الفصل الثامن: التمارين والرياضة البدنية
الفصل الثامن: التمارين والرياضة البدنية
في علم النفس، يُولَى اهتمام كامل لبنية النفس والجسد. فالروح، والقلب، والنفس، والعقل، كالعواطف والضمير، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجسد. تؤكد علوم النفس والأعصاب أن صحة الجسد والنفس مترابطتان. فصحة الجسد، من خلال التغذية والرياضة، تؤثر على أداء الدماغ والنفس. وهذا المفهوم يتسق مع النظريات النفسية الجسدية. إن الأحشاء، أي باطن الإنسان، ترتبط ارتباطاً مباشراً بالجوارح ومظهر الجسد. فالحشى هو باطن الجسد ويشمل ثلاث مراتب رئيسية: الروح، والقلب، والنفس. أما الجارحة فهي الأعضاء الظاهرة مثل الدماغ، والقلب الجسدي، واليد، والرجل، والعين، والأذن، والرئة، والمعدة، والأمعاء، ونظائرها.
فكما أن الفرد إذا توفر له فراش مناسب للنوم، فإنه ينعم بنوم هانئ وصحي، بينما إذا كان الفراش غير صحي أو ملوث، فلن يحظى بنوم مريح، بل سيرى أحلاماً مضطربة؛ كذلك الإنسان إذا تمتع بجسد صحي، فسيكون له باطن متناسق. فمن أراد تقييم أحواله الباطنية، عليه أن يبدأ بجسده، وأن يحافظ على نظافة نومه، وتغذية صحية، واستمرارية التمارين البدنية لزيادة المرونة، وتحسين التوازن، وتخفيف الألم. فالباطن السليم يكمن في الجسد السليم، والجسد السليم يتحقق بالنفس السليمة والمتوازنة.
الأحلام كمؤشر على الصحة
إن الأحلام التي يراها الفرد في نومه تُعدّ مؤشراً لتقييم باطنه وجودة حياته. يمكن أن تعكس الأحلام صحة النفس والجسد. فالتوتر، واضطرابات النوم، أو الأمراض الجسدية مثل انقطاع التنفس أثناء النوم، قد تتسبب في أحلام مضطربة. الفرد الذي يرى أحلاماً مضطربة إما أن يكون مُثقلاً بعمل مرهق، أو مفرطاً في أمر ما، أو مصاباً بمرض جسدي أو اضطراب نفسي، أو متورطاً في استهلاك المحرمات التي تسيطر عليه. فالفرد السليم جسداً وباطناً لا بد أن يرى أحلاماً سعيدة أو مبشرة أو تحذيرية، ولا يكون تائهاً أو مندهشاً في منامه. فمن لا يملك جسداً وباطناً سليمين، حتى لو مارس العبادة والذكر، فلن يجني منهما نفعاً.
أسس الصحة الجسدية
لتحقيق الجسد السليم، هناك حاجة إلى غذاء صحي، ونظافة النوم، والحركات البدنية، والتمارين، والجوانب المعنوية لتشكيل بناء الجسد. وبناء الجسد يمنح النفس السكينة. يعتمد بناء الجسد على أسس مثل التغذية، والنظافة، والطب، والرياضة، والجوانب المعنوية والإلهية المناسبة. إن الرياضة امتداد لعملية التغذية؛ حيث تزيد من التمثيل الغذائي للجسد، وتمنع تراكم السعرات الحرارية.
أهمية الرياضة والتمارين
تُعدّ الرياضة والتمارين المنتظمة المتناسقة عاملاً حاسماً في تحقيق والحفاظ على صحة الجسد، وتسهم في تنشيطه وجعله أكثر حيوية. فكما أن الماء الراكد يصيبه التلوث بالميكروبات، كذلك الجسد الذي يفتقر إلى الحركة والنشاط المنتظم يصاب بالتوقف، والضعف، والمرض. الرياضة المنتظمة مفيدة لصحة القلب، وجهاز المناعة، والنفس، ويمكن أن تساهم في الوقاية من الأمراض مثل السكري والاكتئاب وعلاجها. الرياضة للجسد ليست مجرد دواء، بل هي أفضل الأدوية وأنجع وسيلة علاجية للشفاء من أي مرض إذا مارست بما يتناسب مع ذلك المرض.
إن غياب الرياضة والتمارين والنشاط المستمر، وعدم الالتزام بالنظافة، وسوء التغذية، والنظام الغذائي الضعيف، هي مصادر الأمراض. تُعدّ الرياضة من أفضل السبل لتقوية الإرادة. وقد أشار ابن سينا إلى أهمية العلاج بالحركة والرياضة قائلاً: «ليس كل جزء من الطعام الذي نأكله يؤدي وظيفة غذائية، بل في كل مرحلة من مراحل الهضم، يتحول جزء منه إلى مادة زائدة، وتسعى الطبيعة إلى طردها من الجسد. لكن الطبيعة لا تملك القدرة على إخراج كل المواد الزائدة، فيبقى جزء من الطعام بعد كل هضم في الجسد. وعندما تتزايد هذه المواد وتتراكم، تصبح ضارة بالجسد. لذا، لا مفر من إخراجها جميعاً من الجسد عن طريق الرياضة».
فوائد الرياضة البدنية
تساعد الرياضة، من خلال زيادة التمثيل الغذائي والتعرق، على طرد السموم. فهي تولد حرارة معتدلة في الجسد، تحرق المواد الزائدة يومياً، وتزيلها بانتظام، وتمنع تراكمها وتأثيرها السلبي على الجسد. مع طرد المواد الزائدة، يصبح الجسد أكثر استعداداً لاستقبال الطعام، وتتهيأ الأعضاء لتقبله بكفاءة أكبر. تتولى الدورة الدموية ثلاث مهام رئيسية: نقل الأكسجين إلى الخلايا وثاني أكسيد الكربون الناتج عن التمثيل الغذائي، ونقل المواد الغذائية إلى الخلايا، وطرد السموم والمواد الزائدة الناتجة عن النشاط الحيوي للخلايا. إذا لم تصل الدماء بكفاية إلى عضو ما، فإن نشاطه وحيويته يتعطلان؛ وبنسبة نقص تدفق الدم، يتوقف ذلك العضو عن النمو، والعمل، والمقاومة، والمناعة. حركة الأعضاء تسرّع تدفق الدم، وتحسن التنفس والتغذية. فالحركة والنشاط يزيدان من الحاجة إلى الأكسجين والغذاء، فيزداد تدفق الدم، ويصل المزيد من الأكسجين والغذاء إلى الجسد. لذا، العضو الذي يتحرك قليلاً ونشاطه محدود يصاب بنقص دم نسبي وضعف تدريجي، بينما العضو الذي يتحرك وينشط أكثر يجذب بشكل طبيعي المزيد من الدم، وبالتالي المزيد من الغذاء والأكسجين.
الرياضة غذاء نقي لروح الإنسان؛ فإذا أديت بشكل صحيح، لا تسبب أي تلوث للجسد أو النفس، بل تزيل الشوائب، وتقوي الرئتين، والجهاز الهضمي، والدورة الدموية، وتجعل التنفس والهضم صحيين. تفتح الرياضة مسام الجلد، وتجعل تنفسه أسهل وأكثر صحة، وتمنع تحول الجسد إلى مستنقع مليء بالجلطات المتنوعة أو مستودع من الخلايا الميتة أو الرواسب الصلبة، وتطلق الطاقات السلبية في الجسد. تساعد الرياضة، من خلال زيادة التعرق وتدفق الدم إلى الجلد، على تنظيف المسام وتحسين صحة الجلد. الجلد الذي يحتوي على خلايا ميتة ويفرز دهوناً زائدة، عندما تختلط هذه الخلايا الميتة بالدهون، تسد مسام الجلد وتسبب البثور.
تأثيرات غياب الرياضة
الجسد الذي لا يمارس الرياضة ليس مرناً أو جاهزاً، ولا يتحمل الصدمات أو الضربات. تجلب الرياضة قوة ذهنية وصفاء عقلي، وتتحكم في السعي المفرط غير العقلاني نحو الكمال، والميل إلى الراحة، والكسل، وتديره. الفرد الذي لا يمارس الرياضة ولا ينظف جسده ومعدته وأمعائه يعاني من أحلام وكوابيس مضطربة. مثل هذه الأحلام تعبر عن صلابة الجسد وقلة مرونته، وليس لها تفسير آخر. يمكن للرياضة أن تعالج اضطرابات النوم وتوفر نوماً مريحاً وجيداً. الرياضة المنتظمة تحسن جودة النوم، ويمكن أن تقلل من اضطرابات النوم مثل الأرق، وتحسن الصحة النفسية، مما يساعد على توازن الأحلام.
غياب التمارين والحركات المتناسقة المستمرة التي تولد الحرارة في الجسد وتزيل الخمول والكسل يمكن أن يؤثر على العقم لدى النساء. بالتمارين المنتظمة والمناسبة، يمكن منع العقم والإجهاض لدى النساء الضعيفات. الرياضة المعتدلة يمكن أن تحسن صحة الخصوبة وتقلل من مخاطر الإجهاض. قد يكون تقوس الظهر ناتجاً عن غياب التمارين، مما يسبب مشاكل في العظام، والظهر، والساقين، والرقبة.
من لا يمارس الرياضة أو النشاط البدني ينخفض معدل التمثيل الغذائي لديه. مثل هذا الشخص لا يستطيع تناول حساء اللحم والخبز أو الأرز الغني بالنشا، لأنه لا يقوم بأعمال شاقة تحرق السعرات الحرارية في جسده، ويجب أن يعوض ذلك بالرياضة. الرياضة والحركات البدنية في عصرنا، حيث لا تقوم الأجساد بأعمال شاقة، ضرورة عقلية وعلمية. التمارين والنشاط البدني يؤثران حتى على جودة الصلاة؛ إذ توفر للصلاة أساساً من مرونة الجسد. بنية الصلاة نفسها نشاط رياضي، وتستند الأذكار الخاصة إلى هذا النشاط البدني.
غياب الرياضة يقتل الجسد ويجعله راكداً، والجسد الراكد لا يمكن ألا يصاب بالميكروبات والتلوث والأمراض. سأذكر لاحقاً أن أقل أنواع النشاط البدني الذي يشمل الجسد بأكمله هو التدحرج على الأرض، وهو لا يحتاج إلى نادٍ رياضي، ومتاح للجميع، وخالٍ من التكلفة. وعلى الرغم من أن المشي رياضة مفيدة للجسد، إلا أنه لا يشمل جميع الأعضاء، ولا يمكن أن يكون بديلاً عن التمارين التي تشمل الجسد بأكمله. ومع ذلك، فإن المشي السريع لمدة ثلاثين دقيقة، مع زيادة التمثيل الغذائي، يمكن أن يؤدي إلى تحسين صحة القلب، وزيادة التحمل، وفقدان الوزن.
التمارين المناسبة
يُوصى بممارسة التمارين البدنية، حسب خصائص الأفراد، لمدة تتراوح بين خمس إلى خمس عشرة دقيقة يومياً، أو ثلاث مرات أسبوعياً على الأقل. من بين التمارين المناسبة للجسد ما يلي:
التمرين الأول:
من التمارين الضرورية التدحرج على الأرض مع مد اليدين فوق الرأس بشكل ممتد. هذا التمرين مناسب بشكل خاص للأشخاص الذين يعانون من بطن كبير. التدحرج على البطن والظهر حتى يتعرق الجسد ويصبح رطباً، لعدة أشهر يومياً، يكسر المواد الراكدة والفاسدة في الجسد ويزيلها. على أي حال، التمارين البسيطة مثل الحركات التمددية والدورانية يمكن أن تحسن المرونة، وتدفق الدم، وصحة العضلات.
التمرين الثاني:
تمرين اليدين بفتحهما وإغلاقهما له ارتباط وثيق بالقلب، ويزيد من نبضاته. هذا التمرين يمنع زيادة كثافة الدم وتخثره. بالتزامن مع هذه الحركة، يمكن تحريك كاحلي القدمين للأعلى والأسفل. هذا التمرين يسبب انقباض وانبساط عضلات الساقين ويقويها.
التمرين الثالث:
دوران الرقبة إلى اليسار واليمين، وإلى الأعلى والأسفل. يجب أن تُؤدى هذه الحركة ببطء وبشكل ممتد. إذا شعرت بألم في الرقبة بعد أسبوع من القيام بهذا التمرين، فلا بأس، فهو كالماء الملوث الذي تحرك من مكانه. مع الاستحمام تدريجياً، سيختفي الألم. تشمل حركات الرقبة تحريكها للأعلى (للخلف) وللأسفل، ولليسار ولليمين. ومع ذلك، يجب أن تُؤدى الحركات الدورانية للرقبة ببطء وبكمية قليلة، لأن الإفراط فيها قد يسبب التهاب المفاصل.
هذه الأنواع الثلاثة من التمارين ضرورية للجميع. إذا أمكن أداؤها معاً في جلسة واحدة، فهذا أفضل؛ وإذا لم يكن ذلك ممكناً، فيمكن أداؤها بشكل منفرد أو اثنين اثنين. أفضل دواء هو النظافة والرياضة، ولكن ليس الرياضة الاحترافية! التمارين الثلاثة المذكورة مناسبة للجسد. مجرد تمديد الجسد بأقصى طاقته يفتح جميع المفاصل. المفاصل لدى الأشخاص قليلي الحركة تتقدم في العمر وتتشابك. يجب تمديد اليدين، والساقين، والرقبة، وأطراف الأصابع جيداً.