در حال بارگذاری ...
Sadegh Khademi - Optimized Header
Sadegh Khademi

الفصل الثامن عشر: الولاية: مفهوم جوهري في الصحة المعنوية والدينية

الفصل الثامن عشر: الولاية: مفهوم جوهري في الصحة المعنوية والدينية

تعد الولاية مفهومًا واسعًا ومعقدًا، يحمل في طياته آثارًا وتداعيات كبيرة تتعلق بسلامة الحياة الدنيوية وسعادة الآخرة ونجاتها. إنها إحدى الركائز الأساسية في مباحث الدين والكمالات المعنوية، إذ يمثل الأولياء الأحياء الإلهيون أصحاب الدين الحقيقيين، حاملين للحقيقة الإلهية النقية الخالصة من زيف الشعائر الدينية الظاهرية. فالتمسك بالمظاهر والانحصار فيها يشكل أكبر العوائق أمام معرفة هؤلاء الأولياء.

إن أي دين، بما في ذلك الإسلام، إذا خلا من الولي الحي، فإنه يصبح ستارًا يحجب الحقائق الإلهية. وقد ورد في الحديث النبوي: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إِمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». يشير هذا الحديث إلى وجوب معرفة الولي الإلهي في عصره والطاعة الولائية له، لا مجرد معرفة اسمه. فالمعرفة بالولي الحي تؤسس لديانة سليمة خالية من الشوائب، وهي معرفة تتجاوز المحبة، إذ تتطلب التزامًا أعمق وأثقل.

إن الولاية ومظاهرها الظاهرية مبحث عقلي وفلسفي، لا تعبدي أو اصطلاحي. والمعجزات والإنباء بالغيب ليست سوى وسائل للتصديق والاطمئنان. أما القيامة فهي يوم حسرة لمن جهلوا الولي الحي المتوافر فيه الشروط الإلهية.

الولاية: القرب الباطني والنسَب الإلهي

الولاية ليست سعيًا للسلطة السياسية، ولا دعاية أو ضجيج إعلامي، بل هي قرب إلى الله عز وجل بدرجة تجعل الفرد متشربًا بالحق الإلهي، متصفًا بأسمائه وصفاته، متحققًا بالصفاء والمحبة والوحدة الحقيقية. هذا القرب يتجلى في الارتباط والمحرمية والوصول إلى الله. والولي الإلهي هو من نال هذا القرب واختيارًا خاصًا ووصولًا إلهيًا، إضافة إلى موهبة الألقاب الظاهرية للولاية.

الدين هو سبيل الولي الحي، والديانة الولائية هي اتباعه، اتباع يُحيي في الفرد حقيقة تكوينية حية ناطقة، لا مجرد استعراض طقوسي يهدف إلى إثارة العواطف أو استدرار الدموع. فالدين المنفصل عن الأولياء الأحياء لا يعدو أن يكون مسرحية عامة تجمع بين العرض والنواح والإطعام، في ظل تزييف وتضليل.

الولاية هي وجه الله الباطن وتجلياته. فذات الله هي ولايته، وأعلى مراتب الولاية المطلقة هي لله سبحانه، وهي ربوبيته، فهو الولي الذي لا ولي له، بل هو ولي كل ظهور. والولاية هي العلاقة الباطنية بين المخلوق والحق، تقوم على القرب والمحبة والمعرفة، وجذرها المحبوبية عند الله.

مراتب الولاية اللاحقة هي تنزيلية ونسبية، تابعة لقرب الأولياء ومحبوبيتهم. فالمحبوبية والمحبة الذاتية هما أساس الولاية والعصمة. وولاية الله هي محبته الذاتية. فالمتولي هو من يملك الحكم والمحبة، وكل ظهور له حكم يمنحه ولاية وقربًا إلى الله، وهويته تُعرف بهذا الحكم والولاية.

الولاية هي التشبه بالحق والقرب إليه عبر المحبوبية، بل الوصول إليه. والولي هو من اتجهت خلقيته نحو القرب الإلهي، ففني في الحق وبقي بحكمه في القرب والمحبة الإلهية، محققًا استقرارًا موهوبًا بعناية الله. وكلما ازداد هذا القرب اتساعًا ومحبة ووحدة، قويت الولاية. هذا القرب يخلق تناسبًا بين الله والولي، فيظهر فيه علم الله وقوته وصفاته بحسب درجة ولايته.

القرب إلى الله يؤدي إلى التشابه واستجلاب الصفات الحقية في الولي، فيصبح الولي بقربه الحقي قادرًا على أن يتجلى الله فيه بأسمائه وصفاته. وكل ولي له تفوق طبيعي وتكويني على من يتولاه، مع قرب ومحبة طبيعية.

الهوية الإلهية للولاية

الولاية هوية تتجاوز كل تعيّن ومرتبه، وتُعرف بـ«ذات هو» أو «هو»، وتصل مقاماتها المعنوية إلى هوية تتخطى المقامات. والولي الإلهي هو من تكون روحه غير المحددة مرآة لتجلي ذات الله، متجاوزًا ظهور الأسماء والصفات، وإن كان لا ينفصل عنها، فتعيّن كل اسم هو ظهور تعيّنه. لكن مقامه لا اسم له ولا رسم، ولا يمكن لعقل أو بيان أن يحيط به، وكل إشارة إليه تقلل من شأنه، كما هو الحال مع مقام الله في لاتعيّنه وتعيّنه الربوبي.

في تنزيل الظهور، هناك نزول مُظهري ونزول مَظهري متساويان. المُظهر هو أسماء الله الواجبة العينية لذاته، والمُظهر الأول هو الأحدية التي تُظهر المظهر الأول، أي مقام الختم. والواحدية تُظهر الأنبياء الآخرين بحسب أسمائها. ولا يجوز الخلط بين المُظهر والمظهر. فالأحدية هي التعيّن الوحيد، ومقام الختم وحيد، وخاتم الأنبياء واحد أزلي وأبدي. مظهر الأحدية الخلقي واحد لا تعدد فيه، وهو مقام الختم في الولاية، ومحال أن يأتي نبي بعد بعثة الختم. ومقام الختم، بحسب نصوص الشريعة، هو للأولياء الأربعة عشر المعصومين، نور واحد، وهو بدوي لأن العلة الغائية علة للعلة الفاعلة.

الولي الإلهي، إن كان محبوبًا حقًا، فهو مظهر كلي جامع تام لهوية الغيب، تظهر فيه جميع الأسماء والحقائق، وهو أبسط المظاهر وأقربها إلى ذات الله. ويُشار إلى هذا المظهر في القرآن الكريم بـ«العالين»، وهو مقام الخلافة الحقيقية الإلهية والولاية الكلية الظلية. هذا المظهر هو الولي الإلهي، الجامع بين مظهرية الذات المطلقة وأسمائها وصفاتها وأفعالها، وبين الحقائق الربوبية ونسب الأسماء وحقائق الفيض والصفات الخلقية. فهو يتغلب على الحضرات الربوبية وعوالم الفيض، قادر على الوصول إلى الذات المطلقة.

اشتباك الولاية والعصمة

الولاية حقيقة باطنية، وأبرز تجلياتها هي الوجوه المحبوبة والمحبة، معصومة كانت أم غير معصومة. كل ظهورات الوجود ومخلوقاته تملك درجة من الولاية، لكن العصمة هي كمال الولاية التام، وهي خاصة بالأولياء الكاملين الإلهيين. العصمة، وهي القرب من الحقيقة الإلهية، وصف لجميع مراتب الولاية، والحق وظهوره معصومان.

الولاية والعصمة متشابكتان، فدرجة ولاية كل ظهور تتناسب مع عصمته وقربه الإلهي، كما أن عصمة كل ظهور تتناسب مع ولايته. وكلتاهما موهبتان إلهيتان لا مجال للاكتساب فيهما، وإن بدت العصمة الموهوبة كأنها مكتسبة اقتضائيًا. فالقرب والولاية لكل ظهور تابعان لطهارته الموهوبة.

العصمة المطلقة الواجبة لله، والعصمة المطلقة التنزيلية لمقام الختم وأوليائه. وكل ظهور يملك عصمة نسبية بحسب ولايته، فيعرف الولي الإلهي بحسب درجة عصمته، ويراه واجب الطاعة. أما أدنى درجات العصمة فهي العدالة وقدرة تنفيذ القسط والإنصاف والمروءة، وهي موهبة للإنسان المتحضر الخالي من القلب والمحبة والولاية الخاصة.

الولاية: الطريق الإلهي الحي الدائم

لم يُغلق باب الولاية التكوينية والإنباء بالغيب، بينما أُغلق باب الرسالة. فختم الرسالة مصاحب لبقاء طريق الولاية وحضور الأولياء الأحياء، وإلا لانقطع الفيض الإلهي عن الناسوت والخلق. وباب الارتباط بعالم الغيب مفتوح عبر الوحي الإنبائي والرؤيا الصادقة للعباد الخاصين المختارين، لكن من أنكر هذه الحقيقة حتى في حق الأولياء، يجد طريق الغيب مغلقًا. وفتح هذا الطريق يعني إمكانية امتلاك هذه القدرة، التي تتحقق موهبة في الأولياء، فيستطيعون نقلها إلى الآخرين. ويمكن الاعتماد على شهود الأولياء وتشخيصهم، بشرط الالتزام بشروط الفقه وكتاب الإدارة والسياسة الإلهية.

الولاية العليا المحبوبة

الولاية في أعلى مراتبها هي الظهور في ساحة الذات الإلهية وتجلياتها الذاتية والصفاتية والفعلية، مصحوبة بالمحبة، وهي ثمرة عرفان المحبوبية. هذا العرفان ليس مفهومًا مجردًا، بل هو تجسيد للوصول إلى التوحيد والحق. والولي الإلهي هو الوسيط بين الحق وظهوره والفيض. فالولاية العليا ليست صفة عامة كالتفكير أو العواطف، ولا خاصة كالنبوغ الشعري، بل هي صفة خاصة جدًا نادرة تتطلب موهبة وانتصابًا إلهيًا، إذ تتطلب الكمال الجامع.

وجوه الولاية العليا

الولاية هي القرب من الحق، وتتجلى في خمسة وجوه: الولي، النبي، الرسول، الإمام، وخليفة الحق، بفروق في المراتب كما بُين في كتاب التزوير والدين الإلهي. الولاية هي باب الباطن، وليس لها وجه ظاهري مستقل، بل تظهر في الرسالة (نبوة مع كتاب)، النبوة (نبوة بلا كتاب)، الإمامة (استمرار النبوة مع الإلهام الإلهي)، والخلافة (الإدارة الدينية الفعلية)، وفي الخلق، فتشكل المؤمن والكافر وكل ظهور.

الولاية هي المقسم للنبوة والرسالة والإمامة والخلافة، ولا تُقاس بها، فهي علة هذه الألقاب الظاهرية. لا نبي ولا رسول بلا ولاية، والولاية ناتجة عن العبودية بمعنى القرب والمحبوبية. كل نبي وإمام ينال ولاية بحسب قربه ومحبوبيته، ودائرة إمامته ونبوته تتحدد بولايته. والولاية لا تتعطل، ولا تتعطل ألقابها الظاهرية، حتى النبوة. والولي تلو الحق، وعندما تظهر الولاية والعصمة تصبح رسالة ونبوة وإمامة، وإذا اكتسبت اقتدارًا تصبح خلافة. والخلافة والولاية التشريعية لا تنفصل عن الولاية التكوينية حتى في عصر الغيبة.

الإمامة الإلهية

الإمامة هي استمرار النبوة والرسالة وعلة بقائها. كل إمام تابع لدين نبيه ورسالته، وهو أقل منه مرتبة. وبانقراض نبوة نبي، تنقرض إمامته. وموقع الإمام الباطني يتطلب تبيين مكانة النبي الذي يتبعه. يجب الإيمان بجميع الأنبياء وأئمتهم المعروفين، لكن النبوة والإمامة المنقرضة ليس لها طاعة عملية. وفي عصر الغيبة، الولاية ووجوب الطاعة المطلقة ثابتتان للإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ويُستمد الدين منه.

قلب الإمام المهدي (عج) يتسع بحيث يصبح الناسوت بكل ظواهره جزءًا صغيرًا منه. يستطيع أن يمس قلب كل مخلوق من الحجر إلى الإنسان، ويمنحه العناية. وفي عصر الغيبة، يقوم بالعناية الخاصة والشفاعة وتيسير الطاعة وهداية المستحق إلى مرشد صالح، بشرط أن يتخلص الفرد من الغفلة ويتوجه إليه. عندئذ يجد نفسه مغمورًا بولايته ومحبته، فيعزي القلوب ويجلي العقول.

جريان الهداية الإلهية في عصر الغيبة

يجب الإيمان بأن الإمام المهدي (عج) يهدي الدين والمجتمع والأفراد المستحقين عبر الأولياء الأحياء، الذين يظهر من خلالهم للباحثين عن الحقيقة، فيربيهم بنور نظره. يحافظ على نور الله عبر هؤلاء الأولياء، مانعًا طالبي الحق من القحط المعرفي. ومن يريد النجاة والسعادة عليه أن يبحث عن الإمام بعطش، فيجد الأولياء الأحياء، وهم حلقة الوصل بين الناس والإمام، فيصدقهم ويقبل محبتهم.

الأولياء الأحياء هم ظهور نور الإمام الغائب، وقد نالوا الولاية بمدد حجة الله، ونُفخ فيهم من روح الله. يحققون استمرار الولاية في ظل الإمام الغائب. وعلامتهم هي المعرفة والمحبة اللامتناهية لخلق الله. وهذا ما يميز الشيعة عن غيرها من الأديان التاريخية، إذ لها إمام غائب وأولياء أحياء، بعضهم محبوبون، فهي ليست مجرد دين تاريخي.

الأولياء هم من يهدون البشر إلى الله، لا العلماء المنقطعون عن الباطن والحقيقة. والدين الوحيد القادر على البقاء والقبول هو مكتب الأولياء الأحياء المعرفي والمحبي. فالدين بلا إمام أو ولي حي لا يحقق النجاة والهداية، بل يؤدي إلى التضليل والفساد والنفاق.

كلما أحب الولي، مرآة لقاء الله، فردًا، اقترب هذا الفرد من الهداية والعصمة والقرب. ودرجة هداية الفرد وعصمته وولايته تابعة لمحبة الولي له. هذه المحبة تتطلب قبول التربية الولائية بصبر ودون تخلف، وهي عملية قد تكون مؤلمة وطويلة، لكنها دليل على محبتهم النقية. فمن صبر على محبتهم تخلص من الدنيوية، ونال الحق والصبر والمحبة النقية.

من يقبل الولي الحق يفعل ذلك لأن الله والولي يحبانه أكثر مما يحب نفسه، وهما أقرب إليه من ذاته. فمن صفات الإمام والولي الحق محبته اللامتناهية للجميع بنقاء وعصمة. فإذا تعارضت أحكام الدين مع سعادة الأفراد، يميز الولي الحق الصحيح من الفاسد، ويبينه علميًا أو ينقله قلبيًا إلى المريدين.

جاذبية الولي الإلهي

الولاية تملك جاذبية باطنية، والولي الإلهي يتمتع بجاذبية عظيمة لقلوب المؤمنين، فباطن المؤمن مشتاق إليه، والولي أشد شوقًا إليه. هذه الجاذبية تجمعهما وتخلق قربًا ومحرمية. ومن حُرم هذه الجاذبية أو أهملها وجهل الولي الحي، فإنه لم يعرف الخير والمحبة والحقيقة ومعنى الحياة.

الأولياء صفوة الخلق، يمنحون نورهم بحب، ويزيلون الظلمة من الناس، فيطهرونهم، ويمنحهم الله نوره ومحبته وعصمته وقربه باستمرار. يتعاملون بلطف مع طباع كل مخلوق، وينفذون إلى أعماق القلوب بغض النظر عن الدين أو الثقافة، لكن الهداية تتحقق لمن يقبل محبتهم الثقيلة ويصدقهم ويوائم إرادته مع إرادتهم الإلهية.

معرفة الأولياء الإلهيين

أصحاب الولاية يعرفون الكل ويفصلون الجزء، يملكون أسرار المواهب ومفاتيح تفتحها، وهم عالمون بكل الظهورات والكلمات الإلهية المنزلة وكل العلامات. معرفتهم هي تنزيل العلم الإلهي، تجمع بين النزول والصعود المطلق، وهي تحت إرادتهم في الناسوت. يعرفون لغة كل ذرة وكل وجه، وهم جامعو الجفر وكل المظاهر، وأسطرلاب دائرة كل الظهورات. يحيطون بأسرار تركيب الحروف المتوافقة مع تركيب المخلوقات. فمن لا يخضع لولايتهم المقدسة لم ينل صفاءً أو علمًا، بل هو تعيّن بلا روح، عاجز عن الوصول إلى معرفة هذا العالم المعقد.

هم خريطة العالمين، عالمون بأسرار الصحف، متجاوزون طبيعة الناسوت. مفاتيح الغيب بأيديهم، وكل إرادة إلهية محفورة في قلوبهم. سر كل مخلوق كامن في ظهورهم. هم معجم الكتب العلمية والمعرفة الشهودية، وآية عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى تصف شأنًا من شؤونهم.

ينابيع العلم تنبع من بحر حقيقتهم، وحدائق المخلوقات تثمر بمعرفتهم. هم من يوسعون الأرض ويرفعون السماوات بأسماء الله. يقودون السالكين إلى مشاهدة الصفات وفناء الذات، وكل الشؤون الإلهية شاهدة على نورهم. هم من يتحكمون بهندسة الملك والملكوت، ويوصلون كل مخلوق إلى حقيقته بالمحبة، مترجمين كلام الله بما يليق. هم الحجة الكاملة على الخلق، لا يخطئون، وكل خير منهم منعكس. كخزانة العلم الأزلي، يعطون كل فرد بحسب استعداده بعدالة.

هم الكتاب الناطق، وهداية المخلوقات شأن من شؤونهم اللامتناهية. بهم يدرك السالك ظلمة باطنه ويتعرف على أسرار قدره ومقاماته وزاده للآخرة. هم تجلي الحقيقة المطلقة، ينظرون إلى الصغير والكبير بعين واحدة، وهم المثل الأعلى الإلهي.

الفناء والبقاء الإلهي

هم فانون في الله، باقون ببقائه. أصحاب الولاية الذاتية ليسوا آلهة، فلا ذات ولا استقلال لهم، بل هم ظهور تام للوجود، خالون من الغلو. ولا هم كغيرهم من المخلوقات التي تتلوث بانحرافات الناسوت. بل هم التعيّن الكامل، يجمعون كل كمالات الوجود، وهم وسطاء الميزان، لا ينظرون إلا إلى هوية الحق.

خاندان الولاية المطلقة لهم نفس روحاني يفني ويبقي، هم «نفس الرحمن» الذي أحيا كل الظهورات. هم من يحكمون على كل ذرة بالسعد أو الشقاء، وملكوت كل مخلوق يعبد بأمرهم. هم من يدعون روح العاشقين وقلوبهم إلى الحق، وهم سرشت كل مخلوق وموسعو كل خلق.

الملائكة تطيع تدبيرهم، وتجليات الجلال تتحول إلى جهنم بأمرهم. الجبال تُرفع، والأتربة تُرمز، والجداول تتدفق، والأغصان تنشأ بتوفيقهم، فهم قضاء وقدر كل مخلوق. مطر التجليات ونور المؤثرين منهم مستمد. هم الشمس المشرقة من أحدية الحقيقة، وقمر كل ظهور يتجلى بانبساطهم. هم من يحيون حياة المخلوقات ويعكسون الغيب والحضور، عالمين بكل شأن وتأثيره.

حكم العدل

الأولياء هم ظهور الأسماء الذاتية، يصيغون الاستعدادات بإذن الله. كل قالب يظهر في ولايتهم المطلقة، والأسماء الإلهية تتألق في سماء ملكوتهم. هم الأولياء الكاملون، مركز الجمال والجلال، وكل تجلي إلهي كلمة حسنة منبثقة منهم.

خزائن الأسرار مضيئة بجاذبيتهم، وهندسة كل مخلوق مرسومة على تعيّنهم. ولايتهم هي قوة المؤمن في مواجهة الأنانية. لكن المخلوقات، عند دخولها الدنيا، غرقت في النسيان ونسجت خيوط الجهل والطمع.

ولايتهم تحول كوخ الأنانية إلى قصر الحق، وتهدم بنيان الفساد، وتسلب كرامة الظالمين. هم من يكسرون التعيّنات الخلقية بحقيقتهم، ويوصلون المؤمنين إلى فيض الرحمن، موحدينهم مع الحقيقة المحمدية. ينتزعون أرواح الموالين من الهوى، ويبلغونهم كمال الولاية. كل سير وسلوك ينتهي في مقام طهرهم ومحبتهم النقية. هم عالمون بالمخلوقات وكيفية قيادتها في مقامات السالكين.

كل شعلة محدودة تُضاء بنورهم، وكل سالك يتخلص من ذاته برؤيتهم، فيبلغ القرب. وغضبهم هو الحرمان من معرفتهم، وهو أشد الآلام.

سر شيداء الأولياء الإلهيين

ولاية المحبوبين الذاتيين هي سر الأنبياء ومفتاح شيدايتهم. ولايتهم المطلقة تجسدت في ولاية كل نبي، تقوده من قبل الرسالة إلى ما بعد القيامة. الأنبياء تحملوا البلاء بشوقهم، ونجوا بوحدتهم. حقيقتهم معهم بربوبية لا عينية.

علامة نبوة كل نبي منهم، فكل ما ظهر منهم هو مرآة لصولة حيدر. هم أصل آدم، فلما سمع الملائكة أسماءهم سجدوا لهم. هم لطف جمال يوسف في الجب وأمام زليخا. هم نظر صالح وهود، أخرجوا ناقة لقوم وأنزلوا عذابًا بآخرين. هم من أهلكوا قوم لوط، فصار أعلاهم أسفلهم. هم رؤية إبراهيم، فتغلب على السر الولائي ورفض جبريل. هم كاتب موسى ومعلم الخضر، وهم من علموا عيسى في صباه ورفعوه إلى السماوات.

النور السارى دائمًا

قلوب الأولياء الحقيقيين دائمًا في مشاهدة الذات والأسماء والصفات الحسنى. كل الظهورات الملكوتية هي تجلياتهم. نورهم يسري في الجميع، وكل حقيقة ونقاء يجدهم. هم التجلي الإلهي الكلي، يحيطون بكل مخلوق بأسراره وأساليب عبوديته، فرديًا وجماعيًا، وكل الوجوه هي تجلياتهم.

هم نواة كل مخلوق، يعطون كل فرد ما يستحق. سرهم يسري في كل شيء، وكل الظهورات متساوية في هذا. كل خير ينبع من رحمتهم. لهم حجج على كل ظهور، وأركان العرش مبنية على ولايتهم، وكل قدرة أرضية مستمدة منهم. هم قيامة المخلوقات، وولايتهم هي هيجان المحشر، حيث تجتمع الظهورات في ساحتهم.

حلاوة الحقيقة وتجلي التوحيد

الأولياء الذاتيون مثل إلهي، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، لا مثيل لهم. لم يقعوا في ظهور اسم أو رسم أو تشبيه. هم حلاوة الحقيقة وتجلي التوحيد. طاعتهم مقدرة في العلم الإلهي. هم أول المخلوقات، وكل بدء وختم ربوبي منهم.

هم عرش الله، يوجهون الخلق إلى الربوبية بنور تجليهم، وتفتح أبواب الملكوت وجنة الذات بقوة ولايتهم. الملائكة تخضع لهم، وشمس الحقيقة تشرق من أعتابهم. هم عرش البيت الإلهي، يعمرونه سكان اللاهوت والناسوت. كوثر الدين نقي بزمزمهم، والضالون يُعرفون بنور جلالهم.

أسماؤهم الحسنى، عند ذكرها، تُسقط أوزار الذنوب وتفتح باب التوبة. من توسل بهم دعا الله بجميع أسمائه الحسنى، فهم مقام الجمع الجامع، مظهر الاسم الأعظم والوصف الشامل، كما في قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.

سرّ الخلق العظيم: الأولياء المحبوبون وحقيقة الحب الإلهي

إن الأولياء المحبوبين، بجوهرهم الحقيقي، هم تجليات الحب الإلهي لله سبحانه وتعالى، وهم سرّ الحياة، ورمز الخلق العظيم، وجوهر العبودية. يطهرون النفوس من أدران الوهم والخيال والمطامع الدنيوية بزكاة “الولاية”، التي هي نور الإيمان ومفتاح الطهارة الروحية. هؤلاء الأنوار الإلهية هم حجّ كل مظهر وجودي، ففي إتمام هذا الحجّ، تقترب كل المظاهر إلى قلوبهم، كأنها تلمس حجر الإسود الروحي، فتنكشف عنها الحجب المسدلة على حقيقتها الجوهرية، وتتجلى في كمالها.

هم الذين يوقظون الأموات بصوت جرس دعوتهم إلى محشر المظاهر، ويربطون كل مقام بمقام آخر، ويمزجونهم بحقيقة النبوة المحمدية. كواكب الأسماء والصفات الإلهية الحسنى هي زينة سماء مقامهم الوسطى، بينما مقامهم الحقيقي هو ملتقى شهود الأسماء الذاتية وموطن الذات الإلهية. أصحاب الولاية الذاتية يحركون القوى الجوهرية بزلازل الحقيقة، فيفيض من أطرافهم ينابيع الكشف والبصيرة.

إذا امتشقوا ذا الفقار، فإنما يحيون أرواحاً متصلة بالأحدية، بل وأعلى من ذلك، بالمقام الذاتي. شهداء الجلال يثنون على قوة سواعدهم، والأحياء من أهل الجمال ينالون نظرة أبدية في سعيهم وراء تجلي وجوههم. هم حراس مدينة الله، يفتحون أقفال القلوب بنظرة، ويطلقون فراشات جنة الجمال لتحلق، ويمنحون تصاريح الدخول إلى جهنم الجلال. الماء منهم يروي العطشى ذوي الشفاه المتشققة بحياة روحية.

هم الذين يقطفون ثمار المعرفة من جنات الملكوت لسكان الأطلال، ويأوون بهم إلى ظلال جبل الصمدية. من شعاع شهودهم، تنبع أنهار النور. وبصيحة التوحيد، يذهبون بعقول المخلوقات، وفي محشر النفس الرحماني، يوصلونهم إلى البقاء الأبدي. هم أسرار الله غير المكشوفة، المتوائمة مع غيب الذات، القابلة لكل الوجوه المطلقة، ونواة كل تجلٍّ، ووجه كل كتاب، وعارفة بكل كلمة.

صعوبة الحديث عن الأولياء الخاصين

الحديث عن الأولياء الخاصين بالله، وهم بوابات العلم والمعرفة ومظاهر الرسول الربوبي الجامع، فضيلة شاقة وبالغة الصعوبة. إنهم بوابات، كل منها تجلٍّ للآخر، ووجه من وجوه الوحدة. ومع أن لكل منهم تعيّن ربوبي خاص، فهم نور واحد، لا يحجبه حاجز، مطلعون على أحوال كل فرد في هذه المدينة ذات الألف باب. الأولياء المحبوبون ذوو الجوهر الذاتي هم كنوز الملكوت الخفية، وخزائن الخير في عالم الناسوت، ومستقر الحقائق وحقيقة النبوة المحمدية. الروح القدسية تجد منهم الخير في كل حال، دون أن يكون هناك قول أو حوار أو تلاوة، فهو الذي ينسج الكلام.

معنى طلب الحق بالولاية

الطالب للحق هو من يستطيع، بحسب استعداده وسعته الولائية والعصمية، أن يجد وليّ الله الحي، الحائز على الحقيقة الإلهية، ويتحرك على محور ولايته. الولاية الإلهية هي سيل الحب النقي المصحوب بانتخاب الله، بينما الولاية المحرمة هي تيار الطمع والجشع الذي نال السلطة والهيمنة والقوة والاستبداد.

القيادة السياسية والاجتماعية

الأولياء الإلهيون قادرون على قيادة المجتمع وسياسته في مواجهة ظلم وطغيان أهل الفساد، مستندين إلى الأحكام الإلهية. هم وحدهم القادرون على تحمل هذه المسؤولية دون إخلال بالغرض، ودون إلحاق ضرر بالناس، بل وقد يضحون بأرواحهم في هذا السبيل. إن قيادة التيار الديني لنشر العدل ومقاومة الظلم، والإدارة السياسية، هي واجب الأولياء الأحياء. هذا الأمر لا يتناسب مع قدرات من لم يبلغوا مراتب الولاية التكوينية أو الموهوبة أو الحقيقية. القيادة ليست واجباً لغير الأولياء، ومن يتدخل فيها يتحمل مسؤولية كل الخسائر المادية والبشرية والتشوهات الناتجة عن ذلك.

كيف يمكن لتعاليم دينية صامتة، لم تؤكدها مباشرة شخصية معصومة أو وليّ حي، أو دين منفصل عن صاحبه الحقيقي الحي، أن يحمل حجية حية وفعالية، وألا يقع فريسة استبداد واستكبار الحكام البشريين؟ إن الفقه غير المعرفي وغير الولائي، إذا سيطر، لا يحل مشكلة المجتمع فحسب، بل يصبح مصدر آلاف المشكلات والمآزق. هل يمكن لعلم منفصل عن الولاية الحقيقية الجوهرية أن يكون حلاً لتحقيق العدالة والمحبة ومشكلات النفس البشرية؟

الوليّ الإلهي هو القادر على خوض معركة بناءة ضد الظلم والفساد. في مقاومة الظلم البناءة، هناك تأديب وتنبيه وإسكات للظالم ليتخلى عن ظلمه، وتحقيق العدالة، بل والمحبة. كما أن هناك تنبيهاً للظالم والشرير بأن هذه المقاومة هي نتيجة أفعاله الظالمة والشريرة. في كل خطوة من هذه المعركة، يُراعى الإنصاف والعدالة، بل والرحمة والرأفة والمحبة والتوعية. قد يُصلح الظالم بهذا التأديب، أو على الأقل، يفقد القدرة على الظلم والشر مجدداً. لكن إذا قوبل الظلم والشر بشر وصراع غير بناء، فلن يُصلح الظالم أو الشرير أبداً، بل ستتولد مراكز شر جديدة.

البشر الطامع، بطبعه، يسعى للاستيلاء على منافع الآخرين واستغلال كل شيء لمصلحته الشخصية. ولكي لا تُداس حقوق الأفراد تحت أقدام الجشع البشري، لا سيما الأدنياء، فإن تمييز الطريق الصحيح والأحكام الإلهية ومسار السعادة الأبدية يتطلب الرجوع إلى وليّ الله الحي. وإلا، فإن سلوك طريق السعادة والنجاة سيكون مصحوباً بأخطاء أكثر.

جوهر الإدارة والسياسة الإلهية

جوهر الإدارة والسياسة الإلهية يقوم على شخصية الوليّ الحي الحقيقي، لا على تعاليم دينية منفصلة عن صاحبها الحي، حتى يتمكن الوليّ الحي من نفخ روح الولاية ومحتوى المعارف العصمية في جسد الدين والمجتمع والناس، ويجعل البشر متآلفين مع حقائق الدين المعرفي والإيمان القلبي. كما يحمي الدين المعرفي من مخاطر الالتقاط الدنيوي، والتفوقية، والتحجر، والعنف الظاهري، ويحافظ على حدود الدين مع أهل الدنيا، ويمنع تلوثه بالتحجر والعنف. إن وجود رسالة عملية يُعمل بها ويُحكم بها لا يجعل الحكم إلهياً ولا الفرد ديّناً. الإدارة والسياسة الدينية تقوم على محور شخصية صاحبها الحقيقي، وإذا لم يكن موجوداً، فلا ينبغي الحديث عن إدارة أو سياسة إلهية. الدين بلا صاحب حقيقي حي وحاضر لا حياة له ولا فعالية. وقد تناولت هذه الحقيقة بالتفصيل في كتاب “الإدارة والسياسة الإلهية” في مجلدين.

ماهية الدين والتدين

الدين الإلهي أمر حيّ، متصل بشخصية العارف بالدين والمتدين. الدين كالدم في عروق الإنسان الحي، في روح المتدين وجوهره، يمنحه حياة دينية ومعنى يتجاوز المفهوم والعقل، ويوفر خطة حية ومحدثة لإدارة الحياة. الدين موهبة جوهرية، وليس نصوصاً مغلقة ومحدودة بالظاهر، جامدة ومتوقفة، لا تحتاج إلى ارتباط حي وفعال بصاحبها، وهو الله، ولا إلى إنسان يريد أن يهتدي بهذا الدين الجوهري ويعيش أسلوب حياة ديني. النص بذاته لا يحمل التفسير ولا قابلية التطبيق، بل يكتسب معناه ومراده من خلال الفاعل العارف ومسبقاته. وقد تحدثت عن ماهية الدين وكيفية التدين بالتفصيل في كتاب “التزوير والدين الإلهي”.

الأنس بالظواهر ورفعها

الإنسان، بمقامه الجامع، أي بقدرته على التوسع والانفتاح، والنزول والصعود، وصفاء الاختيار، ولين الباطن، وقوة الارتباط السليم والعلاقة المسؤولة، والتشابه والجذب المقتدر، يستطيع من خلال حبه للظواهر والأنس المستمر بها أن يكتشف لغة القلب والباطن والصفة الغالبة عليها، ويتآلف معها بصدق ومسؤولية، ويعيش معها بحب وتفانٍ، فيصل كلاهما إلى حالة الإشباع المتبادل ويزيدان من صفائهما، لا أن يكون مجرد تعايش طمعي خالٍ من الالتزام.

قدرة الأنس الملتزم والتعاطف المثمر والمصفي يمكن أن تمنح منطق فهم لغة قلب الظواهر، وتُعرّف الفرد بمراتب الولاية التشكيكية والظهور الولائي، التي مصدرها ربوبي وتنبع من اسم الرب. هذه الربوبية، في غير الإنسان، ليست جامعة ولا كاملة، بل تمنح كل ظاهرة كمالاً وتفرداً خاصاً. حياة الكون هي الولاية، وحتى التوحيد يُقاس بمقدار الولاية والحياة الخاصة والارتباط المميز بالرب.

حب كل ظاهرة يتناسب مع ولايتها. الولاية هي باطن كل شيء وحقيقته وجوهره. كل ظاهرة، بحسب مرتبتها الولائية، تملك قرباً ونعماً وحسناً إلهياً. كل جمال، وكل استقامة، وكل قوام، وكل لطافة خاصة ومرتتبة، وكل كمال هو تجلٍّ لولايتها. كلما زادت كمالات الظاهرة وجمالها وجاذبيتها، كانت ولايتها العامة أقوى وأثبت، واقتضاؤها لقبول الولاية الخاصة أكبر. دفاع كل ظاهرة عن نفسها هو ولايتها التي اتخذت شكل الوحدة. الولاية هي المرتبة الفعلية لكل ظاهرة. مراتبها العليا تتجلى في هيئة النبي، والرسول، والإمام، والخليفة، والوليّ الكلي والمطلق، وخاتم الولاية، حيث تظهر كل كمالات الإنسان الكامل في تلك المرتبة وتفعّل.

كل زهرة، وكل شوكة، وكل نبات، وكل نار، وكل رماد، وكل مطر، وكل بحر، وكل إنسان، له جبروته وكماله وغيرته وغضبه وصحته وحكمه وتكليفه بحسب ولايته. وكل مقدار ووزن له هو عدل ولايته، وهو لطف باطنه. كل ظاهرة وظهور لها حكم، وكل حكم له أمر وتكليف متناسب وهداية متلائمة، ولا توجد ظاهرة خالية من حكم أو ولاء أو رمز أو تكليف أو هداية إلهية. معرفة الظهور أو الظاهرة تكمن في معرفة حكمها، وبمعرفة ولائها وقربها وبعدها وارتباطها بالحق تعالى، يُعرف نسبيتها وتقييدها، ويُقاس مقدار وعيها وإرادتها وهمتها وحبها، وتُعرف قدراتها وولايتها، وتُحدد الدولة الإسمائية التي تحكمها، وهي التي منحت كل ظاهرة كمالات خاصة وفريدة.

ليس الإنسان الإلهي وحده من يملك الولاية، بل حتى الحيوانات والنباتات، بعضها يملك ولاية على بعض. أي أن بعضها، إلى جانب الولاية العامة، يتمتع بولاية خاصة. كل ظاهرة، بحسب ولايتها الخاصة، لها ذكر خاص وتآلف مع إمام معين، وتتقرب إليه. ليس الجميع قادراً على التقرب إلى أمير المؤمنين عليه السلام. على كل فرد أن يجد إمامه الخاص.

الإنسان يتمتع بالصحة إذا لم يكن له ميل إلى الارتباط بمن لا يملكون ولاية خاصة، حتى لو لم يكن لديه نفور منهم، لأنهم في التيار العام للخسارة والضياع. الأفراد المحصورون في الولاية العامة، حتى لو كانوا يتمتعون بجمال ظاهري بحسب الولاية العامة، لا يملكون الملاحة، ويجرون المشاهد إلى الشهوة غير الصحية واللذة المحضة، دون أكثر من ذلك، ولا عزة ولا نجابة ولا وقار فيهم. من لا يملكون استعداداً لقبول الولاية الخاصة وإمامهم، فهم في مرتبة أو أدنى من الظواهر والحيوانات التي لا تملك ولاية خاصة.

من يملكون الولاية الخاصة هم جذابون ومغريون للأصحاء. من بين الحيوانات، تلك التي تملك السلطة والجمال والنطق تمتلك ولاية خاصة. الحمام كذلك. النمر والأسد والفهد يتمتعون بولاية خاصة، وبالتالي بالسلطة والجمال واللطافة، وحتى شراستهم تنبع من الحب. طباع بعض الحيوانات متوافقة ومألوفة مع أصحاب الولاية الخاصة.

الخنزير، مثل القرد، لا يملك ولاية خاصة. الخنزير من الحيوانات آكلة كل شيء، لا يأكل النجاسة فحسب، بل يستمتع بها ويتلذذ. أكل النجاسة يجلب الظلمة الباطنية. هذا الحيوان، بذكائه الشيطاني، لا يجد لذة في الأطعمة الطيبة والطاهرة.

الفهد، الحائز على ولاية خاصة، هو قاتل الأقوياء، ولا يُستثار إلا إذا استُفز. حتى الأسد ليس كذلك. بعضهم، بطباعهم الجوهرية أو الأخلاقية، ينفرون من قتل الضعفاء، سواء كان الضعيف صديقاً أو عدواً. لكن بعضهم، بغض النظر عن الإيمان أو الكفر، يقتلون الضعفاء ويظلمون المستضعفين. القط بالنسبة للفأر حيوان قاتل للضعفاء، لكنه يفر عندما يرى كلباً.

الفهد يزأر في وجه حيوان أكبر منه، ولا يبدي حساسية تجاه الضعيف. لا يُستثار الفهد ممن يكون إلى جانبه أو في مساره، لكن إذا واجهه كائن أكبر ينوي الاعتداء عليه، يثور. الفهد، أحياناً، يزأر حتى على سحاب السماء أو القمر. لكن هذا الفهد نفسه، إذا رأى حيواناً صغيراً ضعيفاً، لا يعبأ به، إلا إذا كان جائعاً جداً. السرطان اليوم منتشر بكثرة لأن الجسم يُستثار بشكل مفرط. التلفاز، والسينما، والإعلانات، والضغوط الاقتصادية، والفقر، والأعمال المرهقة، والتوتر، كلها تثير الجسم. السرطان في الجسم مثال للفهد في الطبيعة. يجب أن يكون الإنسان متوائماً ومرناً ليتمتع باقتضاء البقاء الطبيعي.

الأسد، لأنه يملك ولاية خاصة، مُنح القوة، والصلابة البطولية، والوقار، والمتانة، والسلطان على الغابة، وإن لم يستطع أن يحلق كالنسر أو يتغلب على نملة دخلت بين أظافره! الأسد، لأنه ربته الطبيعة، يتمتع باقتضاء بقاء طويل، وهو ليس مفترساً لذاته. عندما يشبع، لا يمزق حيواناً، ولا يشبه الذئب الذي يهاجم كل حيوان ويتلذذ بالشراسة. الأسد لا يؤذي حيواناً رغم قدرته الطبيعية وتمكنه. ومع أن النمر والفهد، إن لم يكونا أقوى من الأسد في عضلاتهما، فليسا أضعف، لكنهما لا يملكان نبل الأسد وكرامته. أمير المؤمنين عليه السلام، لهذا السبب، يُلقب بأسد غابة الولاية، لأنه دفة سفينة الظواهر الكونية ومصدر الطمأنينة والتوازن.

الأسد، بصحة جسمه وهيئته المتوازنة، يتحرك كما لو كان رياضياً محترفاً. الأسد رمز الغنى، وبفضل صحة جسمه، يتمتع بالقوة والصبر. من أصبح غنياً بالنفس، فهو غني، حتى لو لم يملك شيئاً.

الظواهر التي تملك ولاية خاصة، بحسب مرتبتها الظهورية، تتمتع بوعي بسيط ومعقد، وحكم وتكليف طبيعي، وتسبيح جبلي. بعضها يمكن أن يرتقي إلى مرتبة النفس المجردة ولوازمها، كالوعي الاشرافي والمجرد. جميع الحيوانات، بل وحتى النباتات، تملك وعياً وإدراكاً بسيطاً. لكن الإدراك الحيواني لا يمنحها قدرة الإدراك المركب الإرادي والتحليل والنطق، أي الباطن الذي ينشط فيه القلب بصورة اختيارية وجامعة، ولا يمنحها الانتزاع الاختياري ولا اعتبار اللغة ولا وضع الأبجدية. إدراكاتها قهرية ومستقلة، ضمن إطار وحدود معينة، ومشاعرها وعواطفها الغالبة جزئية. كل حيوان ونوع له قدرة جبلية خاصة وتعقيد متقدم وجوهري، وبحسب هذه القدرات له إرادة واختيار ضمن حدود تلك المرتبة، ولا يملك المقام الجامع أو الإلهي. كل نوع من الحيوانات وكل فرد منها له مقام محفوظ لا يقبل الصعود أو الهبوط، ويعيش طبيعته، وإرادته ضمن حدود تلك المرتبة المعلومة. لذا، لا ينبغي الخلط بين هذا الإدراك الطبيعي والانتباه القهري والإرادة البسيطة المحدودة وبين القدرة على التحليل الاختياري والإلهي. ومع ذلك، بعض الحيوانات يمكن أن تملك، بصورة قهرية وطبيعية، فهماً عقلياً كلياً وإدراكاً قلبياً، لكنها لا تملك الجمعية والإلهية ولا الاختيارية حتى في مقام القلب. الحيوانات، في الغالب، تملك إدراكاً جزئياً وهمياً، وتميز الأشياء والظواهر بصورة جزئية وبحضورها في المشهد، وتملك تمييزاً جزئياً. فمثلاً، تواجه الخطر مباشرة لتدرك الخطر الجزئي في المشهد، لكن مفهوم الخطر الكلي غير موجود لبعضها. بعض أنواع الحيوانات المتقدمة يمكن أن تملك تفكيراً ذهنياً وانتزاعياً ومفاهيم كلية وعقلانية في مرتبة الجسم والنفس – أي النفس الحيوانية – وفهماً كلياً للخطر والحماية والصيانة الذاتية، وهو أمر مختلف عن التحليل القلبي الإرادي الخاص بالإنسان. لذا، التعلم والتربية لهما معنى لهذه الحيوانات. وفي هذا السياق، الله سبحانه، بحسب قوله تعالى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾، مع كل ظاهرة، وكل رتق وفتق لها بإرادته الإلهية.

الإنسان يمكن أن يملك، في حياته النفسية، رؤية أقوى من الإدراك الحسي للحيوان. الفرق بين القلب الإنساني والقلب الحيواني هو أن القلب الإنساني يمكن أن يتصف بالصفات الإلهية، ويكون إرادياً وقدسياً ونورانياً، أو بالصفات الشيطانية والنارية، بينما القلب الحيواني له صفة طبيعية وفطرية، ونظامه مستمد من قانون الطبيعة والنواميس الإلهية. النواميس الإلهية العامة والطبيعة وضعت للحيوانات أحكاماً وتكاليف طبيعية. الإنسان، بإرادته واختياره، يمكن أن يصل إلى التقوى والتسليم لأحكام الله، لكن صفة التقوى لا تنطبق على الحيوانات ولا على الملائكة، الذين هم في مقام معلوم. الحيوان لا يملك صفات إلهية، ولا يتبع الحكم الإلهي بإرادة حرة تتجاوز حدود غريزته وطبيعته، بل يحمل صفات حيوانية كالخوف أو الأمل في البقاء، وحتى الرؤى والأحلام، ضمن نظام الطبيعة وفي إرادة محدودة بها وفي الأمور الجزئية.

التحليل القلبي يمكن أن يمنح الإنسان قدرة الوعي الكلي الشامل، ويجعله قادراً على معرفة كل ما يريده، ويمنحه نظاماً إرادياً حتى في مرتبة العصمة الموهوبة. هذا التوسع الإرادي غير موجود في الحيوانات، فهي لا تستطيع أن تريد كل شيء، ولا أن تعرف كل ما تريده. الكلب، مثلاً، يمكن أن يدرك، بصورة نسبية وبحسب قدرته التشكيكية، مسافة تصل إلى حوالي 50 كيلومتراً بإدراك طبيعي وقهري عن طريق حاسة الشم، وله قدرة شمية تشبه قدرة بصمات الأصابع البشرية، فيتعرف على رائحة كل ظاهرة، ويدرك حاجات مزاجه وطبيعته. لكن حواسه الأخرى لا تعمل في هذا النطاق، ولا يملك الاختيار لتفعيلها، ولا يتجاوز حاجاته الغريزية والطبيعية. على العكس، الإنسان المتفتح يمكن أن يجعل كل إدراكاته الحسية فعالة حتى مسافة مئات الكيلومترات بحسب جمعه وهِمته وإرادته. الإنسان هو الإنسان الفعال، وإلا فالإنسان العاجز الذي لا يملك قدرة التغيير والتصرف وهو مجرد مشاعر ليس إنساناً.

يُذكر أن الإنسان الإلهي يمكن أن يصل إلى إدراك ما يريده الله من حكم أو موهبة، سواء كانت رحمة أو قهراً. الإدراك الحسي متميز عن الكشف والشهود القلبي، ولا ينبغي الخلط بينهما.

الحياة الحيوانية حياة خاصة، يمكن ملاحظتها ومعرفتها بالتجربة. الحيوان، إذا كان يملك حياة حيوانية، فهو حيوان، وإذا أكله أحد حياً، فقد أصبح آكلاً للحيوانات. لكن إذا زالت هذه الحياة من الحيوان ومات، فإنه يصبح جثة ولحماً، ومن يأكله لا يُعد آكلاً للحيوانات، بل آكلاً للحوم. هذه الحياة موجودة في الإنسان أيضاً، فقد يكون هناك إنسان له هيئة إنسانية لكن لا يوجد فيه سوى صفات حيوانية، ولا توجد فيه صفات إنسانية، أي الحركة الإرادية بناءً على الحكم الإلهي. الحياة الحيوانية ليست نهائية، بل هي انتقالية، تنتقل من الناسوت الظاهر إلى الباطن، وتصنع حياة الحيوان بعد الموت بحسب عمله وتآلفه الولائي، وتُستقبل على مائدة رحمة الحق تعالى بما يناسبها من رزق وعزة واهتمام.

الحياة الحيوانية ترتقي بالحياة الإنسانية. الإنسان، بإرادته القوية وهِمته العالية، يمكن أن يحث أصحاب الحياة الحيوانية على التطلع والتدلي، وبنفَسه المؤثر والفعال، يدفعهم إلى العبودية الإلهية حتى تصبح الحياة الإلهية ملموسة لهم. لذا قيل: “بنا عُبد الله”. جمال أمير المؤمنين عليه السلام يجلب الهداية والنمو والتطور لجميع الظواهر، من الجماد والنباتات إلى أصحاب الحياة الحيوانية. كل ظاهرة، بهذا المعنى، في صعود وهبوط، لأن لكل منها ولاية وحكماً وذكراً. يُقال، مثلاً، إن الثوب النظيف يكون في ذكره الخاص وحاويته الولائية، فإذا اتسخ وفقد صفاءه، يتغير مرتبتُه ويفقد ذكره الولائي. الإنسان يمنح الظواهر الأخرى مرتبة بحسن اختياره أو سوء اختياره، فيرفع هذه الظهورات الإلهية أو يهبط بها إلى الحضيض. حتى الطباخ الذي يعد الطعام بيده ينقل صفة وصفاء جسمه إلى ذلك الطعام. فمثلاً، تناول طعام أعدته يد امرأة رقيقة وجميلة ومليئة بالحب والصفاء يُضفي الرقة واللطافة، وهو يختلف عن طعام أعدته يد خالية من الصفاء واللطافة أو بضغينة وكراهية. الجماد والنبات والحيوان، كلها في حركة وسير لا يتوقف، تنشد أنغام الحب والمحبة أو تنوح بنواح الفراق، بناءً على إيقاع ونظام ونغم خاص، وتميل إلى ما يشابهها ويتوافق مع قوتها، وكل لحظة فيها غوغاء من الوعي ومعركة من القوة والرغبة. لكن تدخل الإنسان غير المناسب قد يدفعها إلى الركود والحزن العائق، بحيث يحول ميلها وشهوتها إلى خمول وضعف. فصل الربيع، وهو فترة الحياة والتجدد، هو ذروة موسم الحب للحيوانات وعيدها الطبيعي في نظام مشترك، والزمان والمكان، مثل الإنسان، يجعلانها تتأرجح بين القمة والحضيض. الإنسان الكامل، الحائز على أعلى مراتب الولاية الخاصة الإلهية، يمكن أن يرفع الظواهر إلى ذروتها، بل ويغير نوعها، ويجعل نباتاً أو حيواناً يصل إلى حدود الإنسانية. الحيوانات، بطبيعتها وجبلّتها، تملك قرباً وبعداً إلهياً ومرتبة من الحب والسرور. الحيوانات في قربها وبعدها الإلهي تتفاوت وتتشكك، وبحسب معرفتها ووعيها وقدرتها المستقلة في الناسوت المتغير والقابل للتحول، تملك مرتبة. وليس القرب والبعد الإلهيان محصورين بالإنسان. ومع ذلك، فإن الإنسان الكامل الإلهي هو من سيوصل كل ظاهرة إلى حكمها وغايتها. الإنسان الإلهي، الحائز على الولاية والتوحيد وقدرة الإعانة، لا يترك أحداً تائهاً في الطريق، ويوصل جميع رفاقه إلى الغاية.

آیا این نوشته برایتان مفید بود؟

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

منو جستجو پیام روز: آهنگ تصویر غزل تازه‌ها
منو
مفهوم غفلت و بازتعریف آن غفلت، به مثابه پرده‌ای تاریک بر قلب و ذهن انسان، ریشه اصلی کاستی‌های اوست. برخلاف تعریف سنتی که غفلت را به ترک عبادت یا گناه محدود می‌کند، غفلت در معنای اصیل خود، بی‌توجهی به اقتدار الهی و عظمت عالم است. این غفلت، همانند سایه‌ای سنگین، انسان را از درک حقایق غیبی و معرفت الهی محروم می‌سازد.

آهنگ فعلی

آرشیو آهنگ‌ها

آرشیو خالی است.

تصویر فعلی

تصویر فعلی

آرشیو تصاویر

آرشیو خالی است.

غزل

فوتر بهینه‌شده