الفصل الثالث: الاضطرابات المعنوية
الفصل الثالث: الاضطرابات المعنوية
تُعد الاضطرابات المعنوية مفهومًا يتقاطع مع الصحة النفسية والروحية، إذ تشير إلى تأثيرات العوامل غير المادية والمتجاوزة للنفس والجسد على الصحة البدنية والنفسية للإنسان. وتتناول هذه الاضطرابات العلاقة الواقعية بين ظواهر معنوية متجاوزة للنفس والجسد، خارجة عن الإنسان، مثل اسم الرب، وبين جسده ونفسه، وتدرس هذه العلاقات بعمق.
لكل فرد اسم حقيقي وتكويني يعبر عن هويته وتشخصه وماهيته الحقيقية، ويتناسب مع طباعه وأحكامه وحياته الفريدة. وتُعرف الظواهر المعنوية الفرد بهذا الاسم والعنوان.
يُؤكد الباحثون أن نسبة كبيرة من الأمراض الشائعة هي اضطرابات نفسية-جسدية، أي أمراض تنبع من أصول عصبية أو فكرية أو نفسية أو باطنية، ولا تُجدي معها الأدوية الكيميائية المخصصة لعلاج الجسد نفعًا.
قد يكون سبب الاضطرابات النفسية-جسدية داخليًا، وهو ما يُناقش في مجال علم النفس، أو خارجيًا، متعلقًا بظواهر خارجية وحقائق وقوى ماورائية ومعنوية لا تُرى بالعين أو تُدرك بالأدوات الصناعية، مثل تأثير اسم الرب، أو الجن، أو العين، وغيرها من الظواهر الواقعية المجهولة التي يمكن تسميتها بالمعنوية-جسدية.
هذه الأمراض والاضطرابات المعنوية لا يستطيع الطبيب تشخيصها، ولا تقع ضمن اختصاص أو علاج علماء النفس أو الأطباء النفسيين. فالاضطرابات المعنوية تنشأ من عوامل خارج الجسد، وهي انعكاس لظاهرة معنوية لا تستطيع علوم الطب أو علم النفس أو الطب النفسي أو العلاج النفسي التعامل معها، بل إن علاجها يقع ضمن اختصاص المتخصص المعنوي ذي القوة.
يمكن أن تكون الاضطرابات ناتجة عن الجسد وخلاياه، أو عن سوء أداء الدماغ أو القلب الجسدي، أو عن قوة الظواهر المعنوية، أو عن التدبير الإلهي وتأثير اسم الرب.
أنواع الاضطرابات المعنوية
تشمل الظواهر المعنوية كيانات مثل الملائكة، الجن، الشياطين الأشرار، الأموات، السحر، الطلسمات، الأذكار، الأوراد، الدعاء، الصلاة، النذور، أو اسم الرب. ومن أمثلة الاضطرابات المعنوية بعض حالات الأرق، الاستيقاظ المفاجئ من النوم، القلق، التوتر، ضعف الأعصاب، الغضب، التشتت، الضغوط، الخوف، الهم، الوساوس، أو بعض أنواع النسيان مثل الزهايمر، أو فقدان الارتباط بالمعلومات السابقة، فضلاً عن الذهان، الهذيان، الوهم، الوسواس، أو سوء الظن. هذه الاضطرابات ذات أصل معنوي، ولا تُجدي معها الوقاية أو العلاجات الطبية التقليدية وأدوية الأعصاب والنفس نفعًا.
الوساوس والتأثيرات الشيطانية
يروي القرآن الكريم نموذجًا لهذه الاضطرابات الخارجية في قوله تعالى:
﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ﴾
(المؤمنون: 97).
أي: وقل يا رب، أعوذ بك من وساوس الشياطين. تشير الآية الشريفة إلى العامل المعنوي المتمثل في الشياطين وهمزاتهم، وهي قدرتهم على التغرير بالإنسان وإغوائه عبر الوساوس الخفية، التحريضات السرية، والنفث الذي يدفع الإنسان إلى اتباع الانحرافات والخطوات الشيطانية، أي إلى ما هو غير مناسب لحياته، وإلى الشرور.
الالتجاء إلى الله، خاصة بذكر «بسم الله الرحمن الرحيم»، يُعد حصنًا وحرزًا من أذى الظواهر المعنوية، ويطردها كما يُزيل النسيم. وقد أشار الدين إلى طرق علاجية لبعض الأمراض والاضطرابات التي لم تصل إليها العلوم والتجارب بعد، ولم تكن ضمن نطاق العلم حتى الآن.
تستند الآية الشريفة إلى أن بعض الاضطرابات التي تصيب نظام الوعي وأداء الدماغ تنجم عن إغواء الشيطان أو مسه أو قرينته. وعلاج هذه الحالات يكمن في طرد الشيطان القرين. فالقرين الشيطاني هو نفوذ الشيطان في روح الإنسان، وسيطرته عليه، وجرّه إلى الحيرة الفكرية، والسادية، والعنف في السلوك والتصرفات.
يمكن للشياطين والجن، مثل ديدان الأمعاء التي تعشش في الأمعاء، أن تتغلغل في معدة وأمعاء الأشخاص المتورطين في المعاصي والخيانات، فتُمرضهم، تُفسدهم، تُصيبهم بالإمساك، أو تتدخل في شؤون حياتهم، فتُعكرها وتُربكها.
تنبع الإصابة بالشياطين من ضيق الباطن، التضييق، الانغلاق، ضعف الباطن، تلوثه، الخيانة، الظلم، المعصية، القاذورات السابقة، التعدي غير المشروع على فضاء الجن، أو عدم القدرة على التعايش معهم، مما يُتيح للعامل المعنوي الدفاع عن نفسه وإلحاق الأذى بالفرد. لكن إذا كان الفرد مزودًا بالعلم الحقيقي والجمال، أو يتمتع بالقرب المعنوي والأدب الحق، أو كان من المحبوبين، فإن العوامل المعنوية مثل الجن تجده ممتعًا ومبهجًا، فتخدمه وتطوف حوله، ولا تُؤذيه أبدًا، خاصة أن هذه العوامل المعنوية لا تملك مستوى المعرفة والجمال الذي يتمتع به الإنسان الراقي. فالأفراد ذوو العقول السليمة يستطيعون التركيز بدقة عالية على أعقد الموضوعات.
على العكس، الأفراد الملوثون بالمعاصي، الظلم، والخيانة، أو الذين يستهلكون رزق الآخرين بغير حق، أو الذين يعانون من رائحة العرق أو القذارة، يُشكلون طعامًا شهيًا للشياطين، فيتأثرون بقرينتهم وتدخلهم، مما يؤدي إلى تراجع أداء دماغهم، وضعف حالتهم المعرفية، وتدهور صحتهم المعنوية.
رائحة العرق والقذارة في الشعر تُعد بالنسبة للشياطين كالعظم للكلب، قابلة للاستهلاك. والجسد الذي يفتقر إلى الأذكار الحامية والاختيارات الراقية يُصبح كإسطبل للشياطين.
في المقابل، تربية الديك، استهلاك الزيتون، التين، الزعفران، والعسل، واستخدام الحناء للزينة (حتى لو كانت للقدمين)، وغسل الرأس بالسدر ذي الخصائص المطهرة والمضادة للميكروبات، كلها مواد تُزعج الشياطين وتُعزز صحة الفرد وحمايته، وتُبعد هذه الكيانات عنه.
النافثون المعنويون
في مثال آخر، تشير الآية الكريمة إلى النافثين المعنويين الذين يمكنهم، عبر إلهامات إلهية أو خلق رؤى في خيال الإنسان، أن يكونوا مُنيرين، مُحفزين، مُرشدين، أو مُنذرين من خلال الباطن. يقول الله تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾
(فصلت: 30).
أي: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، تنزل عليهم الملائكة قائلة: لا تخافوا ولا تحزنوا، وأبشروا بالجنة التي كُنتم تُوعدون.
بناءً على هاتين الآيتين، يوجد في عالم النشأة الدنيوية مدبرون وموكلون وحافظون كُثر للظواهر الدنيوية، أبرزهم الملائكة الإلهية كقوى حامية ماورائية. وفي المقابل، توجد قوى تسعى لإيذاء الإنسان، مثل الشياطين، التي تُغري النفس والعقل، وتدفع الإنسان إلى الضعف، العجز، ارتكاب الأفعال الضارة، التكرار المرضي، والوسواس. في مثل هذه الأزمات الكبيرة، أفضل وسيلة لجذب القوى الحامية وطرد القوى المؤذية، داخلية كانت أم خارجية، هي استخدام الوسائل المعنوية، الابتعاد عن المعصية، ذكر الله، والتوجه إليه.
يعلم المعالج المعنوي جيدًا أن العامل المعنوي يمكن أن يمنح الإنسان الفرح، الأمل، شجاعة مهيبة، صلابة، وعيًا، علمًا، ومعرفة، أو يُحرك فيه الحزن، اليأس، الخوف من المستقبل، الوهم، الضغط، والتوتر، فيسيطر عليه.
الكون مملوء بالطاقات، القوى، والترددات المُنيرة، والمربين المعنويين. وللاستفادة الصحية منها، يجب إزالة العوائق التي تمنع استقبال الطاقات والمعارف، وتنقية الفساد الباطني، وإبقاء الباطن نشطًا. حتى إن الفقه العلمي والمعرفي لا يُدرك إلا بمساعدة المربين السماويين وتعليمهم. فالاعتماد على الكتب وحدها، دون الارتباط بالمربين السماويين، لا يكفي لتحقيق الفقه. بل ينبغي أن يكون لكل اسم إلهي، كالحي أو القيوم، مربٍ إلهي، وأن يتحقق التخلق به للوصول إلى المعرفة.
تأثير الأذكار على العوامل المعنوية قوي لدرجة أنه يمكن، على سبيل المثال، تسخير الملائكة أو استدعائها عبر الذكر، وكذلك الجن، الذين يمكن توظيفهم لتحقيق أهداف مثل جمع المعلومات أو تنفيذ أعمال قوية.
أمراض مثل الأرق، الاكتئاب، والربو قد تتشابك خطأً مع التوتر والضغط النفسي. فقد يكون التوتر والضغط النفسي ناتجًا عن عوامل معنوية، وليس فقط عوامل نفسية-جسدية أو جسدية. على سبيل المثال، الشخص الملوث بالظلم والجور يُصاب بالتشتت والاضطراب من جهة اسم ربه، فلا تكون أعماله عقلانية أو منظمة، بل تثير استنكار العقل، الفوضى، العقم، والدمار.
في حالة أخرى، قد يُعجب جن بامرأة بشرية، فيتغلغل فيها، يُؤذيها، يُحرضها على أوهام، خوف، اضطرابات عقلية، أو يتسلل إلى جسدها، فيُصيبها بأمراض هضمية.
تُعطى الشياطين والعوامل المعنوية الشريرة إذنًا لتصبح قرينة لمن يرتكب المعاصي، يخون، يكذب، أو يتعمد استهلاك النجاسات والقاذورات ليكتسب قوة نفسية من طاقتها. مثل هذا الشخص يُصاب باضطرابات نفسية ناتجة عن معاشرته لهذه العوامل واستضافته لها. وهذه الاضطرابات لا تنبع من النظام العصبي أو النفسي-الجسدي الداخلي.
في المقابل، يمكن للإنسان، عبر نظافة النوم، تحسين جودة النوم، والحفاظ على يقظة نقية مفعمة بالصفاء، أن يصبح مضيفًا للملائكة النازلة أو مستضيفًا للطاقات المجردة، فيستفيد من معارفها وقدراتها.
الجن، كأول العوامل المعنوية المعروفة، يخضعون لسيطرة الملائكة وتدبيرها، ولا يُسمح لأي جن بالتمرد أو مخالفة قوانين الكون والإضرار بالبشر، إلا إذا سعى الإنسان لتسخيرهم أو إيذائهم لأغراض نفسية ملوثة، أو لجأ إلى الخداع، الخيانة، أو الكذب. في هذه الحالة، يُسمح لهم باستخدام همزاتهم ونافثاتهم، التي أقلها الوسوسة والنفث، عبر النفخ في الأذن، إثارة الوساوس الفكرية والعملية، القلق، الخوف، التوتر، والضغط، مما يُعطل أداء الدماغ، القدرة على الانتصاب، أو الرغبة الجنسية للمتجاوز، ويُحرضه على الأوهام والضعف. وإذا حدثت ولادة خلال هذه الفترة من الهيمنة، فقد يُصاب الطفل باضطرابات في أداء الدماغ وبطء الذهن.
عالم النشأة الدنيوية هو عالم التصادم والتناقض، ويتطلب امتلاك درع حماية، قوة حراسة، ونظام حماية ذاتية. يستطيع الإنسان أن يتعايش مع شياطين البشر دون أذى إذا كان مستغرقًا في حضور الله، وقادرًا على التحلي بالنعومة والحاجة في تعامله. وإلا فإن السعي وراء هذه الأمور بدافع الهوى خطر. فإذا أُصيب الإنسان بمس أو لمس الشيطان أو نفوذه الخفي، فلن يكون بمأمن من الاضطرابات النفسية، ضعف اليقظة، كثرة الأخطاء، النسيان، وتشتت الانتباه.
يمكن أن تكون الاضطرابات ناتجة عن الجسد، خلاياه، سوء أداء الدماغ أو القلب الجسدي، قوة الظواهر المعنوية، أو التدبير الإلهي لاسم الرب.
الشخص الذي يفتقر إلى الإيمان بالله كعامل معنوي يكون فارغًا، ضعيفًا، وفارغًا حتى في محتوى عقله وأداء دماغه. مثل هذا الشخص، الذي لا يمتلك نظامًا معنويًا للحماية الذاتية، لا يُصاب بالأذى من الظواهر المعنوية السلبية فحسب، بل حتى من الظواهر المعنوية الإيجابية والخيّرة. فإذا حصل على عناية معرفية أو وحي نازل، فإنه يُسيء استخدامها بأوهامه وسوء ظنه. أما الإيمان بالله وذكره فيمنح القوة الباطنية، التركيز، التخلص من التشتت، السير نحو القرب الإلهي، وتنفيذ أحكام الله. وإلا فإن الشخص الذي يعاني من التشتت والكثرة، كالعصافير التي لا تستقر في مكان، لن يحقق نصرًا أو تقدمًا.
يُشبه جسد الإنسان، بحسب قوته وقدرته على الحماية الذاتية، مطارًا للظواهر المعنوية. فكلما كان الجسد والباطن أقوى، كان المطار أوسع وأكثر صلابة، فلا يسمح بهبوط الجن، البختك، أو غيرها من الظواهر المعنوية، بل قد يرفض حتى أرواح الأشخاص الصالحين والمؤمنين، ولا يسمح إلا للشخصيات الرفيعة في المراتب العليا بالاقتراب والتواصل.
يمكن للظواهر غير المرئية والمعنوية أن تتدخل في صحة الإنسان. فأعداد العوالم والظواهر المعنوية كثيرة جدًا، وقد روت مصادر الوحي بعض معارفها.
بعض الجن قد يُسبب مشكلات واضطرابات عبر النفخ والنفث، أي بنقل تلوثه، أو عبر مس الإنسان ولَمْس جسده. على سبيل المثال، الجن الشرير جدًا، إذا وجد شخصًا مناسبًا للنفوذ والتدمير، يهاجمه، ويُفسد ذكره، فيجعله بلا أثر.
الاستغفار، الأذكار الحامية، الاستعانة بالملائكة، والتوجه إلى الله، كلها وسائل فعالة للحماية من هذه القوى المعنوية الشريرة. وقد علّمت سورة الفلق كيفية الاستعاذة والالتجاء إلى الله، فالاستعاذة تجعل الملائكة المرافقة تحمي المستعيذ طالما لم يقع في الغفلة، المعصية، أو الظلم.
كذلك، يمكن للجن أن يعتدي على العرض البشري بشكل ملموس أو خفي، في النوم أو اليقظة، مستخدمًا جسمه المثالي الرقيق للتمتع بالمس واللمس. ويمكن للجن أن يمس الجسد كله في لحظة.
القرين والجفت
أحيانًا، يصبح بعض الأموات، سواء كانوا نورانيين أو ملوثين، قرينًا أو جفتًا لشخص ما، فيُحرضونه على قول كلام أو القيام بأعمال أو رؤية أحلام ليست منه. هؤلاء الأموات يُصبحون قرينًا له، فيسمع منهم ويكرر أقوالهم أو أفعالهم. فهم يُلقون موجاتهم وإشاراتهم على موجات الشخص وإشاراته. وقد يحدث ذلك بالإجبار دون رغبة الشخص، مصحوبًا بانتهاك، حيث لا يريد الشخص قول ذلك الكلام أو فعل تلك الأفعال، لكن القرين أو الجفت يجره إليها. الأموات والأرواح، سواء كانت مظلمة أو نورانية، يمكن أن تؤثر في الأحياء.
بيت الظهورات غير المرئية
قلنا إن من الأمور المرتبطة بتناسق الجسد قدرة الإنسان على التواصل بسلاسة مع الآخرين، وما يجده من راحة أو ثقل وإحباط منهم. وينبغي معرفة أي الظهورات تسكن الباطن والقلب. فكثير من البشر يصبحون، دون وعي، ألعوبة للظواهر غير المرئية، وقد تكون أقوالهم وأفعالهم ليست منهم، بل هي إلقاءات من الظواهر المعنوية.
تتحرك الظواهر المعنوية في الإنسان كنسيم هادئ، فتُحدث احتكاكًا يُولد الفرح، الحزن، الخوف، القلق، القوة، أو غيرها من المشاعر، فتجعل الإنسان حلوًا أو مرًا، نشيطًا أو متعبًا ومُنهكًا. ويمكن لهذه الظواهر أن تمر بأعضاء مثل المعدة، الأمعاء، الدماغ، أو القلب، فتؤثر فيها، تُسبب اضطرابات، أو تُحفز نشاطًا معينًا. وقد تُحب هذه الظواهر الإنسان أو تكرهه، فتُصبح عدوة له، فتُحول حالته الجيدة والصحية إلى حالة سيئة ومريضة.
على أي حال، عالم النشأة الدنيوية مُعقد بأنواع من القوى غير المرئية القادرة على النفاذ في جسد الإنسان ونفسه. والحياة في مثل هذا العالم المحفوف بالمخاطر تتطلب امتلاك أغذية، دروع، حرز، وحصون معنوية وإلهية لا تُخترق. فهذا العالم مليء بالشرور والحوادث، والغفلة عن الأمور المعنوية، مثل ذكر الله والتوجه إليه، قد تُصيب الإنسان بمشكلات معنوية كثيرة.
يمكن أن تكون الأغذية، الأدوية، والعلاجات نورانية وإلهية، فتُعطي الإنسان حرارة وقوة معنوية. وإذا قال الله تعالى:
﴿وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَٰهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَٰبَنِىَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾
(البقرة: 132).
أي: وأوصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب، يا بني إن الله اصطفى لكم الدين، فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
الإنسان الذي لا يعرف متى وأين سيموت، عليه، ليموت مسلمًا، ألا يكتفي بممارسة الإسلام باستمرار، بل أن يُنمي جوهر الإسلام ومادته، وهي السلم، التوافق، العشق، والولاية، في أعماقه، وأن يجعل الإسلام اختيارًا إراديًا، لا عادة أو واجبًا مفروضًا. مثل هذا الشخص يموت بإرادته مسلمًا، ويطلب عزرائيل إذنًا منه لقبض روحه. بينما تُقبض أرواح من لا يملكون إسلامًا إراديًا دون تشريفات، كمن يقتل الحشرات برذاذ مبيد.
كثير من البشر، بعد الموت، لا يحتفظون بهيئة بشرية، بل يأخذون شكل حيوان أو حشرة. فالإنسان، كما يخلع ثيابه، يترك جسده المادي عند الموت، فتتلاشى تعيّناته الظاهرية، ويظهر جسده الباطني الذي يعكس هويته، وقد يتجلى بهيئة حيوان أو حشرة.
أولياء الله والإنسان الإلهي والمعنوي يموتون بمعرفة، وعي، وإرادة. فالولي ينظر إلى روحه ونفسه وباطنه، ويرى أي دور أو حكم إلهي يمكنه تنفيذه، ويموت بحكم إلهي معين. أولياء الله يعرفون كل ذرة مادية، مجردة، وفوق مجردة فيهم، ويعلمون متى يموتون بإرادتهم، بل إنهم متصلون بإرادة إلهية كلية، حقيقية، وقدسية، وباطنهم مزهر بالكامل، فيتمتعون بالعلوم اللدنية، الولاية، أسماء الله الحسنى، علم الغيب، الاستخارة، والتأويل. من يملك هذه الإرادة يحقق بذكر واحد أثر ختم القرآن، وبصلاة ركعتين طاقة آلاف الركعات، ويتمتع بالتمكين والمعارف الإلهية بعشق نقي ووحدة خالصة من الطمع. هذه الإرادة قد تتلقى في لحظات دنيوية نزولات من العوالي الربانية، فترتقي بالأفراد العاديين، كما أن الله قد يريد نزولاً دنيويًا خاصًا، فتنتقل النشأة الدنيوية إلى صفاء رباني، رحمة، وشفقة عامة، وتقل الحروب والفوضى والتدمير. وفي أحيان أخرى، تنزل أشد الأسماء الجلالية.
يذهب عزرائيل لقبض أرواح المؤمنين الذين يعرفون باطنهم فقط. أما غيرهم من المؤمنين، فتقبض أرواحهم ناشرات عزرائيل. فالملائكة الإلهية لها تكاثر انتشاري، وتنبثق منها ناشرات تُكمل عملها.
تسخير الظهورات العليا
في طريق الكمال والقوة، يمكن الاستعانة بالظهورات العليا وحتى تسخير الجن أو الملائكة في هذا العالم الدنيوي، والوصول إلى هذه القوة من بين ثنايا المادة. والقوى الباطنية يمكن أن تعمل مباشرة دون الحاجة إلى أسباب. المهم ألا تُبنى القوة على الإرادة الذاتية، بل على قوة الله، رحمته، وعنايته. فالقوى الربانية تعتمد على صفاء الباطن وطهارة النفس. لذا، فإن الحقد وسائر الرذائل هي أسوأ العوائق وأكثرها سمية، إذ تُصيب الإنسان بالضعف، الوهن، والفراغ. فيتحول الإنسان إما إلى شخصية جافة، قاسية، عنيفة، مستبدة، متكبرة، وأنانية، لا تجذبها العقيدة بالله ولقائه، بل تسعى للسيطرة وإخضاع الآخرين لتحقيق أهداف دنيوية، فتُرهق نفسها، أو يتجه إلى الباطن والملكوت، الرحمة، الصدق، العشق، الولاية، اللقاء، والمعرفة، فيُعلى من قيمة المحتوى المعنوي.
أركان القوة الباطنية
الصلاة (العبادة)، الحاجة (الاقتصاد)، والنعومة (المحبة والعشق) هي الأركان الثلاثة الرئيسية للقوة.
في النعومة، يجب إتاحة الحرية لجميع القراءات العلمية والاجتهادات، والابتعاد عن الاستبداد والقوة.
فترة الطفولة والشباب حتى سن الثلاثين، إذا كانت حرة، تُعد حاسمة للوصول إلى الباطن والقوة الباطنية، لأن الفرد يكون أخف وأنشط. وبعد ذلك، يُصاب بالثقل والبطء. والطمع يُثقل الإنسان ويجعله راجلاً.
مراعاة هذه الأمور تمنح الفرد قوة جهد كلية وعامة، تمكنه من تسخير أي ظاهرة، بل والوصول إلى مشيئة الله، قوته، والسيطرة على الظهور. وعلى النقيض، تجاهل متطلبات الحياة الصحية، واستبدال مسار القوة السليم بالقهر، الظلم، العنف، التكبر، والطمع، يُصيب الإنسان بالهلاك والحرمان الأبدي.
أساس القوة
كل فرد أو مجتمع يستطيع تحويل قوة الظهور إلى قوة، ويمزج القوة بالحكمة لتجنب الظلم، الفساد، القوة، أو العنف، ويجد الإنسان الإلهي الحي، سيتمتع بحياة صحية، تلبية الحاجات، صلاة، نعومة قوية، وسعادة أخروية مستحقة، وسيدرك كل إنسان أنه إنسان كامل. فالصلاة، الحاجة، والنعومة تناسب من لديه جذور قوية. وأساس القوة هو العلم والمعرفة. والمعرفة هي بنية الإخلاص.
يمكن إبعاد العوامل المعنوية عن التسبب في الاضطراب بالمحبة، التبرير، القوة، أو الخداع. على سبيل المثال، إذا كان عامل الوسوسة والاضطراب الوهمي أو الذهاني ظاهرة معنوية، يمكن إبعاده بالخداع أو بالعذاب المعنوي.
علم النفس والطب النفسي التقليدي لا يتناول الاضطرابات المعنوية أو الأدوية الروحية، لذا فهو يفتقر إلى برنامج علاجي شامل ومنهج كلي، ويخلط أحيانًا بين الاضطرابات المعنوية والنفسية-جسدية، فتفشل طرق وأدوية العلاج في التأثير على هذه الاضطرابات، مما يُرهق المريض وأهله.
القرآن الكريم والروايات الصحيحة بمثابة صيدلية عظيمة تحتوي على أدوية متنوعة، من أذكار، أوراد، وطلسمات، لعلاج الاضطرابات المعنوية. لكن للأسف، هذه الصيدلية المعنوية تفتقر إلى طبيب ماهر ومعالج معنوي متمرس ومتخصص في الاضطرابات الناتجة عن العوامل الخارجية.
ترتيب وتسلسل العلاج في نظام الحماية الذاتية
يشمل العلاج طرقًا متنوعة، منها الطريقة الدوائية. وتخضع هذه الطرق في نظام الحماية الذاتية لترتيب وتسلسل. فعلى سبيل المثال، في الطريقة الدوائية، يُقال إن الأدوية تنقسم إلى نوعين رئيسيين:
- الأدوية التقليدية للحماية الذاتية والطب.
- الأدوية المعنوية (الروحية والقدسية).
كثير من الأمراض، خاصة الاضطرابات النفسية-جسدية، لها أصول نفسية، عاطفية، أو معنوية، ولا تُشفى بالعلاجات الدوائية التقليدية. فهذه الاضطرابات، التي تنشأ من عوامل داخلية مثل التوتر أو خارجية مثل الضغوط الاجتماعية أو العوامل الروحية والماورائية، تحتاج إلى مناهج نفسية وأحيانًا روحية.
استخدام هذين النوعين من الأدوية (التقليدية والمعنوية) يخضع لترتيب وتسلسل وتتابع. فطالما أن العلاج بالأدوية التقليدية ممكن، لا يُلجأ إلى الأدوية المعنوية والروحية، خاصة أن وصفها بشكل غير صحيح قد يكون ضارًا. مثال ذلك علاج اضطراب القلق الذي يظهر فيه خوف من الزحام أو الأماكن المزدحمة أو التجمعات. قد يكون هذا الخوف ناتجًا عن رهاب الساحة، أو دورات طاقة ذات كثافة وحرارة وجفاف عاليين، أو إحساس قوي بالأمور المعنوية. لكن إذا أمكن علاج جميع هذه الأسباب بطرق فعالة لرهاب الساحة باستخدام الأدوية النفسية، فلا حاجة لاستخدام الطرق المعنوية، حتى لو كان الفرد ذا طابع معنوي.
الأفراد الذين يعانون من الجفاف والحرارة في أجسادهم أكثر عرضة للقلق. ويمكن لهؤلاء إدارة القلق عبر استهلاك الخضروات، الفواكه، ولحم الشيشك الذكر، التي تُوازن سوائل الجسد وتُبعد ظروف ظهور أعراض القلق. فهذا اللحم ذو جودة عالية ومن الأطعمة اللذيذة.
وصف الأدوية المعنوية بشكل غير صحيح، بدلاً من العلاج، يُسبب مشكلات واضطرابات نفسية، نفسية-جسدية، وجسدية. فالأدوية المعنوية لها نظام دقيق وحكيم، فإذا لم تُراعَ شروط وموقع استخدامها، مثل صحة الجسد وتوازنه، الذي يتحقق غالبًا بالتوفيق الإلهي وتأمين الأمان، فلن تكون بلا نتيجة فحسب، بل ستُسبب أضرارًا جسدية، أوهامًا، وتخيلات مُرهقة، وربما تؤدي إلى فقدان الإيمان والاعتقاد. وإذا كانت هذه الأدوية مستندة إلى مصادر دينية، فقد تُثير النفور أو العداء للدين.
التغذية المعنوية للجسد
لا يمكن للإنسان أن يكون سعيدًا إلا إذا كان جسده ونفسه خاليين من الأذى، الألم، المرض، والاضطراب، وفي حالة صحية جيدة. وإلى جانب التنفس السليم، والحفاظ على نظافة النوم، وممارسة الرياضة والحركة البدنية، يحتاج الإنسان إلى التغذية بالأطعمة المادية والمعنوية، وإلى المعارف العقلانية والحكمية. وقد أظهرت الدراسات العلمية أن الأنشطة الروحية، مثل الحوار مع الله، يمكن أن تُساعد في تنظيم المشاعر وتقليل أعراض الاكتئاب والقلق. كما أن الظواهر المعنوية، مثل ذكر الله أو الارتباط العاطفي بالآخرين، يمكن أن تؤثر إيجابًا على الصحة النفسية والبدنية.
الإنسان المحروم من التغذية المعنوية قد يُصاب بالاكتئاب، القلق، الوساوس المفرطة التي يفتقر فيها إلى الثقة بالنفس، التشدد غير المبرر، العنف، العدوانية، والميل إلى العزلة والوحدة. فالإنسان يرتبط بأطعمته، يتحد معها، بل يصل إلى درجة الوحدة معها. والأطعمة المعنوية تتسم بالسرعة في الاتحاد مع الباطن، فتُمتص في لحظة، وتُنظم الباطن وتُعطيه مراتب. لذا، من المهم جدًا أن تكون الأطعمة المعنوية صحيحة وسليمة. فهوية باطن الإنسان تتشكل من تميز ما يتلقاه. ومن الأمور المعنوية الأفعال، الأسماء، والصفات الإلهية التي يمكن أن يتغذى بها الفرد.
بعض الأمور المعنوية، وخاصة الحب والنجاح، تُعد تغذية معنوية ضرورية للجسد، إذ تُسهم في تحقيق النشاط، البهجة، الأمل، والحيوية، وتُنظم الشهية، الإشباع، وإرضاء الجسد. والحرمان منها يُفقد الجسد النشاط والبهجة العامة والإشباع، فيُصاب الفرد بضعف الأعصاب، أنواع الوساوس، الرعشة، شيب الشعر المبكر، شحوب البشرة، الشيخوخة المبكرة للجلد، عدم الاستمتاع بالحياة، الإرهاق، الجوع، والشهية الكاذبة. وقد أكدت الدراسات أن الحرمان من التغذية المعنوية يمكن أن يؤدي إلى ضعف نفسي، اكتئاب، وانخفاض الدافعية.
العامل المعنوي للفقر
الفقر السلوكي يمكن أن يكون علاجيًا وبناءً، إذ يُعد الفقر دواءً فعالًا للتكبر، التعالي، الاستغناء الكاذب، والتباهي بالمال، فيمنح الفرد التواضع والخشوع. لكن الفقر السيئ، غير الإرادي والشديد، إذا لم يكن بناءً أو سلوكيًا، يُضعف شهية الفرد، ويُشعره بالإشباع الكاذب، فيشعر بالشبع بأقل كمية من الطعام، ولا يستطيع أن يكون ذواقًا. وقد يؤدي هذا الفقر إلى انخفاض الثقة بالنفس، القلق، والاكتئاب، كما يُضعف بصر العين، ويُفقد الفرد القوة والصلابة.
وجه الفقير يفتقر إلى الشفافية، ويظهر عليه الضعف وانعدام الحيوية. فالفقير أو المُصاب بالإفلاس يمشي بخطوات واسعة ومتراخية. بينما الأشخاص الذين يملكون احتياطيات من الذهب أو الدولار يمشون بخطوات واثقة وقوية، خاصة إذا حل يقينهم بالمال محل ثقتهم بالله.
قد ينظر الفقير بحسرة، بغض، وحقد إلى ممتلكات أو أطعمة الآخرين، وإذا اقترنت هذه النظرة بهوى عطش، فقد تُسبب أضرارًا خطيرة تصل إلى إلحاق الأذى بالمال أو صاحبه. والفقير الذي يُصاب بالحسرة، البغض، والتلوث، حتى لو أصبح ميسورًا، تزداد شهواته، عطشه، ميوله المتناثرة، وعدم إشباعه.
يؤثر الفقر على النظام الإدراكي، فيتخذ الفقير قرارات خاطئة وغير صحيحة، تجعله أضعف وأفقر. وبما أن الفقير لم ينشأ على مائدة وفيرة توفر الإشباع، وكان يأكل ما يحصل عليه بجهد وتعب، فإن أداء دماغه يتباطأ. فالفقير يفتقر إلى النشاط، الحياة، والطاقة.
حتى في الحيوانات، على سبيل المثال، الخروف النحيف وقليل التغذية لا يُنتج لحمًا يمنح الفرد النشاط، القوة، والجاذبية، ولا يكون مغذيًا. لكن استهلاك الحب والنجاح يمنح الفرد إشباعًا حقيقيًا، فيقل اعتماده على الأطعمة الحجمية والصلبة مثل الخبز، الأرز، واللحم. والحيوان الذي عاش في بيئة الكذب والمعصية يختلف عن آخر عاش في بيئة الأعمال الصالحة والمداعبة. فالحيوان يتغذى من سلوك وطباع الإنسان، وتتأثر منتجاته وروحه بذلك، حتى إن الحيوان المرتبط بشخص مخادع وماكر يُصبح خداعًا.
نظام الكون مشترك، وكل شيء يأخذ لونًا وطعمًا من الآخر. كل لقمة طعام هي نتاج عمل العالم والإنسان، واستهلاكها يمكن أن يمنح الفرد حبًا شاملاً ورحمة عامة. فالمحبة، الرحمة، مساعدة الآخرين، والحب يمكن أن يُشبع الفرد، يرفعه، ويوسع آفاقه. والحب الناجح يمنح الفرد الجمال وتناسق القوام. وسأتحدث لاحقًا عن الحب وعن استهلاك عناية الله والإيمان به.
إذا كانت التغذية بالجزر والكركم تؤثر على لون الوجه والبشرة، فكيف يمكن لشخص يتغذى من الله ومن سر أحديته السارية، ويأخذ من الحق طاقة وحرارة، ألا يكون وجهه متورّدًا، وملامحه متألقة من هذا الشراب الإلهي الطاهر، فيصبح وجهه مشرقًا، جذابًا، ذا سلطان رحماني، وقوة حقيقية متميزة؟
استهلاك الطاقات الرقيقة والمعنوية
استهلاك الطاقات الرقيقة والمعنوية، وخاصة التغذي بالتغذية الربانية المتجاوزة، يمكن أن يُوصل الفرد أو نسله إلى قدرات استثنائية مثل النبوغ أو التوفيق لتلقي معارف محبوبة. مثل هذا الشخص، بمجرد النوم دون جهد، عبادة، أو رياضة، يحظى بفهم غير تقليدي، بأفكار رائدة، متميزة، تتجاوز أقرانه العقليين، ويعيش في أجواء المستقبل البعيد وتطوير آفاقه.
التطور السريع، المتسارع، قصير الأمد، الذي يتطلب طاقة وجهدًا قليلين، يكون أكثر قوة عند الوصول إلى هذه الطاقات الرقيقة والمعنوية.
تتأثر هوية الإنسان وشخصيته بالطعام الذي يتناوله، فكل شخص يصبح صورة ووجهًا لما يستهلكه، كما أن ما يُستهلك يكتسب هوية ووجهًا إنسانيًا. فلا يمكن لمن يستهلك الله ألا يكتسب وجهًا ربانيًا جذابًا.
الخوف والقلق
من الأمثلة المعنوية الأخرى الخوف، القلق، والتوتر. فمن لا يمتلك استعاذة أو حرزًا قد يُصاب بالرعب، القلق، الأوهام، الوساوس الفكرية والعملية، ويفقد حياة هادئة وصحية. وهذا يتماشى مع النتائج العلمية التي تُظهر أن الممارسات الروحية يمكن أن تُقلل من مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر).
ضعف الإيمان بالله، كعامل معنوي، يُصيب الفرد بالوهن، الضعف، التراجع، والتوقف، وقد يجعله عرضة لنفوذ الجن وتدخلاتهم. لكن الإنسان المتمتع بالحماية الذاتية، الذي يكتسب من الأمور المعنوية الحق قوة وصلابة، يستطيع منع اختراق العوامل المسببة للأمراض والاضطرابات، فيصبح كالعسل بصلابته غير قابل للنفاذ.
بعض الرعب، الخوف، الغرور، التكبر، الأوهام، والاضطرابات النفسية تنشأ لأن الفرد لا يستهلك الاستعاذة، الحروز الموثوقة والمؤكدة دينيًا، أو الأمور المعنوية الحامية والمقوية ذات القوة الدفاعية. فالله قد يُخرج شخصًا من حمايته ويُصيبه بالأذى بأن يجعله مغرورًا. والشخص الذي لا يخاف يترك بابه مفتوحًا دائمًا، وهو رجل بمعنى الكلمة، كما أن مائدة لطف، رحمة، وكرم الشجعان لا تُطوى أبدًا.
في غياب الحرز، الاستعاذة، واستهلاك الأمور الإلهية، يمكن تعطيل بعض أداءات وأنشطة الفرد أو تحريفها بالسحر والطلسم. والشخص المربوط بالطلسم يصعب فك طلسه، خاصة بالنسبة للآخرين، إلا أن أولياء الله يستطيعون إبطال أي سحر بنظرة واحدة. فتسحير الأولياء والأنبياء الإلهيين مستحيل، لكن حتى المؤمنين يمكن تحريفهم أو إمراضهم بالسحر.
الابتعاد عن التغذية المعنوية المناسبة، مثل الظلم، يمكن أن يُحدث أعراضًا حادة لتغير المزاج في الجسد. فكما أن من يحرم من الأطعمة اللحمية لمدة شهرين أو يتعرض لظلم متعمد ومتكرر واعي، تظهر عليه أعراض حادة للتوحش، تغير المزاج، والعنف في السلوك، فإن الحرمان من الأذكار، العبادات، التغذية الروحية، أو استهلاك الأمور المعنوية بشكل غير صحيح يمكن أن يُسبب أعراضًا حادة للتوحش مثل العدوانية، فقدان السيطرة، والاضطرابات المعنوية كالخوف، القلق، الاكتئاب، اضطراب الشهية، وعدم الإشباع.
يقوم أساس الجسد على الماء، الخبز، الأرز، اللحم، الملح، الهواء النقي، الرياضة المعتدلة (التمارين الخفيفة)، ذكر الله، استهلاك الحق، والإيمان به. إن إزالة أي من هذه العناصر من سلة استهلاك الفرد تُؤدي إلى انهيار الأساس الطبيعي للجسد وتحوله إلى وحشية. فإذا لم تُلبَ هذه الاحتياجات، يصبح الفرد عدوانيًا، عصبيًا، ومُصابًا بالاضطرابات.
نظام الحماية الذاتية يتميز بتنوع غذائي، وتنوع في العبادات، الطقوس، والتغذية المعنوية، لتلبية احتياجات جميع الفئات البدنية والنفسية. لذا، ليس كل طقس، عبادة، ذكر، أو دعاء مناسبًا للجميع، إلا في حالات محدودة وقليلة تم التصريح بعموميتها. وإلا فإن الاستهلاك العشوائي لهذه الأمور يؤدي إلى ركود العقل، النفس، والجسد.
استهلاك بعض الطقوس أو الأذكار في وقت واحد، مثل استنشاق زهرة دوار الشمس وزهرة الحمراء الثابتة معًا، يؤثر على انخفاض السمع وتدهوره. بينما مزيج صحيح من الزهور واستهلاكها المستمر يمنح الإنسان الهدوء والطمأنينة.
الإيمان والحماية الذاتية المعنوية
يُعزز الإيمان بالله والحماية الذاتية المعنوية التركيز، الإرادة، والصحة النفسية، ويمنع التشتت العقلي والسلوكي. ويتماشى ذلك مع نظريات علم النفس، مثل نظرية التحديد الذاتي (SDT) التي طُورت بواسطة رايان وديسي (2000)، والتي تُؤكد أن الصحة النفسية والرفاهية تعتمدان على تلبية ثلاثة احتياجات نفسية أساسية:
- الاستقلالية (Autonomy): القدرة على اتخاذ القرارات والتصرف بناءً على القيم والاهتمامات الشخصية.
- الكفاءة (Competence): الشعور بالقدرة والنجاح في الأنشطة.
- الارتباط (Relatedness): الشعور بالارتباط الهادف مع الآخرين.
يمكن للإيمان والحماية الذاتية المعنوية أن تكونا مصدرين للدافعية الداخلية وتعزيز الاستقلالية، لأن الفرد يتبع قيمه ومعتقداته الروحية. وتُساهم متابعة القيم الداخلية، مثل الروحانية والإيمان، في تعزيز الصحة النفسية.