ الإلهيّينَ الذينَ يُدركونَ الوجودَ في جوهرِ الوعيِّ دونَ الطبيعةِ. لكنَّ هذا الطريقَ ليسَ متاحًا لعامّةِ الخلقِ، فينبغي أن تبدأَ رحلةُ المعرفةِ من الناسوتِ واكتسابِ المعارفِ من الطبيعةِ.

يُشكّلُ الناسوتُ بيئةً وفرصةً محدودةً للمعرفةِ والعشقِ. ينبغي أن تبدأَ المعرفةُ والآگاهي من الناسوتِ، من قلبِ الطبيعةِ، ومن الجسدِ والإدراكِ الحسّيِّ، حتى تُفضيَ إلى العلمِ والعشقِ الوجوديِّ.

يمتلكُ الإنسانُ الماديُّ، ذو الأصلِ الناسوتيِّ، قدرةً أوليّةً على إدراكِ المعارفِ الحسّيّةِ الناسوتيّةِ، ومن هذه المعارفِ يمكنُهُ أن يرتقيَ إلى المعرفةِ العرفانيّةِ والروحيّةِ والوجوديّةِ.

أصلُ الإنسانِ الناسيِّ هو هذا العالمُ والأرضُ، ولا يمتلكُ الأكثريّةُ أصلًا إلهيًّا. إنّ العلمَ الذي يسري فيهم ينبعُ من الطبيعةِ والدنيا، وينبغي اتّخاذُ هذه المعرفةِ الناسوتيّةِ أساسًا للوصولِ إلى الصفاءِ والنقاءِ، الذي يُزيلُ غبارَ الدنيا عن باطنِ الإنسانِ، فينالُ بتوفيقٍ إلهيٍّ العلمَ العينيَّ والعشقَ والوحدةَ والحقيقةَ الشاملةَ.

تُعدُّ فكرةُ التطوّرِ عندَ داروين، المتعلّقةُ ببعضِ البشرِ الجسمانيّينَ، صحيحةً جزئيًّا، ولا تتعارضُ مع الفكرِ الدينيِّ الصحيحِ إذا نُظرَ إليها بمنظورٍ ماديٍّ. يمكنُ أن يكونَ البشرُ الجسمانيّونَ، ولا سيّما النسانيسُ، نتاجَ تطوّرٍ أو طفرةٍ حيوانيّةٍ. فقد نشأتِ الحيواناتُ من النباتاتِ، وتُظهرُ الطبيعةُ أمثلةً كثيرةً لتشابهِ النباتاتِ والحيواناتِ. تتحدّثُ فكرةُ داروين عن نشأةِ بعضِ البشرِ، وقد يكونُ لهؤلاءِ أصلٌ نسناسيٌّ ينحدرُ من أنواعٍ حيوانيّةٍ متنوّعةٍ. لكنْ، لا ينبغي الاعتقادُ أنّ الإنسانَ المتطوّرَ يحملُ صفاتٍ حيوانيّةً فقطْ، دونَ صفاتٍ إنسانيّةٍ، وإنْ كانتْ إنسانيّتُهُ قريبةً من المرتبةِ الحيوانيّةِ، حيثُ لم يكنْ عقلُ الإنسانِ البدائيِّ بتعقيدِ عقلِ الناسِ الحكماءِ اليومَ. إنّ الأطفالَ، إذا تُركوا أحرارًا، يطرحونَ مئاتِ الأسئلةِ يوميًّا. ارتبطتْ الجماعاتُ النسناسيّةُ والناسيّةُ ببعضِها، فالبشرُ اليومَ إمّا نسناسيّونَ بحتٌ، أو ناسيّونَ بحتٌ، أو نتاجُ امتزاجِ النسناسِ والناسِ. وبعضُ البشرِ يُصنّفونَ ضمنَ مراتبَ حيوانيّةٍ، فمجردُ امتلاكِهم جسدًا بشريًّا لا يجعلُهم نوعًا إنسانيًّا بالضرورةِ. يظهرُ هذا التداخلُ في الجنسِ أيضًا، حيثُ تتعارضُ طباعُ بعضِ الأفرادِ مع جنسِهم البيولوجيِّ، فيكونونَ نساءً ذكوريّاتٍ أو رجالًا أنثويّينَ.

تُظهرُ الكائناتُ السوطيّةُ الخضراءُ، التي تمتلكُ الكلوروفيلَ وتقومُ بالتمثيلِ الضوئيِّ كالنباتاتِ، لكنّها تتحرّكُ كالحيواناتِ، تداخلًا بينَ النباتِ والحيوانِ. كذلكَ السبايروكيتاتُ، وهي كائناتٌ مجهريّةٌ مُسبّبةٌ للأمراضِ، كانتْ تُصنّفُ سابقًا بينَ النباتاتِ والحيواناتِ. لذا، لا يُستبعدُ وجودُ بشرٍ بينَ الحيوانِ والإنسانِ، أو حيواناتٍ بشريّةِ الشكلِ، أو بشرٍ حيوانيّي الطباعِ، لكلٍّ مرتبةٌ وتعيّنٌ خاصٌّ.

يسيطرُ النسانيسُ الأقوياءُ على دوائرِ القوّةِ في الناسوتِ الحاليِّ، ويُعدّونَ من أنواعٍ حيوانيّةٍ ذاتِ عقولٍ أكثرَ تعقيدًا. لكنّ الحيواناتِ تمتلكُ شعورًا غامضًا ومعارفَ معقّدةً لا يدركُها البشرُ بسهولةٍ. ونظرًا لطبيعتِها الحيوانيّةِ وضعفِ عقلِها وإرادتِها وقدرتِها على اتّخاذِ القرارِ، لا تُكلّفُ شرعيًّا.

تنبعُ الشرورُ والآثامُ من الناسوتِ الخلقيِّ وقدرِهِ، بينما تظلُّ في العوالمِ ما قبلَ الناسوتيّةِ، وفي القضاءِ والحكمِ، وفي الأعيانِ الثابتةِ، علمًا صرفًا. وبمقارنةِ اتّساعِ العوالمِ، تُعدُّ الشرورُ الناسوتيّةُ، الناشئةُ عن الاختيارِ والإرادةِ وقابليّةِ التغييرِ، قليلةً جدًّا، كخالٍ في وجهٍ جميلٍ يزيدُهُ جمالًا.

يمنحُ الاختيارُ والإرادةُ، إلى جانبِ العلمِ والعقلِ والقدرةِ النسبيّةِ، الناسَ تكليفًا ومسؤوليّةً شرعيّةً. لذا، يكونُ الناسُ في الناسوتِ، بحسبِ معرفتِهم وقدرتِهم، مكلّفينَ بالتزاماتٍ شرعيّةٍ ومسؤوليّاتٍ تجاهَ اللهِ سبحانه.

لا يترتّبُ على أنّ كلَّ ظاهرةٍ في مقامِ الأعيانِ الثابتةِ تُدركُ تعيّناتِها وأحكامَها وأفعالَها بفاعليّةِ اللهِ جبرٌ، لأنّ الناسوتَ يُخضعُ كلَّ شيءٍ للاقتضاءِ، ويجعلُهُ تابعًا لحريّةِ البشرِ وإرادتِهم المشاعيّةِ. يستطيعُ الإنسانُ أن يُخفيَ مصيرَهُ في ذاتِهِ، أو أن يُحسّنَهُ بأفضلِ القراراتِ والخيريّةِ. تُبرزُ هذه الحريّةُ المشاعيّةُ دورَ المعرفةِ والعملِ والقراراتِ الناسوتيّةِ في صياغةِ المصيرِ الأبديِّ والحكمِ المثاليِّ.

يطلبُ اللهُ سبحانه، بسببِ طبيعةِ الناسوتِ الاقتضائيّةِ، من الناسِ الإيمانَ والعقيدةَ عبرَ الأديانِ الإلهيّةِ، أو من خلالِ إرسالِ أصحابِ المعرفةِ الوجوديّةِ والعشقِ المحدودينَ في كلِّ دينٍ ومكانٍ، ليُضفيَ نورًا على شخصيّةِ المؤمنينَ وتعيّناتِهم، متجاوزًا المعرفةَ الطبيعيّةَ والغريزيّةَ والعقلَ الحسابيَّ الخادمَ للأهواءِ النفسانيّةِ.

لا يتجاوزُ التفكيرُ النفسانيُّ والعقلُ الحسابيُّ والاستدلاليُّ الطابعَ الطينيَّ والتعيّنَ الترابيَّ للإنسانِ، فيمنحُهُ معرفةً سطحيّةً بالواقعِ، وقدرةً على النطقِ الطبيعيِّ، دونَ أن يُحقّقَ ذوقَ المعرفةِ والحقيقةِ والعشقِ والوحدةِ.

يحتوي الناسوتُ على عالمٍ مثاليٍّ يضمُّ زنزاناتٍ وحفرَ عذابٍ لمعاقبةِ الظالمينَ بالقهرِ والغلبةِ، ومواطنَ نعيمٍ وكمالٍ للمؤمنينَ. يستطيعُ الوليُّ الإلهيُّ في الناسوتِ، أو في أيِّ حضرةٍ أخرى، أن يُخلّصَ المعذَّبَ مؤقّتًا بدعوتِهِ، أو أن يُحرّرَهُ أبديًّا إذا اتّسمَ المعذَّبُ بمودّةٍ وأنسٍ كافٍ مع الوليِّ.

رؤية الناسوت الواعي

في الناسوتِ، كما في سائرِ العوالمِ اللامتناهيةِ، يُعدُّ العلمُ والآگاهي جوهرَ اللهِ سبحانه. إنّ جميعَ العلومِ تنبعُ منهُ وتعودُ إليهِ، بل هي هوَ ذاتُهُ. لا ينفصلُ علمٌ عن آخرَ، فالكلُّ علمٌ واحدٌ. تتفاعلُ الظواهرُ في نظامٍ مشاعيٍّ، كخيوطِ سجادةٍ متشابكةٍ، متعانقةٍ في عشقٍ ووعيٍّ. لا يستطيعُ أحدٌ أن يدّعيَ الأنا أو يطلبَ لنفسِهِ أو ينحوَ إلى الأنانيّةِ، بل كلُّ فعلٍ هو للجميعِ، والجميعُ للجميعِ، لا أن يكونَ واحدٌ للجميعِ أو الجميعُ لواحدٍ. مَن يحملُ قلبًا رحيمًا بالكونِ، يكونُ رحيمًا بنفسِهِ أولًا، فيجذبُ طاقةَ الكونِ وقوتَهُ. إنّ الأحداثَ كلَّها تتشكّلُ من الطاقةِ.

يتصلُ الإنسانُ، بجسدِهِ الماديِّ وعقلِهِ الجسمانيِّ، بالناسوتِ في نظامٍ مشاعيٍّ، فيتعايشُ مع الظواهرِ المناسبةِ لهُ.

يُعدُّ الناسوتُ طبيعةً عاقلةً واعيةً وحكيمةً. إذا وجدتْ في إنسانٍ عشقًا للهِ وللطبيعةِ وللناسِ ولذاتِهِ، فإنّها، بحكمتِها الطبيعيّةِ، تُلهمُهُ الصوابَ والحقَّ بصورةٍ خاصّةٍ تناسبُهُ، فتُرشدُهُ إلى طريقِ المعرفةِ ومهمتِهِ الفريدةِ، وتُسخّرُ قوانينَ التوفيقِ والسرعةِ في تحقيقِ النتائجِ وجذبِ الطاقةِ المناسبةِ لخدمتِهِ.

تمتلكُ الطبيعةُ شخصيّةً حيّةً، وتستطيعُ أن تكونَ مرشدًا طبيعيًّا لمن يعشقُها، فلا يرى في أيِّ حدثٍ ناسوتيٍّ سوءًا، ويستوي عندَهُ الرحمةُ والقهرُ الطبيعيّانِ. يدركُ هذا العاشقُ أن لا يتصادمَ مع الاختلافاتِ الطبيعيّةِ ومراتبِ الظواهرِ السابقةِ وتنوّعِ البشرِ، ولا يغفلُ عن الاقتضاءاتِ الربانيّةِ والأسرارِ القدَريّةِ ومعرفةِ المقاديرِ والضروراتِ الإلهيّةِ.

آیا این نوشته برایتان مفید بود؟

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

منو جستجو پیام روز: آهنگ تصویر غزل تازه‌ها
منو
مفهوم غفلت و بازتعریف آن غفلت، به مثابه پرده‌ای تاریک بر قلب و ذهن انسان، ریشه اصلی کاستی‌های اوست. برخلاف تعریف سنتی که غفلت را به ترک عبادت یا گناه محدود می‌کند، غفلت در معنای اصیل خود، بی‌توجهی به اقتدار الهی و عظمت عالم است. این غفلت، همانند سایه‌ای سنگین، انسان را از درک حقایق غیبی و معرفت الهی محروم می‌سازد.

آهنگ فعلی

آرشیو آهنگ‌ها

آرشیو خالی است.

تصویر فعلی

تصویر فعلی

آرشیو تصاویر

آرشیو خالی است.

غزل

فوتر بهینه‌شده