در حال بارگذاری ...
Sadegh Khademi - Optimized Header
Sadegh Khademi

غيبة الولاية

غيبة الولاية

غيبة الولاية هي حالة تصيب من يفتقر إلى الحضور الباطني والوعي، فيعيش بعقل مضطرب ومشتت، مغمور بسحب الشبهات الكثيفة والضباب الغالب. وحكمة هذه الغيبة وفلسفتها لا تقع في متناول العقل الخالي من المعارف الصحيحة، بل لا بد له من التسليم للأدلة التاريخية الموثوقة والنصوص الشرعية. إن شمس الوجود ونور الظواهر في كمال الظهور، فإذا وجد الحضور فلا غيب ولا غيبة، بل إن شمس الحقيقة تضيء حياة من يصاحبها بنور واضح. وكما يعبر القرآن الكريم: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [النور: 35]. فغيبة الولاية العامة، بالنسبة لأهل التوحيد وأصحاب المعرفة والحقيقة المتمتعين بالولاية الإلهية، هي بمثابة المشاهدة والحضور.

وفي الرواية عن أبي خالد الكابلي قال: دخلت على سيدي علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام… فقال لي: «إي وربي إن ذلك لمكتوب عندنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله». قال أبو خالد: فقلت: يا ابن رسول الله، ثم يكون ماذا؟ قال: «ثم تمتد الغيبة بولي الله عز وجل الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة بعده. يا أبا خالد، إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان، لأن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله بالسيف. أولئك المخلصون حقًا وشيعتنا صدقًا والدعاة إلى دين الله عز وجل سرًا وجهرًا». وقال علي بن الحسين عليهما السلام: «انتظار الفرج من أعظم الفرج».

إن الغيبة وعدم الحضور هما انقباض وتسطح وجهل، فالغيبة عن محضر الإنسان الإلهي تصيب غير المحرمين بحضرته، المنقطعين عن بوابة الولاية. فشمس الولاية تتألق دائمًا بنورها، لكن من يغرق في الغيبة والضياع يُحرم من رؤية هذه الشمس، فيصاب بالحجاب والحرمان. وفي عصر الغيبة، يأخذ الحضور والوعي والمحبة والوحدة طابعًا باطنيًا، فيختفي ويُغطى، فالعقل النوراني والحكمة والباطن والقلب والرؤيا والمعرفة تُروى بمطر العناية الイلهية، فتربط أرواح المشتاقين والمنتظرين بالمحبوب دون وسيط، لتنتزع منهم الغيبة والانتظار وتمنحهم حضورًا تامًا.

إن موهبة الرؤى الصادقة المرشدة أو المنذرة، وتفسيرها الشفوي المنقول صدورًا عن صدور، بعيدة عن تخيلات العقل الملوثة، وكذلك الاستخارة -وهي من أبسط الطرق وأدقها للارتباط الصحيح بالغيب-، هي هداية إلهية في عصر الغيبة. فهي تقود الإنسان بتوفيق قوة الجذب الربوبي الكامنة في الكون إلى إدراك الحقائق الصحيحة، وإلى معرفة الإنسان الإلهي أو الحضور في محضره والاستفادة منه. والاستخارة، إذا استندت إلى القلب لا إلى المعارف المفاهيمية أو العلمية التي قد تنحدر إلى مستوى الخرافة، فإنها بمثابة استشارة الإمام المعصوم صاحب الولاية الإلهية. ذلك أن الاستخارة لطف وعناية وملجأ إلهي لهداية العباد في عصر الغيبة، تجذب باطن العالم وغيبه إلى عالم الناسوت. وكما اعتبر موسى عليه السلام عصاه الخشبية معجزة نبوته، فأبطل بها سحر السحرة المرعب وأظهر الحقيقة، أو كما كان نفخ البقرة دافعًا لفض النزاع وكشف القاتل المستتر، كذلك في هذا العصر هناك علماء وأولياء تكون استخارتهم بمثابة عصا موسى أو بقرة بني إسرائيل في كشف الحقيقة. وهذا الأمر لا يستبعد، لا سيما أنه تجربة ملموسة في تقلبات الحياة وللمصاحبين الموصوفين بـ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ.

الغيبة: فرصة اختبار النظريات المنافسة

الغيبة هي منح فرصة لجميع النظريات المنافسة لمشروع الولاية والإمامة، ليختبر كل فرد كفاءتها واكتمال ادعاءاتها ويمتحن درجة علمها ومعرفتها. وفي ضجيج الغيبة، تنتشر الجهالة والغرق في الانحرافات الفكرية والتفاهات والممارسات القبيحة وكثرة الادعاءات بشكل وبائي. فظلمة الغيبة تغمر كل شيء في عتمة عميقة وطويلة، فتنتزع الشهادة والوضوح من الفاعل العارف، فيصبح الفاعلون المدركون كالعميان يتلمسون الفيل دون أن يجدوا الحقيقة، وتكون أحكامهم وقضاياهم خالية من الحضور والشهادة. فكل عقل يظن نفسه عارفًا يقدم في كل موقف مظلم ليس نظرية واحدة، بل أفكارًا متعددة.

وفي عصر الغيبة، لا تملك الأفكار السائدة منطقًا ماديًا أو محتوى حكميًا يستند إلى القلب الباطني والعقل القدسي، بل تغرق المفاهيم في أشكال جسدية وشعارات نزواتية نفسانية. إن عصر الغيبة هو غيبة صاحب الولاية، خفاء واستتار يشمل كل أشكال الوعي، فالمعرفة هي التي تختفي في الغيب. يفقد الوعي صوته الإلهي ولغته الولائية، ويختفي الدين والإيمان والمعرفة الولائية والمحبة والوحدة، فتستولي التعددية والتكثر الخالي من ميزان الحقانية.

وعندما تكون الولاية في غيبة، فإن وحي القرآن الكريم، الذي يحتاج إلى نطق، يفتقر إلى اللغة الولائية واكتمال التفسير، فيصبح نور القرآن مهجورًا وغريبًا، يعيش في قلوب أولياء الله المستترين. ومع غيبة الولي ومهجورية القرآن، يعم الحرمان من الارتقاء والمعراج، وتغلب الأسفار الأفقية، ونادرًا ما يتمتع أحد بعناية السير العمودي واكتمال القبول الولائي وملاذ المولى والدعم الإلهي.

عصر الغيبة: عصر غيبة المعرفة والحكمة

إن عصر الغيبة هو عصر غيبة المعرفة والحكمة والوعي. ومع غيبة الوعي، يتسع المجال للجهل والهوى والفساد والاستكبار، بمفاهيم مصطنعة وعصرية، وأنساق خطابية تقوم على مقاييس باطلة تجذب العقول الضعيفة والحقيرة إلى مستنقعات التراب، بشخصية ترابية تتأرجح مع كل ريح وكل موضة متمردة مضادة للقيم، متعطشة للتنوع غير القابل للإشباع. فأي ريح ستعصف وإلى أي جهة، وما الذي سيصبح موضة ووجهًا غالبًا ومثيرًا للعواطف للحظات عابرة تظل العاطفة وفية لها؟

إن عصر الغيبة هو عصر الأفكار الموضوعة والتزيين اليومي وصناعة الفرق والتلاعب بالجماعات وإنتاج الأجنحة والأحزاب الملونة بنبض الأساطير الباطلة. لا حقيقة هنا، بل أساطير لا تتفق بأي قراءة، تحمل التشتت والتفرقة والتكثر الخلقي، تركب الأمواج. إن القراءات المتعددة والتعددية والتكثر الخلقي المحروم من الحق هي لوازم غيبة الوعي ولوازم استكبار العقول. ولوازم التكثر والقراءات المتعددة هي الكذب، عدم القابلية للتبرير، التناقض، النقص، الانهيار، الضعف، الإرهاق، والانقطاع، لا جمع الحق والصواب.

ومع سيطرة الأفكار الباطلة المتاجرة ببعضها، يعم الخلاف والتفكك والتشتت والانقطاع والصراع والعزلة والوحدة القسرية. في هذا العصر، نادرًا ما يُوجد قلب، والعقول المادية، بسبب سيطرة الغرائز الطبيعية والميول النفسانية، تتباعد بحيث لا تجعل الزواج يوحد الأفراد ويجعلهم متآلفين. فالأزواج يعيشون بجانب بعضهم غرباء، في بيت واحد، دون أن يشكلوا عائلة أو مجتمعًا، يتساوون في العزلة والوحدة، مع فرق أنهم قد يكونون ملتزمين قانونيًا بدفع مهور باهظة ونفقات وتكاليف معيشة وأجر مقابل العيش مع شخص غريب خالٍ من التعلق، في زمن انهيار الاقتصاد وارتفاع الأسعار، مع شخص قد يكون في باطنه غير محرم، بل غير مرتبط، وربما يكون عرضة للخيانة مع مئات المصائب والآثام التي تُغرق في دوامة من البلاء.

إن زمن الغيبة المتلاطم هو عصر انقباض مدمر وحرمان من حضور الوعي. فالحضور والوعي يجلبان الارتباط والمصاحبة المناسبة والمحرمية. وعكس ذلك هو انقباض الجهالة والخداع مع فتن ماكرة هذا العصر، وحزن فقدان العطف بين المحارم واحدًا تلو الآخر، وقسوة الأقربين، وفقدان المواسي في ألم الوحدة المتزايد والمؤلم، الذي يحرق الجميع ويجعل كل فرد يبحث عن ملجأ دون جدوى ويصاب باليأس. يقول الإمام الرضا عليه السلام: «لا بد من فتنة صماء صيلم يسقط فيها كل وليجة وبطانة». فلا مفر من فتنة واضطراب شديد مدمر يسقط فيه جميع المحارم والخواص.

دورة الانتظار واختبار الصبر

عصر الغيبة، بالنسبة للمؤمنين والمعتقدين بالولاية، هو عصر الانتظار والصمود والفراسة والصدق في مواجهة عواصف الزمان المدمرة، وأصوات مصطنعة فارغة، وميول ضائعة بلا هوية، وحركات سيئة السمعة ومخططات خبيثة ملوثة بالظلم والفساد الأفقي. إن الثقافة الأساسية للشيعة في زمن الغيبة تقوم على طموح الانتظار الأخضر والوعي، والحفاظ على النفس من التحريفات، والابتعاد عن ظلم العباد الضائعين المنهكين الذين يجربون كل سبيل دون أن يجدوا خلاصًا، فيضطرون إلى التعايش مع باطل متسلط وعاطل، يحترقون به.

وفي هذا الزمن الامتحاني الذي لا مفر منه للجميع، يبقى المؤمنون الذين يتمتعون بعناية المعارف السليمة والإدراك الصحيح وفيين لولاية أهل البيت عليهم السلام، دون أن يصابوا بالانقباض أو الإحباط أو القلق أو الفتنة أو الشبهة أو الإرهاق أو التساقط. يقول الله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ۝ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت: 2-3]. فهل ظن الناس أنهم سيتركون بمجرد قولهم آمنا دون أن يُمتحنوا؟ ولقد امتحنا الذين من قبلهم، فليعلم الله الذين صدقوا وليعلم الكاذبين.

إن عصر الغيبة هو موضوع هذه الآية الشريفة التي أكدت بأقسام متعددة أن الناس في هذا الزمن سينتقلون من حادثة إلى أخرى، وفي كل حادث精品 يتنكث جماعة عهدها وتتخلى عن موطن من الدين وتوقف شعيرة، فالإيمان في هذا العصر استثناء، والثبات على الإيمان هو السباحة عكس التيار العالمي السائد، والصمود أمام العادات والتقاليد المنتشرة بين الناس المضطربين. يقول الله تعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ ۝ فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ۝ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ ۝ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ ۝ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ ۝ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [الانشقاق: 19-25]. فإنكم ستنتقلون من حال إلى حال، فما بالهم لا يؤمنون؟ وإذا تُلي عليهم القرآن لا يسجدون، بل الذين كفروا يكذبون، والله أعلم بما يكتمون، فبشرهم بعذاب أليم، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، لهم أجر غير ممنون.

معرفة الولاية

في عصر الغيبة، الأهم هو معرفة الإمام عليه السلام ونعمة الولاية وانتظار نعمة حضوره. وفي الرواية عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ، فقال: «يا فضيل، اعرف إمامك، فإنك إذا عرفت إمامك لم يضرك تقدم هذا الأمر أو تأخر، ومن عرف إمامه ثم مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر، كان بمنزلة من كان قاعدًا في عسكره، لا بل بمنزلة من قعد تحت لوائه». وقال بعض أصحابنا: «بمنزلة من استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله».

إن معرفة الإمام، ككل معرفة، تتطلب توجيهًا من ولي حي حاضر. وكما قال حافظ: «الظلمات فاحذر خطر الوحدة». إن الغيبة هي العزلة والمحاق وانقباض الوعي والوقوع تحت استبداد الجهلة واستكبارهم، بحيث إذا ازدهرت معرفة ما، ففي عصر انحطاط الفكر وضعف المحبة وعزلة المعرفة وحبس الإدراك المنزلي، يجب النظر إليها بتردد في خيريتها.

الغرق في العدمية

في عصر الظلمات، حيث تعمى الأبصار عن رؤية الوجود وحقيقة الله تعالى، لا يتردد من يريد إنكار ضرورة الوجود الأزلي، وإن قبل بضرورة ما، فهي ضرورة غير جوهرية، في أن ينكر وجوده وحتى صورته كفاعل منكر، وينكر إنكاره ذاته، فيعتبره عدمًا وخلوًا من الحقيقة. وبهذا يلعب بالمفاهيم والألفاظ، فيحول هاتين الصورتين أو المستويين، اللذين يدركهما الوجدان بعلم الحضور، إلى واقعيتين معدومتين مفهوميًا، تتسلل إليهما العدمية، بل لا ذات لهما أصلًا. ومهما استغرق هذا الشخص في التأمل المفاهيمي، لا يصل إلى الارتباط بالذات والوجود، لأن ذلك يتطلب ألم التجلي الحقيقي للتعين. لا يجد في مفهوم الوجود سكينة أو استقرارًا، ولا يملك وجدانًا يهتدي به إلى وجود يأسره، فيظل يراه سلبًا مطلقًا. إن حقيقة القضايا العدمية هي ذاتها عدم ونفي، ولا ثبوت لها في نسيج الواقع، ولا وجود يُضاف إليها. وإن أُسند إلى روايتها ثبوت ما، فهو ثبوت اعتباري آلي في الذهن، لا يمتلك مصداقًا خارجيًا، وإلا لما كان معدومًا. والوجود، بالنسبة لهذا الشخص، لا مصداق له، ونفي الواقعية عنده هو عين الحقيقة والصدق. فهو لا يرى التسلسل محالًا عقليًا، والظواهر تتوالى سلسلةً بضرورة فيزيائية، تظهر وتفنى بلا غاية. وما دامت موجودة، تبقى ظاهرة بلا هدف، ومشهد نشوئها وزوالها ليس إلا نظامًا ذاتيًا في انشغال ولهو. إن تنبيه جسد هذا الشخص لا يشفي غرقه في العدمية؛ فهو غرق في ضرورة فيزيائية خالية من الغاية، لا مفر منها، محكومة بالعدمية الحقيقية، مبرمجة للعدمية ذاتها، حيث العدمية هي التفسير القياسي القانوني للعدمية. لا تنبيه يجبر العدمي على الإقرار بوجود وهدفية الواقع، بل يتحمل ألم العدمية المفاهيمية ويجعل الجميع ضيوفًا لسخريته من الوجود وظهور الظواهر. وهذا الألم الضائع والمحنة بلا غاية هي تمرد يستمد قوته من العدمية والجسدانية الفيزيائية. في العدمية، يجب تمضية الوقت والانغماس في اليوميات، والانشغال بالجسد واللهو. إن نظرية الحبس في واقع العدمية، ذات السير الأفقي، التي لا تصل إلى مأزق بفضل التنوع القائم على العلم والصناعة، لها تطبيق عملي. وكما يعبر القرآن الكريم: وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت: 64]. فهذه الحياة الدنيا ليست إلا لهوًا ولعبًا، وإن الدار الآخرة لهي الحياة الحقيقية لو كانوا يعلمون.

في عصر الغيبة، يصبح الإدراك حسيًا وتجريبيًا آليًا، وتسود سحر التمثيل الخيالي الصناعي، ويتحول العقل إلى مكر وخداع، يمارس لعبة المفاهيم والتسلية والمتاجرة. في هذا العصر، كل إنسان مادي جسداني، ينتقل في أقصى إدراكه من المحسوس إلى المعقول الذهني، لكنه لا يصل إلى مرتبة التصديق والإيمان بالولاية، يسلك مسارًا أفقيًا موازيًا. ومن أتباعه ومؤيديه، الذين ينشغلون بآرائهم ويستمتعون بها، يصنع قشًا ميتًا وذبابًا ضعيفًا حائرًا حقيرًا، يعبثون في عالم الناسوت لهذا وذاك، يرقصون بمهارة ويغنون على إيقاعه، لكنهم لا يرتقون إلى شيء، إلا في تمثيلاتهم الخيالية الممتعة، وهي خيال متصل لكنه منقطع عن الواقع، ظاهرة موازية لا تحمل نعمة أو كمالًا أو سعادة أخروية، ولا تمنح أحدًا عروجًا نفسانيًا أو وعيًا قلبيًا أو معرفة روحية. لكنها تلوث ساحة العرفان والعلم بوجوه ومشاهير دعائيين، مدعين لكنهم جهلاء ومستسلمون لأهل الدنيا المستبدين والمستكبرين والمهيمنين على العصر.

ثبات التقية في عصر الغيبة

قد يحدث أن يراعي القائل المقدس حال نفسه أو حال السامع، فبمقتضى مصلحة أعلى، كحفظ نفسه أو كلامه، يتظاهر بالموافقة مع من يخالف مراده أو يكتمه، فلا يتضمن قوله نية الإخبار عن الواقع. أي أن القائل في مثل هذا القول يفتقر إلى المعنى المراد، وهو في حال تقية وستر للمعنى الحقيقي، خالٍ من الإخبار. ونظراً لتعدد طبقات نصوص المعارف ونظام دلالاتها، وامتلاكها معاني ظاهرية إلى جانب المعنى الحقيقي، وصعوبة لغة هذه النصوص واستعصائها، يصل كل شخص بحسب عقله واستعداده إلى معنى من المعاني المنحدرة أو إلى المعنى الحقيقي. وفي مثل هذه الحالات، يكون القائل المقدس غالبًا متضمنًا لعنصر الإخبار عن الواقع، ويتكلم بلغته الخاصة. لذا، في مثل هذه الأقوال، كما في غيرها، لا يصل إلى المعنى الأعلى من مقامه لا العقل المخالف للواقع فحسب، بل حتى العقول المحبة لكنه بسيطة التفكير، فلا حاجة لإخفائه، إذ السامع نفسه في حجب وستره. وهذا الأمر خاص بنصوص المعارف، والتقية ضرورية في الشروح والتفسيرات التي تُكتب عن هذه النصوص، لأن التقية لا تُرفع إلا في زمن الظهور.

ورغم أن الله تعالى والحقيقة مطلقان، فإن الأفراد والعلم والوعي للظواهر نسبي. وفي زمن الغيبة، يكون العلم والوعي في غيبة وحجاب، ويسيطر أهل الباطل، وأولئك الذين يرون مصلحتهم في جهل الخلق يواجهون أهل الوعي والحكمة والمعرفة بالتزوير. وأبسط أسلحة أهل التزوير والرياء وأخطرها هو التفسيق وإلصاق الافتراءات الأخلاقية بأصحاب العلم والوعي. وهذا يعني أن أولياء الله تعالى والعلماء الإلهيين، في زمن الغيبة، لا يجدون ملاذًا آمنًا شاملًا ليصرحوا بالحقيقة.

الحقيقة بالنسبة للأولياء، الذين هم في ذواتهم متجاوزون للتعين، ليست نسبية، ومنهجهم وعلمهم واحد، متمتع بمعرفة المحبوب. لكن الحقيقة الخالصة، حتى في هذه المعرفة، لا تتجلى بالكامل، وتتأثر على الأقل بالظروف الزمانية وتجربة المعرفي والقارئ للعلامات في كيفية نقل المعرفة. وكما يعبر القرآن الكريم: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور: 55].

روى الكليني بسنده: «حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن المنخل، عن جابر، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن حديث آل محمد صعب مستصعب، لا يؤمن به إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان. فما ورد عليكم من حديث آل محمد فألان له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه، وما اشمأزت منه قلوبكم وأنكرتموه فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمد. وإنما الهالك أن يحدث أحدكم بشيء منه لا يحتمله فيقول: والله ما كان هذا، والله ما كان هذا، والإنكار هو الكفر».

قال الإمام الباقر عليه السلام، نقلاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله: إن حديث آل محمد صعب مستصعب، لا يؤمن به إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان. فاقبلوا من حديث آل محمد ما ألان له قلوبكم وعرفتموه، وما نفرت منه قلوبكم وأنكرتموه فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمد. وإنما الهالك من يُحدث بحديث لا يحتمله فيقول: والله ما كان هذا، والله ما كان هذا، والإنكار هو الكفر.

وفي رواية أخرى في الكافي: «أحمد بن إدريس، عن عمران بن موسى، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ذُكرت التقية يومًا عند علي بن الحسين عليهما السلام، فقال: والله لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، ولقد آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بينهما، فما ظنكم بسائر الخلق؟ إن علم العلماء صعب مستصعب، لا يحتمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان. فقال: وإنما صار سلمان من العلماء لأنه امرؤ منا أهل البيت، فلذلك نسبته إلى العلماء».

قال الإمام الصادق عليه السلام: لما ذُكرت التقية عند علي بن الحسين عليهما السلام، قال: والله لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وآله بينهما، فما ظنكم بسائر الخلق؟ إن علم العلماء صعب مستصعب، لا يحتمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان. ثم قال: إنما صار سلمان من العلماء لأنه من أهل البيت، فلذلك نسبته إلى العلماء.

آیا این نوشته برایتان مفید بود؟

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

منو جستجو پیام روز: آهنگ تصویر غزل تازه‌ها
منو
مفهوم غفلت و بازتعریف آن غفلت، به مثابه پرده‌ای تاریک بر قلب و ذهن انسان، ریشه اصلی کاستی‌های اوست. برخلاف تعریف سنتی که غفلت را به ترک عبادت یا گناه محدود می‌کند، غفلت در معنای اصیل خود، بی‌توجهی به اقتدار الهی و عظمت عالم است. این غفلت، همانند سایه‌ای سنگین، انسان را از درک حقایق غیبی و معرفت الهی محروم می‌سازد.

آهنگ فعلی

آرشیو آهنگ‌ها

آرشیو خالی است.

تصویر فعلی

تصویر فعلی

آرشیو تصاویر

آرشیو خالی است.

غزل

فوتر بهینه‌شده